جانب من مدينة حلب
جانب من مدينة حلبإرم نيوز

مدينة حلب.. تاريخ من الطرب والاقتصاد والجمال (فيديو إرم)

لكل شيء في مدينة حلب وقع مختلف، من شكل مبانيها ونوع الحجارة المستخدمة في ذلك، إلى طبيعة مناخها ولون خضرة أشجارها، حتى لهجة سكانها تحسبُها، بثِقل حروفها وامتداداتها الصوتية، استمرار لعمق أصالة تلك المدينة.

ومثلما تتحول تلك اللهجة الثقيلة إلى تطريبات مُذهلة على مقامات الحب والوجد والتَّصوُّف، فإن كل من شَرِبَ من مائها لا بد سيصبح نشواناً، وسائراً على طريق الانخطاف الوجداني بجمالياتها التي لا تنتهي، فهي مدينة صالحة للتأمل في جميع الأوقات، وقادرة على أن تُطربك بجمال هندستها العمرانية، وبأطايب مأكولاتها، وطيبة سكانها وتنوُّع انتماءاتهم الدينية والطائفية والثقافية والسياسية.

تقول اليونسكو إن عمر حلب يتجاوز 12200 عام، أي أنها أقدم من مدينتي دمشق وأنطاكية، ولها تسميات كثيرة على مر التاريخ، ففي الكتابات المسمارية التي اكتشفت في مملكة إيبلا ذُكرَ اسمها أول مرة، وفي الألفية الثالثة قبل الميلاد كانت تسمى "أرمان" و"هليا"، وفي الكتابات الأشورية ذكرت باسم "خلابا وخلوان"، وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد ذكرت باسم "خرب" و"خلبو" و"حلبو".

أما بعد انقسام مملكة الإسكندر المقدوني فعرفت باسم "بيروا" على اسم مسقط رأس أبيه الإسكندر، وهو اسم يعني بالإغريقية "أرض النحاس"، وبقيت تعرف بهذا الاسم في العصور التي تلتها في اليونانية والرومانية والبيزنطية، وقيل إن من بنى المدينة اليوناني سلوقس الأول نيكتور.

وعندما صارت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية عام 1800 سميت (حلبا)، وقيل إنها كلمة معربة من أصلها السرياني الذي يعني "المدينة البيضاء" لشدة بياض صخرها وتربتها، وذكر آخرون أنها آرامية، وقيل إن اسم "حلب" ينحدر من أصل سامي قديم قصد به وصف موقع معبد لإله العاصفة "حدد" في الشرق الأدنى، وقد اكتشف مكانه أواخر القرن العشرين، وما بقيت منه إلا آثار بسيطة مدفونة في قلعة حلب.

وذكر ياقوت الحموي إنها سميت بذلك لأن نبي الله إبراهيم عليه السلام كان "يحلب فيها غنمه ويتصدق به فيقول الفقراء: حلب حلب"، لكنه لم يرجح ذلك لأن نبي الله وأهل الشام حينها لم يكونوا عرباً، ورجح أن أصلها عبراني أو سرياني، وهي لغات تشابه كلام العرب.

وتاريخياً تعتبر حلب عاصمة سوريا الاقتصادية، إذ وقعت على مفترق طرق تجارية متعددة منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، وحافظت على مكانتها تلك رغم اختلاف الحضارات التي خضعت لسيطرتها بدايةً من الحثيين ثم الآشوريين والعرب فالمغول ثم المماليك والعثمانيين وحتى زمننا الحاضر.

وحالياً تشتهر بصناعاتها العريقة كصناعات النسيج وصناعة صابون الغار، الذي يعد الأجود في العالم، وصناعات زيت الزيتون والصناعات الغذائية، إلى جانب الصناعات التقليدية كصناعة الجلود والصوف والفواكه المجففة، والنقش على الزجاج والنحاس، فضلاً عن مكانتها الزراعية إذ تنتج القمح والقطن والشعير والخضروات والفواكه والمكسرات والسمسم، وتختص بالفستق الحلبي، الذي تشتهر به وتصدره عالميا، إضافة إلى الصناعات الحديثة المتطورة بكل أنواعها.

صنَّفتها منظمة اليونسكو ضمن المدن التاريخية لاحتوائها على أكثر من 150 أثراً من عيون الآثار التاريخية التابعة لمختلف الحضارات الإنسانية التي تعاقبت على حكمها منذ عصور ما قبل التاريخ إلى الحكم الإسلامي، وفي عام 1986 سجلت "حلب القديمة" بالسجلات الأثرية وعُدَّت من المعالم التي لا يجوز هدمها أو تغيير معالمها أو مواصفاتها إلا بإذن من الجهات الأثرية العالمية.

اشتهرت حلب بقلعتها الجميلة التي بُنيت في القرن الثالث عشر، وأسواقها الأثرية، كسوق العطارين والحدادين والنحاسين، وتعد أسواقها الشرقية واحدة من أطول الأسواق الأثرية المسقوفة بالعالم إذ تمتد لما يزيد عن 15 كيلومتراً، كما عرفت أيضاً بأسوارها وأبوابها (باب الحديد، أنطاكية، النصر، قنسرين، النيرب، الأربعين).

وهناك آثارها الإسلامية وعلى رأسها الجامع الأموي الكبير ويطلق عليه البعض "جامع زكريا"، إذ قيل إن بعضاً من جسد نبي الله زكريا دفن فيه، وثمة الكثير من الخانات ومن أهمها "خان الحرير" الذي يعد أشهرها بالعصرين المملوكي والعثماني، وخان الجمرك الذي بناه الوالي العثماني إبراهيم خان باشا عام 1574 ميلادية ويعد أجملها.

وإلى جانب آثارها العمرانية، لَمَعت أسماء أعلام في الأدب والفنون ولدوا في حلب وترعرعوا فيها، منهم: البحتري، ابن يعيش النحوي، سليمان الحلبي الذي قتل الجنرال الفرنسي كليبر، سعد الله الجابري، محمد علي الصابوني أستاذ الشريعة الذي كان له درس يومي في المسجد الحرام، عثمان طه خطاط مصحف المدينة المنورة، مصطفى العقاد، وليد إخلاصي، عبد الفتاح قلعجي، نهاد سيريس، سمير طحان، لؤي كيالي، عبد الرحمن مؤقت وغيرهم الكثير.

كما ارتبط اسمها بالقدود الحلبية وعُرِف عن أهلها ولعهم بالموسيقى وغناء الموشحات، حتى صارت مدينتهم عاصمة الطرب الأصيل في الوطن العربي، وقيل أن كل من يشرب من ماء حلب لا بد سيصبح صوته جميلاً، ومن أعلام الطرب فيها: صباح فخري، صبري مدلل، محمد خيري، حمام خيري، شادي جميل، نهاد نجار، وغيرهم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com