طرق ومسارات جديدة للهجرة غير الشرعية من مصر والمغرب

طرق ومسارات جديدة للهجرة غير الشرعية من مصر والمغرب

استقر "هاني" على مقعدٍ في الدرجة الاقتصادية، على متن طائرة "مصر للطيران"، المتجهة إلى العاصمة التركية أنقرة، ودوّن على أوراق سفره أن الغرض من الزيارة هو "السياحة"، لكنه كان في طريقه نحو هدفٍ آخر؛ الهجرة إلى أوروبا، بحثًا عن عمل، بعدما ضاقت به السبل في مصر، وذلك عبر مسارٍ جديدٍ للهجرة غير الشرعية.

ومن أقصى شرق القارة الأفريقية في مصر إلى أقصى غربها، حيث يجلس "إبراهيم" وهو شاب مغربي في العشرينات من عمره، في مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء، في انتظار الطائرة المتجهة إلى مطار إسطنبول في تركيا أيضًا. لم يختلف مسعى "إبراهيم" عن "هاني"؛ كلاهما طرقَ أبواب الهجرة غير الشرعية جميعًا، عبر المسارات المعروفة لعبور البحر المتوسط، باستخدام قوارب الصيد، انطلاقًا من مدن طنجة والقصر والفنيدق في المغرب، المقابلة للشواطئ الإسبانية، ومدينتي مطوبس ورشيد في مصر، ولكن دون جدوى.

في هذا التحقيق، نرصد المسارات الجديدة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، بعدما شددت السلطات في الدولتين الرقابة على المسارات المعتادة بالقوارب عبر البحر المتوسط، إذ يقطع المهاجرون مسافات برية وجوية وبحرية طويلة، عبر بضع دول وطرق وعرة، قد تنتهي بهم إلى الموت في الغابات أو الاختطاف من العصابات أو النجاة بعد رحلة طويلة وتجربة مريرة.

في مصر، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، أن الحكومة استطاعت السيطرة على شواطئها ومنع الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، وفي المغرب، أعلنت مديرية الأمن الوطني توقيف 23 ألف مهاجر غير شرعي خلال العام 2022، قبل بداية رحلتهم إلى أوروبا عبر الساحل الشمالي، بعد تشديد الخناق على المهاجرين بالتعاون مع الأمن الإسباني.

لسنواتٍ عديدة، كانت السواحل المصرية والمغربية منفذًا للمهاجرين إلى أوروبا. في المغرب انطلقت قوارب الهجرة غير الشرعية من مدينتي مليلة وسبتة، ومن مصر بدأت الرحلات من محافظة كفر الشيخ ومدينة رشيد.

وعلى الرغم من الرقابة والتشديدات الأمنية، فقد وصل 3 آلاف و935 مهاجرًا مصريًّا إلى إيطاليا، في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني، ويونيو/حزيران 2022. وشكل المصريون 18% من عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى إيطاليا. وما بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني 2021، وصل أكثر من 1200 مصري شهريًّا، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية الإيطالية، بعد أن سلكوا طرقًا جديدة نحو أوروبا.

وفي تقريرٍ صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية في مصر، تنوعت العوامل التي تدفع الشبان المصريين إلى الهجرة غير الشرعية، على رأسها العوامل الاقتصادية، وتتمثّل في البطالة وانخفاض الأجور وتدنّي المستوى الاقتصادي والمعيشي، إلى جانب الانفجار السكاني وانتشار الفقر في ظل ظروف اقتصادية طاحنة.

المحامي في محكمة النقض والدستورية العليا المصرية محمود البدوي
المحامي في محكمة النقض والدستورية العليا المصرية محمود البدوي

محمود البدوي، محام مصري في محكمة النقض والدستورية العليا، معني بملف الهجرة غير الشرعية، يقول إنه بعد 2016 توقفت مراكب الهجرة غير الشرعية، التي كانت تبحر من السواحل المصرية، وبدأ المهربون في البحث عن طرق ومسارات جديدة، حتى بدت تركيا منفذًا سهلًا للوصول إلى أوروبا، ولكن الوصول إلى تركيا نفسها ليس سهلًا، لذلك استغل البعض الوصول بشكل شرعي عبر تأشيرات السياحة، أو عبر منافذ أخرى مجاورة مثل استغلال عدم الاستقرار في ليبيا والسودان. 

البداية.. جوًّا


"إبراهيم" وهو شاب أعزب يبلغ من العمر 34 عامًا، ينحدر من جنوب المغرب، حاول الهجرة عبر تلك الطرق المعتادة بقوارب الصيد المستعملة، انطلاقًا من مدينة طنجة، لكن باءت محاولته بالفشل، لذا قرر تغيير مساره إلى رحلة أخرى برًّا وجوًّا، تمتد إلى نحو 6700 كيلومتر.

في كانون الثاني/يناير 2020، وقبل أن تُوقف جائحة كورونا خطوط الطيران، حجز "إبراهيم" تذكرة طائرة متوجهة إلى إسطنبول، مستغلًا سهولة إجراءات السفر من المغرب إلى تركيا، التي لا تتطلب الحصول المسبّق على تأشيرة دخول إليها، إذ يستطيع أي مغربي دخول تركيا ببطاقة الهوية فقط.

حين هبطت الطائرة في مطار إسطنبول، شعر "إبراهيم" أن الأمر ليس سهلًا: "شعر بالتيه، إذ لا يعرف أحدًا ولم يتواصل معه المهرّب"، بدأ البحث عن أي شخصٍ يجيد الإنجليزية أو العربية ليساعده، ولكن دون جدوى، حتى صادف في المطار بعض الوجوه المألوفة، وحين أنصت لحديثهم كانوا يتحدثون العامية المغربية. يقول لإرم نيوز: "وجدت أنهم شبان مغاربة، وأننا نتقاسم الهدف ذاته، لذلك انضممت إليهم في رحلةٍ نحو المجهول".

في القاهرة، سقط والد "هاني" على الأرض مصابًا بأزمةٍ قلبية، بعدما أدرك أن المهرّب خدعه، وأقنعه أنه يستطيع تأمين وصول نجله إلى أوروبا، في رحلةٍ شرعية، مقابل دفع 260 ألف جنيه مصري. تقول "إنجي" شقيقة "هاني" لـ"إرم نيوز": "المهرّب قال لوالدي إن رحلة هاني تبدأ بالتوجه جوًّا إلى تركيا بتأشيرة سياحية، ومنها يبحر بباخرة سياحية كبيرة رسميًّا إلى إيطاليا، لكن حين وصل هاني، تحولت الباخرة إلى قاربٍ صغير، يتسع بالكاد لعشرة أشخاص، فيما تم تحميله بأكثر من 80 مهاجرًا، ووجهته اليونان وليس إيطاليا".

وانتهت الرحلة بغرق المركب واختفاء هاني؛ ما دفع شقيقته لتقديم بلاغ للنيابة، ضد المهرب ومعاونيه، وعلى الرغم من ذلك لم يُقبض على هؤلاء ولم يقدَّموا للمحاكمة، ولم يعد هاني حيًّا إلى مصر، ولم يظهر جثمانه، وتوفي والده حزنًا عليه.

البلاغ المقدم للنيابة المصرية ضد المهرب ومعاونيه
البلاغ المقدم للنيابة المصرية ضد المهرب ومعاونيه

من تركيا نحو أوروبا.. برًّا وبحرًا

بحث "إبراهيم" والشبان المغاربة عن أرخص الفنادق في منطقة أقسراي التركية، وقضَوْا هناك ليلتهم، وفي الصباح جمعوا احتياجاتهم من بطاريات ومأكل وملبس وأحذية مضادة للثلوج والبرد القارس، لتأمين رحلتهم البرية الطويلة من تركيا إلى اليونان.

يوجد في تركيا طريقان لا ثالث لهما للوصول إلى البلدان الأوروبية؛ الأول هو طريق بري عبر الغابات الفاصلة بين تركيا واليونان، والثاني طريق بحري عبر قاربٍ يعبر بحر إيجه الفاصل بين اليونان وتركيا.

إبراهيم
إبراهيم


اختار "إبراهيم" ورفاقه المغاربة الطريق البري، وفي اليوم الثالث لوصولهم شدّوا الرحال من مدينة أقسراي، في وسط تركيا، إلى مدينة أدرنة في أقصى الشمال الغربي، وهي المدينة المتاخمة للحدود مع بلغاريا واليونان، وتبعد عن حدود اليونان 7 كيلومترات، وعن بلغاريا 20 كيلومترًا.

صورة لإبراهيم مع أصدقائه في منطقة قرب الحدود اليونانية
صورة لإبراهيم مع أصدقائه في منطقة قرب الحدود اليونانية


من أدرنة، تواصل "إبراهيم" مع المهرب، ليسهّل لهم عبور الحدود، مقابل 1000 دولار من كل مهاجر، وبدأت رحلة البر مشيًا على الأقدام من مدينة أدرنة بتركيا نحو مدن تسالونيكي أو ألكسندر بولي في اليونان، وبالفعل عبر إبراهيم ومن معه السياج الحدودي الفاصل، وظلوا مختبئين في الغابات لأسابيع، قبل أن تلقي قوات الشرطة التركية القبض عليه مع مجموعة كبيرة من المهاجرين: "زجوا بنا في عربة مليئة بالمهاجرين، وحققوا معنا للتأكد من أننا لسنا متشددين إسلاميين، أو لا علاقة لنا بتنظيم داعش، قبل أن يطلقوا سراحنا".

ابن عم مصطفى
ابن عم مصطفى


على بعد 700 كيلومتر من أدرنة، سلك "مصطفى" شاب مصرى لم يتجاوز عمره 18 عامًا، طريقًا آخر للهجرة من تركيا عبر شواطئ بحر إيجة في مدينة أزمير، على أقرب مسافة بحرية تفصل بين السواحل التركية واليونان، ومنها صعد إلى أحد قوارب الهجرة الصغيرة غير الشرعية. كان القارب المكدس بالمهاجرين يتمايل منذرًا بالأسوأ، ورغم ذلك فقد أصر على استكمال رحلته وعدم التراجع، حسب ما يروي ابن عمه لموقع "إرم نيوز" في حوار أجري في القاهرة.


لم تكن الرحلة مأمونة، وواجه مصطفى نفس مصير "هاني"، وغرق المركب، ولم ينجُ منه سوى خمسة أشخاص فقط، لم يكن "مصطفى" من بينهم، ولا تتوفر حتى الآن أي معلومات عن الشاب، وعلى مدار عدة أيام حاولت العائلة معرفة مصير ابنها الصغير، وبمساعدة عدد من أبناء البلدة في اليونان تلقوا خبر وفاة نجلهم ومن معه غرقًا في مياه البحر، قبل الوصول إلى أوروبا وبداية تحقيق أحلامهم، ليعودوا جثامين داخل صناديق محمولين على الأعناق دون وداع أحبائهم.

ابن عم مصطفى
ابن عم مصطفى

"عبد المسيح" طفل مصري يبلغ 15 عامًا، كان على متن قارب آخر يبحر من أزمير إلى أثينا. غرق القارب ومن عليه، ولكن كتبت النجاة لعبد المسيح على الرغم من بقائه في المياه لنحو ثلاثة أيام، دون طعام أو شراب.


خرج عبد المسيح من القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر 2022، بعد أن استدان والده مبلغ  300 ألف جنيه مصري طلبها المهرب، الذي يؤمن تلك الرحلة الطويلة عبر أربع دول من أفريقيا وأوروبا، بعدما خرج نحو السودان برًّا، ومنها سافر إلى تركيا، ووصل إلى ميناء مدينة أزمير، ليصعد إلى القارب الصغير المكدس بالمهاجرين.

أبحر القارب سالمًا لمدة يوم ونصف اليوم، لكنّ بسبب الحمولة الزائدة وضعف بنية القارب، تسللت المياه إلى داخله رويدًا رويدًا، ولم يكن على متنه سوى 5 سترات نجاة، استولى المهربون على اثنتين، في حين تبقت ثلاث سترات لأكثر من 80 شخصًا.

حاول المهاجرون إرسال إشارات استغاثة إلى السلطات اليونانية ولكن دون جدوى. تحمّل المركب ساعات، قبل أن يغرق، ويسقط الجميع في المياه يصارعون الأمواج.

ظل الطفل عبد المسيح نحو ثلاثة أيام في المياه، متشبثًا بسترة نجاة دون طعام أو شراب، حتى عثرت عليه إحدى فرق الإنقاذ، ولم ينجُ من المركب سواه وخمسة آخرين. وبعد نقله إلى أحد المستشفيات والتحقيق معه، أفرج عنه لصغر سنه، وألحق بإحدى المدارس اليونانية، تحت رعاية المنظمة الدوليّة للهجرة (IOM).


شبكة التهريب.. الاصطياد  

تنقسم شبكات تهريب المهاجرين إلى مجموعتين، الأولى هي من تستقطب الشبان من بلدانهم؛ في مصر والمغرب، والثانية تستقبل المهاجرين في تركيا، وتنظم الرحلات إلى اليونان وبلدان أوروبا الأخرى.

في المغرب، ينشط المهربون عبر مجموعات سرية على فيسبوك، لذلك أنشأ معد التحقيق حسابًا باسمٍ مستعارٍ، وادعى أنه شاب من جنوب المغرب يحاول الهجرة نحو أوروبا عبر تركيا، للولوج إلى تلك المجموعات. 

وبالفعل استطاع التواصل مع أحد أكثر المهربين المطلوبين بالأراضي التركية، الذي ورد اسمه على لسان أكثر من ضحية، سواء بمشاركته في التسفير، أو أحيانًا استغلال هؤلاء الضحايا. المهرب الملقب بـ"أمير عزي"، هو شخص غير مغربي -حسب ما يبدو من لهجته- يقطن في تركيا، لكن يصعب تعقبه.

حاول معد التحقيق التواصل معه تليفونيًّا، لكنه اعتذر وطلب التواصل عبر "الواتساب" فقط، وبالفعل أعدنا الاتصال به، وقدم له الصحفي نفسه، على أنه يبحث عن منفذٍ للوصول إلى أوروبا، وعبّر عن استعداده للتعاون بمجرد الوصول إلى تركيا، وطلب من معدّ التحقيق حجز الطيران والتوجه إلى إسطنبول، على أن يستقبله في المطار هناك أحد رجاله، الذي يتولى تأمين الرحلة نحو اليونان.

 تواصل معد التحقيق مع مهربٍ آخر، وهو مغربي الجنسية، وطلب مبلغ 80 يورو، تتضمن "التقطاع"، أي اجتياز السياج، ثم التكفل بالنقل السري غالبًا عبر شاحنات إلى اليونان. وتعد الرحلة البرية أكثر أمانًا من استخدام القوارب المعرضة للغرق، لكنها محفوفة بالمخاطر ونسبة نجاحها أقل من القوارب، التي تتكفل قوارب الإنقاذ اليونانية بنقل ركابها إذا غرقت، سواء أكانوا أحياء أم أمواتًا إلى مدن اليونان.


" />

بين ليبيا وتركيا.. ميليشيات وعصابات مسلحة

"وليد" شاب مصري ضالع في إحدى شبكات التهريب من تركيا، يزعم أنه يساعد العديد من أبناء وطنه للخروج من مصر نحو أوروبا، مقابل مبالغ زهيدة، حسب قوله، ويركز على مساعدة أقربائه وجيرانه وأبناء بلدته، حسب ما يقوله لمعدّة التحقيق، التي وافق على الحديث معها، بعدما ادّعت أنها ترغب في مساعدة شقيقها للوصول إلى أوروبا.

يتولى وليد تنظيم تهريب المهاجرين المصريين من الحدود المصرية الليبية، ويساعده في ذلك عدد من أهالي منطقة السلوم من البدو، ويقول: "شواطئ ليبيا أصبحت أسهل للخروج من الشواطئ المصرية"، ومن ليبيا يتكفل متعاونون معه بنقل المهاجرين عبر قوارب الصيد الصغيرة إلى إيطاليا.

لكن لم يسلم "وليد" والمهاجرون من الظروف المعقدة التي تمر بها ليبيا، التي تسيطر الميليشيات المسلحة على بعض مناطقها، ويقول: "ابن عمي اختطفته ميليشيات في أثناء رحلته من ليبيا إلى إيطاليا، وطلبت 100 ألف جنيه فديةً مقابل الإفراج عنه".

إعلان للمهرب الجزائري يتضمن رقم هاتفه
إعلان للمهرب الجزائري يتضمن رقم هاتفه

لم تنته الرحلة هنا، فبعد إطلاق سراح ابن عمه ومن معه بأيام قليلة، وقبل مغادرته ليبيا اختطف مرةً أخرى، ما اضطر "وليد" للسفر بنفسه إلى ليبيا، ودفع فدية جديدة تبلغ 70 ألف جنيه، وأمّن الرحلة بنفسه لابن عمه ومن معه نحو إيطاليا.

"سليم" أحد الشبان المغاربة،  نجح في الوصول إلى الحدود التركية اليونانية في مدينة أدرنة، قبل أن يقع في قبضة إحدى الميليشيات المسلحة. يقول لـ"إرم نيوز" إنهم أوسعوه ضربًا: "تعرَّضت لضربٍ مبرّح في جميع أنحاء جسمي.. وكانت تلك اللحظات مرعبة، خاصة بعدما وجهوا البنادق نحو رؤوسنا، وطالبونا بالاعتراف بعددنا الحقيقي، وما إذا كان آخرون يختبؤون في الغابات".

سرقت الميليشيا كل ما بحوزة المهاجرين، وغطوا وجوههم ونقلوهم في سياراتٍ وسلموهم للشرطة التركية، التي أودعتهم أحد السجون في مدينة "أدرنة".

لم يستسلم "سليم" للفشل من المرة الأولى، فبعد أن أفرجت عنه الشرطة التركية، بدأ العمل بإحدى البقاليات المحلية بأجرٍ زهيد للغاية، بغية جمع المال الكافي لاستكمال رحلته نحو اليونان، وعاود الكرّة، لكن بمجرد أن عبر السياج الحدودي للمرة الثانية وجد نفسه من جديد في قبضة الأمن التركي؛ ما دفعه إلى أن يعود أدراجه نحو المغرب، بعد أن فشلت المحاولة الأخيرة.

مصير محتوم

"أحمد بدر" مهاجر مصري خرج من مصر نحو أوروبا مرورًا بالسودان ومنها إلى تركيا، قبل أن يتوجه نحو الحدود البرية مع اليونان، وقطع الطريق البري عبر الغابات في سبعة أيام، برفقة مهاجرين آخرين، وفي الرمق الأخير وعلى مقربةٍ من سياج الحدود اليونانية، ألقت قوات الأمن التركي القبض عليهم، وعاد "بدر" إلى نقطة الصفر في إسطنبول من جديد.


لم يكتفِ "بدر"، كما "سليم"، بفشل المحاولة البرية، وغيّر خطته واتجه جنوبًا 700 كيلومتر، نحو أزمير ليبحر بأحد القوارب الصغيرة في بحر إيجه، بعدما دفع للمهرب 500 دولار، لكن قبل الوصول إلى شواطئ اليونان غرق القارب، ورغم نجاته من الحادث فقد ألقي القبض عليه، وقضى نحو عام في السجن.

لكن الشاب المغربي "رضا"، لم يكن مصيره السجن أو الفشل في الرحلة، بل اختفى في غابات بلغاريا، حسب ما تقول هدى الكيناني، وهي عضو جمعية مقرها تركيا تُعنى بشؤون المهاجرين غير الشرعيين، وتروي لـ"إرم نيوز" قصة الشاب المغربي "رضا".

تعمل "الكيناني" على حصر المفقودين في أثناء رحلات الهجرة غير الشرعية بين تركيا واليونان وبلغاريا، وحين حل الشتاء الماضي، أُبلغت أن شابًا يُدعى رضا فُقد في غابات بلغاريا، وظلت لأسابيع ترافق الشرطة التركية في البحث عنه دون جدوى، ومع ارتفاع منسوب الثلوج عن الأرض، أوقفت الشرطة عمليات البحث.


بعد 15 يومًا، عادت "الكيناني" والشرطة لاستئناف البحث من جديد، بعدما توقف تساقط الثلوج، حتى وجدت جثمانه متجمدًا وهو يسند ظهره إلى جذع شجرة. تقول: "كان جسده مجرد هيكل عظمي مقطع الأوصال، وعلى الأغلب أنه مات من شدة البرد، فيما نهشت جسده الذئاب الجائعة أو حيوان مفترس آخر، ونهش عينيه طير من الطيور الجارحة"، وهذه ليست المرة الأولى التي تجد فيها "كيناني" جثمان مهاجر نهشته الوحوش وتغذت على عينيه الطيور الجارحة والغربان.

اتصلت "الكيناني" بوالدة "رضا"، لتخبرها بوفاة ابنها، وخيّرتها بين الدفن في تركيا أو إعادة الجثمان إلى المغرب، لكن الأم أخبرتها أنه ليس لديها الإمكانيات المادية لنقله إلى المغرب، مع رجاء واحد فقط "عندما تدفنونه في تركيا اتصلي بي عبر الفيديو، لكي أشاهد قبر ابني".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com