في مصر.. حفّارو الآبار ضحايا الآلات والمقاولين

في مصر.. حفّارو الآبار ضحايا الآلات والمقاولين

عمال آبار المياه ضحايا عدم الالتزام باشتراطات الأمن والسلامة في ظل غياب الرقابة

على الرغم من مرور أربعة أعوام على الحادث، ما زال محمد هلال يتذكر تفاصيله وكأنه بالأمس، فكلما حاول التقاط شيء بيده اليسرى ولم يجدها، يتحسس موضع البتر، ويتملك الألم من جسده بالكامل، إذ كان الشاب ذو الثلاثين عامًا يعمل حفارًا لآبار المياه، قبل أن تلتهم ماكينة الحفر ذراعه ويفقد معها عمله وما يعول به أسرته.

ينحدر هلال من قرية الرهاوي شمال محافظة الجيزة، هذه القرية التي تعج بالمصابين بعاهات مستديمة حدثت خلال عملهم اليومي في حفر آبار المياه. يقول هلال: "مفيش بيت في الرهاوي خالٍ من مصاب أو متوفى خلال العمل"، إذ يمتهن غالبية رجال القرية مهنة حفر الآبار، وصناعة معداتها، بعدما ذاع صيتهم في ربوع مصر منذ عشرات السنين.

محمد هلال.. التهمت ماكينة الحفر ذراعه بالكامل
محمد هلال.. التهمت ماكينة الحفر ذراعه بالكامل

يحفر "هلال" وزملاؤه الآبار في الصحراء، دون استخدام أي وسيلة من وسائل الأمن الصناعي، ودون وجود أي حماية قانونية أو تأمينات اجتماعية أو رقابة من الجهات المسؤولة، إذ إنهم يعملون لصالح "مقاولين أنفار" من مالكي آلات الحفر، دون أي إجراءاتٍ تعاقدية من أي نوع، وسط تزايد الاعتماد عليهم في المشروعات العملاقة لاستصلاح الأراضي الصحراوية في مصر.

في 4 مارس 2019، خرج هلال من قريته الرهاوي التابعة لمركز منشأة القناطر في محافظة الجيزة، رفقة زملائه من العمال على عربةٍ تحمل آلات الحفر إلى إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، ليحفر بئر مياهٍ ارتوازية.

هلال فقد عمله في حفر الآبار بعد الإصابة ولم يحصل على تعويض مناسب
هلال فقد عمله في حفر الآبار بعد الإصابة ولم يحصل على تعويض مناسب

وبعد ساعات من العمل تحت أشعة الشمس، خرجت آلة الحفر عن مسارها وأكلت ذراع "هلال" بالكامل. ارتبك القائمون على موقع العمل بأكمله، فلم تكن بحوزتهم أي إسعافات أولية، ولم يكن هناك أي شخص يستطيع التعامل مع الحالات الطبية الخطرة، ولم يجدوا حلًا سوى نقله بعربة المعدات، غير المؤهلة لنقل المصابين، إلى أقرب مستشفى.

وأخذت السيارة المتهالكة تنهب الطرق غير الممهدة، بينما ينزف جرح هلال بلا توقف، "وبعد ساعتين من النزيف المتواصل والألم الشديد وصلت مستشفى كفر الشيخ العام"، وفقا لما يقوله هلال.

عربات متهالكة تحمل المعدات والعمال إلى أماكن الحفر في الصحراء
عربات متهالكة تحمل المعدات والعمال إلى أماكن الحفر في الصحراء

في المستشفى، لم تنجح محاولات الأطباء في إنقاذ ذراعه، وبعد تماثله للشفاء أخبره الأطباء بصعوبة تركيب ذراعٍ تعويضية، لأن الماكينة قطعت ذراعه بالكامل من عند الكتف: "الحاجة الوحيدة اللي سألت عليها الأطباء بعد إجراء العملية إن كان ينفع أركب ذراع صناعية وقالوا: لأ.. مستحيل".

"هلال" الذي عمل على مدار 20 عامًا في مهنة حفر الآبار العميقة، يقول إنهم لم يعتادوا استخدام أدوات الحماية والأمان، ولم يوفرها لهم أي مقاول توفيرًا للنفقات: "كل مقاول عايز يوفر على قد ما يقدر في تكلفة الحفر، عشان يحقق أكبر مكسب ممكن".

 غياب أدوات الحماية والأمان أفقد هلال ذراعه والقدرة على ممارسة حياته بشكل طبيعي، وشعور بألم متجدد في جسده لا يتوقف رغم مرور أربعة أعوام.

وتنص المادة 209 من كتاب "السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل" التابع لقانون العمل المصري، على ضرورة "التزام صاحب العمل بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل للوقاية من المخاطر الميكانيكية التي تنشأ من الاصطدام بين جسم العامل وأي جسم صلب، وعلى الأخص كل خطر ينشأ عن آلات وأدوات العمل".

وحدد القرار الوزاري رقم 112 لسنة 2003 الإجراءات والتدابير اللازمة لتوفير وسائل السلامة من المخاطر الميكانيكية، التي تضمنت توفير الملابس الوقائية لحماية الصدر والبطن، وحماية الأذرع والكتف، وواقيات الرأس، وواقية العين والوجه، وأحذية السلامة، وقفازات الأيدي، وتدريب العمال على استخدام العِدد والأدوات وآلات الحفر الثقيلة، وإحاطتهم علما بمخاطرها.

ولكن عادةً لا يحدث ذلك في الرهاوي، إذ وثق معد التحقيق عبر زياراته عددًا من مواقع الحفر، عمل الحفارين دون الالتزام بأدوات السلامة والصحة المهنية، وسط مخاطر جمة وأدوات ضخمة، وفي الصحراء بعيدًا عن المشافي.

وللرد على ما جاء في التحقيق، قال رضا العربي، عضو المكتب الفني لوزير القوى العاملة، إن مفتشي القوى العاملة يحررون محاضر لأي مخالف من المقاولين وشركات الحفر لاشتراطات السلامة والصحة المهنية في مواقع العمل، وتحول تلك المخالفات إلى النيابة العامة للتحقيق، وإذا ثبتت تلك المخالفات يحصل العامل على جميع حقوقه.

وأضاف أن "عدم وجود عقد عمل لا يعني عدم وجود حقوق للعمالة غير المنتظمة"، لافتا إلى أن أي عامل يحرر محضرًا لإصابته أثناء العمل، يحول الأمر للنيابة للتحقيق مع صاحب العمل، ويحصل العامل على كافة حقوقه من صاحب الشركة أو المقاول.

وقد أشار العربي إلى أن الوزارة تشكل لجانا للتفتيش على تطبيق اشتراطات السلامة والصحة المهنية بشكل دوري، مع محاولة توفير تلك الوسائل من خلال الوزارة أيضًا.

"علي" ضحية العمل بدون وسائل أمن وسلامة.
"علي" ضحية العمل بدون وسائل أمن وسلامة.

طفل ووالده

كان الطفل "علي" ( 14 عامًا) يرافق والده "مصطفى حسن" في العمل بحفر آبار المياه في الصحراء، ويقول مصطفى: "ابني كان بيشتغل معايا عشان يساعدني في المعيشة"، وذلك على الرغم من أن المادة 57 من قانون العمل "تحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم السنةالخامسة عشرة".

 مصطفى.. والد علي أصيب هو الآخر أثناء الحفر
مصطفى.. والد علي أصيب هو الآخر أثناء الحفر

وقبل ثلاثة أشهر خرج الأب والابن للعمل في أحد المواقع الصحراوية على أطراف الإسكندرية، ولكن خلال الحفر سقطت ماسورة على قدم الأب، أصابته بكسر مفتوح في المشطية الرابعة والخامسة للقدم اليمنى، وذلك حسب التقرير الطبي الصادر عن مستشفى مبرة العصافرة في الإسكندرية، فأفقدته الإصابة القدرة على العمل أو الحركة.

أصبح "الأب" طريح الفراش، والطفل الذي كان يصرخ من الخوف على والده وهو يسبح في دمه ويتألم من أوجاعه وسط الصحراء، لم يجد مفرًا من الخروج للعمل مع نفس المقاول، ليوفر مصاريف استكمال علاج والده، ونفقات معيشة أسرته، التي تهرب منها صاحب العمل. لم يمر سوى أسبوع واحد على فاجعة والده حتى أصيب الطفل أيضًا إصابةً بالغة، تسببت في بتر ثلاثة أصابع من يده اليمنى، وجرح هرسي وتهتك أجزاء من قدمه.

"لما وقعت عليّ الماسورة حسيت إني مت، ولما راحوا بينا مستشفى في الإسكندرية وعملت العملية الدكاترة قالولي إن صوابعك مش هترجع تاني"، يحكي "علي" تفاصيل الحادث وهو يتحسس موقع أصابعه الثلاثة المبتورة، وجروح قدمه التي لم تلتئم بعد.

جروح الطفل علي لم تلتئم بعد مرور ثلاثة أشهر
جروح الطفل علي لم تلتئم بعد مرور ثلاثة أشهر

حق مفقود

لم يستطع "هلال" و"مصطفى" تحرير محاضر ضد المقاولين، خاصةً في ظل عدم امتلاكهما أي أوراق تعاقدية معهما. وبعد جلسة عرفية، ساوم المقاول "هلال" على التكفل بمصاريف جراحة البتر وجزء من مصاريف استكمال علاجه ومبلغ 30 ألف جنيه، مقابل عدم المطالبة بأي حقوق أو تعويضات أخرى. وطالبت أسرة هلال المقاول بتحمل نفقات أسرته أو توفير راتب يكفيهم، لحين إيجاد عمل مناسب لإعاقته، لكنه رفض ورد: "أنا مليش ذنب اعتبروه عمل حادثة وخبطته عربية".

حمدي معبد، رئيس جمعية العدالة الاجتماعية للتنمية وحقوق الإنسان، المختصة بالدفاع عن حقوق العاملين في حفر الآبار، يقول إنه "لا يفوت شهر دون حالة وفاة أو إصابة بعاهة مستديمة للعاملين في حفر الآبار من قرية الرهاوي"، مشيرًا إلى استغلال المقاولين لعدم وعي المواطنين بحقوقهم والقانون، وتنتهي أغلب الحالات بالحل الودي بعد دفع مبالغ هزيلة لا ترقى إلى مستوى الضرر والإصابة التي لحقت بالعامل، بعد جلساتٍ ودية وعرفية بين أهالي المصاب وعائلة المقاول بتوسط من أحد وجهاء القرية.

ويقول "معبد" إن القرية فيها أكثر من 300 حالة وفاة لشباب في مقتبل العمر أثناء العمل في حفر الآبار، هذا بخلاف مئات المصابين بالبتر في الأيدي والأرجل والعاهات المستديمة الأخرى.

"كل صباح يجمع المقاول عددًا من عمال القرية في عربات إلى جوار آلات الحفر، ويتوجهون نحو مواقع حفر الآبار في الصحراء، ويبدأ العمل، دون وجود أي علاقة تعاقدية بين العمال والمقاولين، سواء عقد قانوني أو تأمين اجتماعي، وإذا طالب أحد العمال بحقوقه لا يتوانى المقاول عن تركه فورًا والبحث عن بديل"، يضيف "معبد" لـ"إرم نيوز".

وتنص المادة 26 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، على أن تتولى وزارة القوى العاملة رسم سياسة ومتابعة تشغيل العمالة غير المنظمة، مثل عمال حفر الآبار، وتحدد الوزارة القواعد المنظمة لتشغيل هذه الفئات، واشتراطات السلامة والصحة المهنية والانتقال والإعاشة الواجب اتخاذها بشأنهم، واللوائح المالية والإدارية التي تنظم هذا التشغيل.

وتتباين الإحصائيات الرسمية في مصر بشأن عدد العمالة غير المنظمة، إذ صرح وزير القوى العاملة المصري الحالي، حسن شحاتة، في كانون الثاني/يناير 2023، أن عدد العمالة غير المنتظمة المسجلة لديهم يبلغ 2.6 مليون عامل، إلا أن اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشف عن وجود 11 مليون عامل.

حسب المادة الخامسة من قرار وزير القوى العاملة رقم 327 لسنة 2015 بشأن أحكام تشغيل ورعاية العمالة غير المنظمة فإنه "لا يجوز لصاحب العمل تشغيل عمالة غير منظمة عن طريق متعهد أو مقاول توريد عمال".

يعمل هؤلاء الحفارون لصالح "مقاولين" غير شرعيين، لا يمتلكون شركات مسجلة أو أوراقا تثبت أعمالهم، ولا يدفعون الضرائب، وعادة ما يكون هؤلاء المقاولون في الأصل عمال حفر آبار، ولكن توافرت لهم السيولة المادية لشراء معدات حفر، ويجمعون العمال لتنفيذ المهمات.

وحسب المادة الخامسة من قرار وزير القوى العاملة رقم 327 لسنة 2015 بشأن أحكام تشغيل ورعاية العمالة غير المنظمة فإنه "لا يجوز لصاحب العمل تشغيل عمالة غير منظمة عن طريق متعهد أو مقاول توريد عمال".

 كما شدد القرار أيضًا على "معاقبة المخالفين بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز خمسة آلاف جنيه، وتتحدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم الجريمة، وتتضاعف الغرامة في حالة العود" وذلك حسب المادة 240 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003.

رضا العربي، عضو المكتب الفني للوزارة، يقول إن عمال حفر الآبار يندرجون تحت فئة "المقاولات" وإنهم يطالبون الشركات بإرسال أسماء العمالة غير المنتظمة بشكل دوري لتسجيلهم وتغطيتهم قانونيًا، لعدم قدرة الوزارة على التفتيش الدوري على مواقع العمل لكثرتها.

ووعد "العربي" أن تتخذ الوزارة إجراءات سريعة لحصر بيانات العمالة في قرية الرهاوي ومناطق عمل عمال حفر الآبار، وتقديم كافة التعويضات المناسبة، طبقا للوائح المعمول بها، مع الوصول للمقاولين والشركات الذين يستغلون هؤلاء العمال للحصول على حقوقهم. 

وأضاف، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الوزارة توفر الحماية والتغطية الاجتماعية للعمالة غير المنتظمة المسجلة لديها، لعدم وجود أي صفة تعاقدية أو علاقة عمل مع صاحب العمل أو المقاول، وتقدم لهم وثيقة تأمين ومبالغ تعويضية تصل إلى 200 ألف جنيه بخلاف المنح الاجتماعية والعلاوة الأخرى.

ولكن ليست كل العمالة مسجلة، إذ قال إيهاب عبد العاطي، المستشار القانوني لوزير القوى العاملة، في تصريحات سابقة، إن العدد الإجمالي للعمالة غير المنتظمة يتراوح ما بين 10 و 11 مليونا، ولكن المسجلين لدى الوزارة أقل من 3 ملايين.

عمر غريب.. مصاب في عضلة القلب وشقيقه متوفى في حادث حفر آبار
عمر غريب.. مصاب في عضلة القلب وشقيقه متوفى في حادث حفر آبار

أجور زهيدة 

وعلى الرغم من مخاطر وصعوبة العمل في مهنة حفر الآبار، فإن العمال يتقاضون أجورا زهيدة للغاية تقدر بـ200 جنيه في "اليوم الواحد" بحسب عمر غريب، أحد ضحايا العمل في مهنة حفر الآبار، الذي تعرض لحادثين خلال عام 2004 أولهما سقوط ماسورة الحفر عليه ما تسبب في كسر بالكتف الأيسر والثاني اصطدام ماسورة تزن أطنانا بقلبه أدت لانخفاض قوة عضلة القلب إلى 21%: "بعد ما تصاوبت المقاول تركني وجاب غيري".

ويدعم حديثه صابر إبراهيم الذي يقول إن المقاولين يحصلون على اتفاقات مع شركات الاستصلاح بالملايين، وفي المقابل لا يتقاضى العامل سوى مئات الجنيهات كيومية، ولا يستطيع الرفض أو المطالبة بحقوقه، في ظل عدم وجود عقود تنظم العمل مع المقاول.

قرية الرهاوي يتخصص رجالها في صناعة معدات حفر الآبار وتوريد العمالة
قرية الرهاوي يتخصص رجالها في صناعة معدات حفر الآبار وتوريد العمالة

التوسع في الاستصلاح

تزايد الاعتماد على عمال حفر الآبار في مصر، خلال السنوات الخمس الماضية، في ظل توسع الدولة المصرية في مشروعات استصلاح الأراضي الصحراوية التي تعتمد في الري على المياه الجوفية، إذ بلغ حجم الأراضي الصحراوية المستصلحة خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من 500 ألف فدان، وسط مشاريع طموحة تصل إلى 2.8 مليون فدان.

ورغم أن نهر النيل هو المصدر الرئيسي للري في مصر، فإن البلاد تعتمد على المياه الجوفية في جزء من استخداماتها السنوية، بنسبة 8.8 % من حجم مواردها المائية، إذ يبلغ حجم المياه المستخرجة 6.1 مليار متر مكعب سنويا، مع تقديرات بزيادة هذه الكمية مستقبلا لتصل إلى 7.5 مليار متر مكعب سنويا، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات.

قرية الرهاوي التي تبعد 37 كيلومترا عن العاصمة المصرية القاهرة، تستحوذ على صناعة حفر الآبار في مصر، بداية من تصنيع المعدات اللازمة للحفر، وحتى توريد العمالة وتنفيذ مشروعات حفر الآبار في المناطق المستصلحة في الصحراء، بحسب صابر إبراهيم محمد، رئيس نقابة العاملين بمهنة حفر الآبار سابقا ورئيس جمعية أهلية لدعم الحفارين.

صابر إبراهيم، يقول إن 90% من حفاري الآبار يخرجون من قرية الرهاوي، وتتوزع النسبة الباقية بين بعض القرى في محافظات المنوفية والغربية وأسيوط، موضحًا أن مقاولي القرية تكفلوا بالعمل على حفر معظم الآبار الخاصة بالمشروع القومي لزراعة مليون ونصف مليون فدان.

ويقول صابر إبراهيم إن هناك ما يقرب من 400 من 500 مقاول يمتلكون عدد حفر الآبار في قرية الرهاوي وحدها، وتستطيع تلك العدد الحفر لأعماق تتراوح من 50 إلى 400 متر في الصحراء، وتعمل في مناطق مثل الفرافرة والمنيا والعلمين وغيرها.

صابر إبراهيم يدافع عن حقوق العمال بعد وفاة ابنه أثناء الحفر
صابر إبراهيم يدافع عن حقوق العمال بعد وفاة ابنه أثناء الحفر

من ضحية إلى متطوع

ما زال صابر إبراهيم يتذكر مشهد فقدان ابنه أمام عينيه أثناء العمل على حفر بئر في الصحراء، سقطت عليه إحدى المعدات الثقيلة وفقد حياته على الفور، لذا قرر الرجل أن يترك العمل في مهنة حفر الآبار ليكون مدافعًا عن حقوق العمال، ويترأس نقابتهم، ويؤسس بعدها جمعية "نهضة وتنوير" الأهلية لتوعية العمال بحقوقهم.

يتهم "صابر" المقاولين بالتخلي عن ضحاياهم وعدم اتخاذ شكل قانوني لعملهم مقابل تحقيق مكاسب بـ الملايين"، مضيفًا أنه في حالات كثيرة عندما يصاب أي عامل أثناء عملية الحفر يأخذه المقاول إلى أقرب طريق ويبلغ الجهات المسؤولة بأن وفاته أو إصابته كانت نتيجة حادث طريق وليس أثناء عمله في حفر الآبار حتى يخلي مسؤوليته أمام السلطات، ثم يأتي به إلى قرية الرهاوي بعد ساعات طويلة ويترك الجثمان لذويه.

وتقدم الجمعية التي يرأسها صابر المساعدات القانونية وندوات تثقيفية للعاملين بمهنة حفر الآبار، لكنها تواجه صعوباتٍ كثيرة: "لو طالبنا نتكلم وناخد إجراء قانوني، المقاول بيروح لأسرة المصاب أو المتوفى ويديله قرشين ويسكتوه".

العمال يطالبون المقاولين بتقنين أوضاعهم وتوفير تأمين صحي واجتماعي
العمال يطالبون المقاولين بتقنين أوضاعهم وتوفير تأمين صحي واجتماعي

حمدي معبد، الذي تعرض صغيرًا لإصابة مماثلة أثناء العمل في حفر الآبار، طرح مبادرة لحماية العاملين في مهنة حفر الآبار، من خلال مطالبة المقاولين بتقنين عملهم وتأسيس شركات، وتثبيت العمال والتأمين عليهم صحيًا واجتماعيًا، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل، ويقول: "المقاولون مش عايزين يكون عندهم عمالة ثابتة، ولا شركات تثبت نشاطهم وتجبرهم على دفع ضرائب، والالتزام بمستحقات ثابتة للعاملين والمصابين".

محمد رجب فقد القدرة على الحركة خلال الحفر
محمد رجب فقد القدرة على الحركة خلال الحفر

إصابة مضاعفة

على دراجة بثلاث عجلات، جلس محمد رجب، يستعيد وقائع إصابته قبل خمس سنوات،  إذ كان يعمل في حفر إحدى الآبار في صحراء المنيا جنوب مصر، قبل أن تسقط على قدمه "بلف القيسون" وهي ماسورة ضخمة يصل وزنها إلى أكثر من طن، ما تسبب في بتر ساقه اليمنى من أسفل الركبة، ليفقد بعدها القدرة على الحركة بشكلٍ كامل، على الرغم من تركيب قدم صناعية.

معاناة محمد (35 عامًا)، لم تقتصر على بتر نصف ساقه، لكن حالته النفسية السيئة بعد إصابته تسببت له في جلطة أودت بإحدى عينيه، وكذلك عدم قدرته على تحريك يده اليسرى، إضافة إلى فقد جزئي للذاكرة والنطق بصعوبة، حسب نموذج فحص طبي لتقرير اللياقة الصحية الصادر عن جمعية التأهيل الاجتماعي للمعوقين في الجيزة.

لم يختلف مصير رجب عن سابقيه، إذ لم يتخذ أي إجراء قانوني ولم يحرر محضرًا ضد مقاول الأنفار، الذي اكتفى بالتكفل بمصروفات إجراء عملية بتر قدمه، ورفض إعطاءه أي تعويض.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com