في موريتانيا.. "بزنس" الولادات القيصرية

في موريتانيا.. "بزنس" الولادات القيصرية

أنجبت مريم منت الطلبة ابنها بعملية قيصرية في عيادة خاصة في نواكشوط، نزفت بعدها بغزارة، وأصيبت بجرح مفتوح تطلب تدخلًا جراحيًّا قد يعيق قدرتها على إنجاب الأطفال في المستقبل، وإضافة إلى ذلك دفعت 45 ألف أونصة (1400 دولار أمريكي).

بدايةً؛ تابعت مريم (27 عامًا) مسار حملها في مستشفى الصداقة العمومي بنواكشوط، وعند اقتراب موعد الولادة بدأت القابلة تحدثها عن الولادة القيصرية وظروف إجرائها، وضرورة القرار المبكر في العيادات الخاصة، لاسيما وأنها تعمل بدوام ليلي في إحداها. 

ترافق ضغط القابلة مع آلام جسدية كانت مريم تشعر بها، ما دفعها لطلب استشارات من الطبيب الذي قال لها إن القرار في البداية يعود للحامل، أما في أيام الحمل الأخيرة فالقرار للفريق الطبي.

 تقول منت الطلبة: "الإجابة مربكة، كما الوضع في قسم الولادات، الحركة ليست مفهومة والقابلات يتحدثن بما تمليه مصالحهن، يدفعن الحوامل إلى حيث يعملن في الفترة المسائية، وتشددن في التحفيز على أن الولادة القيصرية في المصحة الخاصة هي الخيار الأفضل للشابات، وأن ظروف إجرائها نظيفة ومريحة، على اعتبار أن الجراحة القيصرية تحد من الآلام التي تستغرق ساعات وأحيانًا يومًا وليلة مع احتمال اللجوء إلى الجراحة لإخراج الجنين".

يثبت هذا التحقيق أن عاملين في القطاع الطبي الحكومي يحفّزون حوامل على الولادة القيصرية غير الضرورية في المستشفيات الخاصة، عبر استغلال حالتهن النفسية وجهلهن الطبي، وانشغال الأطباء العموميين، ما يضيّع أموالهن ويعرض حياتهن وصحة أطفالهن للخطر، في ظل غفلة رقابة وزارة الصحة.

مع الضغط النفسي، تحركت مريم منت الطلبة إلى خمسة اختصاصيين في المستشفيات العمومية، لكن لقاءهم تم بصعوبة؛ لأن الطبيب يداوم خمس ساعات فقط في الأسبوع، ولا يمنح الحامل عند الاستشارة أكثر من ثلاث دقائق، "لم يفيدوني بشيء، كلّ منهم يسألني أين كنت تتابعين مسار حملك؟  ويخلص إلى القول: زوريني في العيادة ربما تحتاجين رعاية خاصة".

مع حلول الشهر الثامن من الحمل اتصلت القابلة في مستشفى الصداقة بمريم تسألها عن قرارها "تابعت تخويفي من عملية الولادة الطبيعية باعتبارها عملية مؤلمة ومرهقة للبدن." كما تقول مريم.

وتضيف "تبين لي أن الوضع يبدو مخيفًا؛ لأن النظام الصحي في البلاد هشٌّ للغاية، إذ لا توجد رقابة على طريقة تعاطي الأطباء وتعامل القابلات مع الحوامل في المستشفيات العمومية، أو على مستوى تطابق أو تقارب وصفاتهم الصحية واختياراتهم للحوامل بمهنية ومسؤولية. 

أعلى من المعدلات العالمية

 في دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية في حزيران/ يونيو من العام الماضي، أوضحت بأن معدّل العمليات القيصرية مستمر في الارتفاع على مستوى العالم، حيث تمثل نسبة العمليات القيصرية الآن 21% من جميع الولادات في العالم، متوقعة ارتفاع النسبة إلى 29% بحلول عام 2030.

أما في موريتانيا فلا يمكن أن نجد إحصاءات حول زيادتها بل تقديرات تشير إلى أنها تمثل ما بين 32 إلى 35% من إجمالي الولادات خلال السنوات الثلاث الأخيرة 2020/2021/2022 بحسب الدكتور أحمد ولد الزين، اختصاصي أمراض النساء والتوليد، ورئيس قسم الولادات في مركز الاستطباب الوطني الكبير في نواكشوط (حكومي)، وأيضًا المدير العام لمصحة التوفيق في نواكشوط (خاصة).

يقول ولد الزين: "نسبة الولادات القيصرية في ازديادٍ مستمر، ولكن الأطباء يتخذون القرار بإجراء القيصرية للحوامل حرصًا على سلامة الجنين والحامل، وأحيانًا بناءً على طلب وإلحاح من الحوامل".

تجاوز لدواعٍ غير طبية

مبررات القيصرية بحسب ما يصفها الأطباء تعتمد على ملاحظة الفريق الطبي للعديد من الموجبات، ومنها ضيق الحوض ووجود نزيف داخلي، أو وجود ندبات قيصرية متعددة، أو عند حدوث خطر على الجنين.

الدكتورة نورة منت محمد، الاختصاصية في أمراض النساء والتوليد، تعمل بمركز الاستطباب الوطني الكبير بنواكشوط (حكومي) قسم أمراض النساء والتوليد، تشير من جهتها إلى الأسباب التي تحتم إجراء الولادة القيصرية، وأهمها أن يرى الطبيب ضرورةً في ذلك لصحة الأم والجنين، وهذا يعود لنظامها الغذائي وقدرتها على التحمل، أو أن يرى الطبيب من خلال أجهزة التصوير ما يعرقل خروج الجنين من المهبل، وهذا قد يعود لضيق حوض الحامل، أو وجود ورم يسد عنق الرحم، أو كبر حجم أعضاء الجنين. 

وتقول: " لغير تلك الأسباب الطبية يُعد إجراء الولادة القيصرية استهتارًا بصحة الأم والجنين، وخروجًا عن الضوابط المهنية والأخلاقية التي تنظم العمل الصحي".

 وتلوم منت محمد مزاجية أطباء المستشفيات العمومية، إذ حمّلتهم جزءًا من مسؤولية الاستهتار بصحة المرأة وإقرار القيصرية "لا يتردد الواحد منهم في تعجيل العملية لحاجة تخصّه وتتعلق بالتزامات أخرى بصرف النظر عن الحالة الصحية للأم".

مضاعفات وخسائر لا تُعوّض

غالبًا لا تسلم الأمهات اللاتي خضعن للقيصرية من مضاعفات خلال الولادة؛ إما أن تكون حمى شديدة من حينٍ لآخر بعد الولادة، أو التعرض لجروح ونزف، أو إصابة شريان الرحم، أو الالتصاقات، أو إصابة الأمعاء، بينما تساعد الولادة المهبلية في تنشيط رئتي المولود ليخرج بسهولة من الرحم، ويتنفس بشكل جيد، عكس ما يحصل مع المولود قيصريًّا، وفقًا لآراء أطباء التقاهم معد التحقيق.

فقدت مينة منت أحمد (23 عامًا)، طفلها الأول بعد أيام من عملية قيصرية، قرر الطبيب إجراءها في عيادة خاصة وبشكل مفاجئ دون توضيح الأسباب. تقول مينة لـ إرم نيوز: "ذقت المرارة بعدما فقدت ابني الأول، حيث أجريت قيصرية هم من قرروا إجراءها دون توضيح الأسباب. قال الطبيب بأنني لن أستطيع تحمل آلام الولادة الطبيعية، ولم أفهم كيف لا يدرك الطبيب بأن آلام فقدان الابن أشد إيلامًا من آلام الولادة الطبيعية، فهذه الأخيرة آلامها آنية، أما خسارة الابن فهي لا تعوض".

منت أحمد قررت أن تتابع حملها منذ الشهر الخامس مع طبيب في مستشفى خاص لانشغال الأطباء الحكوميين، على أن تلد طبيعيًا في مستشفى عمومي، وهو ما لم تتمكن منه بسبب إملاءات الفريق الطبي في المستشفى الخاص، على الرغم من أن وضع الحمل كان مستقرًا وكذلك الجنين، كما أبلغها الطبيب والقابلة طوال شهور الحمل. 

تقول: "أخبروني فجأة بضرورة إجراء جراحة قيصرية خلال أقل من ثلاثة أيام فقط، وكان موعد الولادة بعد شهر، والطبيب لم يشرح لي أي تفاصيل وتركني للقابلة التي بدأت حديثها بلباقة، بأن كل النساء من عمري يفضلن القيصرية بعيدًا عن أي ألم للولادة وحتى لا يتوسع المهبل. لم أقتنع ورغبت بولادة طبيعية بما أن وضعي ووضع الجنين كان طبيعيًا".

تكاليف جراحة الولادة مع غرفة الحجز التي أمضت فيها الأم خمسة أيام بعد الجراحة، كلفت العائلة 86000 أوقية موريتانية (2950 دولارًا أمريكيًا)، دفع الأهل التكاليف وذهبوا بالأم والطفل إلى المستشفى الوطني الكبير في نواكشوط، بعد تسع ساعات توفي الطفل، قال الأطباء هناك إنه كان من الأفضل وصول الطفل إلى المستشفى قبل 48 ساعة، وإنه لم يكن من ضرورة تستدعي ولادته قيصريًا.

الدكتور نورة منت محمد تعلق على قصة مينة، فتقول: "المستشفيات العمومية في نواكشوط تعمّها الفوضى، ما يدفع الحوامل للتوجه نحو المستشفيات الخاصة من أجل القيصرية"، واعتبرت ذلك استغلالًا للأوضاع الصحية للحامل بما يتنافى مع الإنسانية التي يفترض أن يتحلى بها الكادر الطبي، وذلك عبر دفع الحوامل إلى إجراء القيصرية في العيادات والمستشفيات الخاصة دون حاجة صحية، كما أنه إجحاف بحق الفقراء ومحدودي الدخل إلى متوسطي الدخل في مجتمع فقير.

تكلفة الولادة الطبيعية في المستشفيات العامة لا تزيد عن 2000 أوقية موريتانية (60 دولارًا أمريكيًا)،  والقيصرية لا تزيد عن 4000 أوقية موريتانية (120 دولارًا أمريكيًا) وتشمل الأدوية الضرورية، أما في المستشفيات الخاصة فتصل حتى 30 ألف أوقية ( 850 دولارًا أمريكيًا)، بحسب الطبيبين نورة منت محمد و أحمد ولد الزين.

تقاطع مصالح

تقول الدكتورة نورة منت محمد، إن الأطباء والقابلات يرغبون بدخلٍ إضافي من خلال تعاملهم مع المستشفيات الخاصة، إلا أن ذلك تطور بشكل غير مبرر بدءًا من العام 2010، حيث تقدر نسبة العاملين بين القطاعين بنحو 95% من الكادر الطبي، وهنا تبدأ الحوامل بتشجيع من القطاع الطبي بالانتقال إلى القطاع الخاص وخوض التجربة القيصرية.

ثمة سيناريو تعتمده القابلات والممرضات كما تشرح لزهراء منت سيداتي: "أين تسكنين، أنت في منطقتنا، بإمكانك متابعة مسار حملك عندنا في العيادة، شقيق والدتي اختصاصي أمراض نساء وتوليد، وستجدين العناية الكافية.." هي عبارات مكررة تستخدمها القابلة مع الحوامل.

" حدثتني بلطف، وأخذت رقم هاتفي واتصلت بي لاحقًا تقترح أن أزورها في العيادة للمعاينة ومتابعة مسار حملي عندهم، وفعلت عن حسن ظن" كما تروي لزهراء (24 عامًا) قصتها لـ إرم نيوز.

 وتقول: "تابعتُ عندهم خلال الشهر السابع والثامن وفي كل زيارة يطمئنونني بأن الوضع طبيعي واحتمال أن أضع بولادة طبيعية هو الأقوى، وعندما عدتُ في الموعد الثالث بتاريخ 2022/7/19، حجزوني في غرفة بقسم الولادة، وخلال سبع ساعات زارني الطبيب وأعطى توصياته للقابلة، وخرجا معًا، وبعد خمسين دقيقة عادت القابلة مع مساعدين نقلوني إلى غرفة أخرى، نمت من شدة التعب ولم أستيقظ إلا بعد 28 ساعة أخبرتني القابلة بعدها بأني وضعت ابني وأن كلانا بصحة جيدة، فقط عليّ الاسترخاء لبعض الوقت، وسأرى ابني خلال دقائق".

تكمل لزهراء: خلال دقائق دخلت عليّ أمي لتخبرني بأنهم أجروا ولادة قيصرية، أخبروهم بأنها ضرورية ولم يشرحوا لهم الأسباب، القابلة وحدها من تتحدث مع الأهل ولا تخبرهم سوى أن الدكتور قال إن العملية صارت ضرورية لصحة الحامل واتخذ قراره.

بعد ما تم كل شيء اتصلوا بالزوج ليخبروه بأن زوجته ولدت، فحضر ودفع فاتورة العملية وتكاليف الحجز، وكان الإجمالي أكثر من 65000 أوقية موريتانية (2220 دولارًا أمريكيًا).

تظهر نتائج استبيان ميداني مباشر، أجراه معد التحقيق، وشمل 200 أم تحت سن 30 في نواكشوط، حول نوعية الولادة الأولى ومن كان صاحب القرار فيها، أن 187 من المستطلعة آراؤهن أجبن بأنهن أجرين ولادات قيصرية في مستشفيات خاصة، أي 93% من العينة أجرت القيصرية في الولادة الأولى، و10% منهن هنّ من اتخذن القرار والباقي بقرار طبيب.

ثقافة عامة

يوضح الدكتور الشيخ ولد بدن، اختصاصي جراحة عامة وباطنية بأنه يتم في قسم الولادة بالمستشفى الوطني إجراء ثماني عمليات قيصرية على مستوى المستشفى يوميًا، فيما يسجل قسم الولادة داخل مستشفى الشيخ زايد (عمومي أيضًا) نحو 14 عملية قيصرية في اليوم، والأطباء هم من يتخذون القرار عند الضرورة.

ويضيف ولد بدن أن هناك حالات كثيرة تقدر بنحو 40% تتم فيها العملية بطلب وإلحاح من طرف الحامل، رغبةً منها في التخدير وتجاوز الشعور بآلام الولادة، وأحيانًا تكون الرغبة ناتجة عن التأثر بكلام الصديقات والمعارف؛ بأن القيصرية أكثر راحةً للحامل، وهذا عزز اهتمام الفتيات بالقيصرية حتى "صارت موضة جديدة" خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يدعو للقلق من أن تتحول الرغبة في القيصرية إلى ثقافة عامة خلال خمس سنوات فقط، لأن أغلب الحالات تذهب إلى المصحات الخاصة بخدماتها التجارية على أساس إجراء الولادة القيصرية، والأطباء هناك يرحبون بمن سيضيف دخلًا إضافيًا.

ضغط نفسي على الحامل

تتعرض الحوامل لضغط نفسي من القابلات والممرضات وحتى من الأطباء، وخاصةً أنهن يكنّ في مرحلة تتركز على إنجاب طفل سليم، وسط جهلهن وضعف الثقافة الطبية ومتطلبات الصحة الإنجابية لديهن، فيرضخن لما يقال لهن.

تقول الدكتورة توتو منت حرمة، الاستشارية في مجال الطب النفسي في مستشفى الصداقة بنواكشوط، إن هنالك عاملًا أساسيًا يتعلق بضعف الوعي الصحي يجعل النساء الحوامل يتأثرن نفسيًا بسبب الحمل.

وتشير إلى أن الحامل غالبًا ما تعاني من التفكير في الوضع، وقبل الوضع تعاني من جهلٍ بحالتها الصحية وحالة الجنين وطبيعة تحركاته في بطنها، وتخاف عليه وتحسب ألف حساب عند كل حركة تقوم بها خشية أن يلحق به ضرر ما، وبالتالي تظل تعاني من الخوف على ابنها بينما ترغب في وضعه سالمًا معافى لتقرّ عينها.

 كل ذلك يجعل الحامل في حالة من الارتباك، وفقًا لمنت حرمة، وترغب في الإصغاء لكلام الجميع، وتصبح مستعدة لفعل أي شيء تمليه عليها القابلة أو ينصحها به الأطباء، خاصةً حين يحدثونها عن ضرورة إجراء القيصرية من أجل سلامة الجنين وسلامتها، وهو ما يرفع قلقها ويسرّع قبولها بإجراء العملية، أملًا في تجاوز صعوبات الحمل، ورؤية الجنين في حضنها.

الكثير من القابلات والأطباء يعرفون جيدًا هذه الأحوال التي تمر بها الحامل، وبالتالي يسهل عليهم التعامل معها حتى تقتنع وتقرر إجراء القيصرية في التاريخ المحدد لها مهما كانت التكاليف المادية.

تقول ميرا منت اليتة (26 عامًا): في الشهر الرابع من فترة حملي لابني الأول شعرت بالدوار والتعب، فبادرت إلى المستشفى الوطني الكبير في نواكشوط (حكومي) للمعاينة من قبل اختصاصي أمراض النساء والتوليد، من أجل المتابعة معه حتى الولادة بشكل طبيعي، لكني فوجئت بدفعه لي للمتابعة عند عيادة خاصة حيث يداوم الطبيب يومين في الأسبوع.

 وتشرح "أخبرني بأن الظروف في العيادة أفضل وأكثر أمنًا لصحة الحوامل، وأن الولادة بعملية قيصرية أكثر ضمانًا لراحتي وسلامة الجنين، أخبرته بأني أرغب في الولادة الطبيعية وأخاف مضاعفات الجراحة، وأريد الحفاظ على مناعة جسمي، وأفضّل المستشفيات العمومية، وبسبب فارق التكاليف المالية مع المصحات الخاصة، لكنه أجابني بأن هذا هراء، والتفكير في التكاليف المالية لا ينطبق على صحة الإنسان وخاصةً الحوامل، وأن الأفضل هو البحث عن السبل الأنسب للمتابعة والولادة القيصرية في عيادة خاصة بغض النظر عن التكاليف؛ لأن الصحة هي الأولوية وأن غالبية الفتيات الآن يفضلن ويخترن القيصرية دون تفكير سوى بالراحة البدنية، وعدم الحاجة لتحمل الآلام بفضل التخدير.

تقول ميرا: شخصيًا لم أكن أعرف شيئًا عن الولادة ومشاكلها، وظننت أن كلام الطبيب هو نوع من الإرشاد الصحي، واستجبت لأنه أقترح علي المتابعة طيلة فترة الحمل في المستشفى الحكومي، وكان يعاملني بلطف واهتمام على أساس أني سأضع في العيادة.

وضعت الأم ولدها، ولكنها منذ ذلك الحين لم تستعد عافيتها، وقررت معاينة طبيب آخر للمتابعة معه ما بعد الولادة "لعلي أستعيد صحتي وأضمد جرحي"، حتى الجنين تعرض للكثير من أمراض الأطفال، كما أنه لم يرغب في الرضاعة ويعاني من الحمى الشديدة أسبوعيًا، وظهر ورم في رأسه ما زال يُعالج منه من قبل اختصاصي في أمراض الأطفال.

تخلص ميرا إلى أنها توقعت أن كلام وتحفيزات الطبيب لإجراء القيصرية كانت بدوافع إنسانية، ولكنها في الواقع كانت ضحية دوافع ربحية، كما تؤكد:  أجريت جراحةً قيصرية وأمضيت أسبوعين محتجزةً في العيادة ولا أدري في أي حالة كنت، استفقت بعد عودتي إلى المنزل خلال الأسبوع الثالث بعد الولادة وأخبرتني عائلتي بأن التكاليف المالية وصلت إلى 70 ألف أوقية موريتانية (2000 دولار أمريكي).

عواقب قانونية.. ولكن!

المحامي محمد المامي ولد مولاي أعل، المعتمد لدى المحاكم الموريتانية، يقول إن القيصرية غير الضرورية تُعامل معاملة الخطأ الطبي، وخاصةً إذا نتج عنها مضاعفات على الأم أو الطفل، إلا أن النساء والأهالي لا يلجؤون إلى القضاء.

 ويقول" هناك ما يُعرف بالخطأ الطبي، والمؤسسات الصحية سواء أكانت عمومية أو خاصة تتحمل المسؤولية الاستشفائية للحوامل، أو إجراء العمليات القيصرية لهن لأغراض تجارية، والقانون الموريتاني يلزم هذه المؤسسات الصحية بالتعويض عن الضرر المترتب على إجراء قيصرية ليست ضرورية، وذلك بمقتضى المادة 97 من قانون الالتزامات والعقود التي تنص على أن كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار من غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررًا ماديًا أو معنويًا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر".

وتشير المادة نفسها إلى أن الضرر المعنوي هو الذي يصيب الإنسان في ناحية غير مالية، ويهدف إلى تعويض الآلام المعنوية والحزن والأسى الناجمة عن التشويه الناجم عن الجروح والعاهات وهتك العرض والنيل من السمعة وغيرها من الحالات الأخرى التي تسبب ألمًا معنويًا.

أنكرت الممرضات والقابلات اللاتي التقاهن معد التحقيق تحفيزهن الحوامل للعمليات القيصرية لصالح المستشفيات الخاصة، إذ لا يوجد شاهد على ذلك، ومع البحث؛ لا يوجد من يتابع أو يلاحق الكلام الذي يدور بين القابلات والممرضات بعد وقبل مراجعة الطبيب.

 من جهتها، لا تجيب وزارة الصحة على أي اتصال أو استفسار بخصوص زيادة الولادات القيصرية في موريتانيا عن الحدود العالمية، أو المخاطر التي يحملها ذلك على الحوامل والأطفال، والغبن المادي الذي يلحق بهن وبعائلاتهن.

 في الواقع؛ أقفلت الوزارة عيونها وآذانها عما يحدث للحوامل، ولا توجد أي خطة موضوعة لتنظيم العلاقة بين الفريق الطبي والنساء الحوامل، وليس هناك أي متابعة للقرارات التي تدفع بالحوامل نحو إجراء الولادة القيصرية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com