عامل في قطاع غزة
عامل في قطاع غزةإرم نيوز

الفقر والبطالة يدفعان شباب غزة للهروب من الحياة

تصدرت حالات التخلص من الحياة المشهد في قطاع غزة المحاصر لفئات عمرية مختلفة بسبب مرارة الواقع وغياب الإحساس بالأمان والفقر والبطالة والاكتئاب.

ويرصد "إرم نيوز" هذه الحالات خلال لقائه مع أصدقاء وأسر الضحايا.

من قطاع غزة
من قطاع غزةإرم نيوز

الديون

بعدما كان شخصية اجتماعية وازنة، أقدم المحامي "يحيى" من سكان شمال قطاع غزة، في 1 أغسطس 2023 على الانتحار بسبب تراكم الديون.

وقبل أربع سنوات تعرض "يحيى" لضائقة مالية جرى حبسه على إثرها، مما أثر على حالته النفسية، ولم يستطع تحمل الظروف ووصل إلى حد الانهيار.

وقال "ماجد" صديق "يحيى": إنه مر بفترة صعبة، إذ جرى وقف رخصة مزاولة مهنة المحاماة عنه، وظل بلا عمل، بالتالي لم يستطع توفير احتياجات بيته الأساسية ومتطلبات طفليه، ولم يستطع سداد ما عليه من التزامات، معتقدًا، أن كل هذه الأمور كانت عاملًا مؤثرًا في اتخاذ قرار الانتحار.

وعندما تعرض "يحيى" لحالة الاكتئاب الشديدة رفض خيار العلاج الدوائي حتى لا يقول الناس عنه إنه "مريض نفسيّ" ويظل الوصف وصمة تلاحقه حتى بعد الاستشفاء، وفق صديقه.

عمال في قطاع غزة
عمال في قطاع غزةإرم نيوز

أطفال المنتحرين

بعدما حاصرته الديون قرر الشاب حامد "اسم مستعار" 31 عامًا، أن يقتل نفسه صباح يوم 31  أغسطس 2023.

الشاب الذي يقطن شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة مات منتحرًا، وترك خلفه طفلين أكبرهما ست سنوات؛ ليواجها مصيرًا مجهولًا في ظل العيش وسط القطاع المحاصر.

و"حامد" واحد من 17 شخصًا ماتوا منتحرين في قطاع غزة خلال العام 2022، بعدما واجهوا ظروفًا مالية صعبة في ظل ارتفاع نسب البطالة وعدم توفر فرص عمل في القطاع الذي يعيش أهله تحت الحصار الإسرائيلي.

من قطاع غزة
من قطاع غزةإرم نيوز

ويستحضر "أحمد" آخر لحظات في حياة ابن عمه: "رأيته قبلها بيوم وكان وضعه جيدًا، وقابل ابن عم لي صباح يوم الانتحار، وأخبره بنيته الانتحار، فسخر منه قائلًا كل مرة بتقول هيك. ربنا يخليك لأولادك"، ولم تمض سوى ساعات حتى وجدت الأسرة حامد مشنوقًا في مطبخ منزله.

وقبل أيام حاول خالد "اسم مستعار" الذي يسكن شرقي خان يونس وهو يسكن بالمنطقة نفسها التي يسكن بها حامد، تنفيذ محاولة الانتحار الخامسة، استطاعت عائلته إفشالها، والتي يريد منها الهرب من الديون التي تلاحقه وأوامر الحبس.

يبلغ "خالد" من العمر ثلاثين عامًا ولديه طفلان، تزوج قبل سنوات.

يقول طه (اسم مستعار) وهو من أحد أقارب "خالد": "قد تسمعون بأي لحظة أن خالد نفذ الانتحار، وهناك عدة شباب تدفعهم الظروف القاهرة وقلة الدخل والمال وتراكم الديون لتهديد عائلاتهم بالانتحار".

من قطاع غزة
من قطاع غزةإرم نيوز

ليست ظاهرة

وترى الخبير الاجتماعية والنفسية د. ختام أبو عوادة أن الانتحار في غزة حالات وليست ظاهرة، وأن نسبتها في غزة أقل من الدول العربية، في المقابل يعد الانتحار ظاهرة عالمية تزيد سنة بعد أخرى.

ووفق أبو عودة بلغت حالات الانتحار في القطاع منذ مطلع عام 2023 نحو 17 حالة، وقبلها بعام بلغت 18 حالة، أما أعلى نسبة سجلت في حالات الانتحار بغزة فكانت العام 2014 وبلغت 39 حالة.

وتعتقد أن الشيء المشترك في حالات الانتحار هو أن المنتحرين في سن الشباب، والسبب الثاني سوء الأوضاع الاقتصادية كأحد الأسباب الرئيسة في قرار الانتحار، بسبب ارتفاع نسبة البطالة والفقر في قطاع غزة.

وتلفت أبو عودة إلى أن محاولات الانتحار الناجحة تسبقها عدة محاولات سابقة، لكنه في النهاية يتخذ كل الاحتياطات لعدم إحباط محاولته.

وتشدد على أهمية العلاقات الاجتماعية والأصدقاء لمريض الاكتئاب ولهم الدور الأكبر في الاحتواء والمراقبة، فضلًا عن خوفها من الوصمة الاجتماعية التي تجعلهم يتراجعون عن قرار ارسالهم لمستشفى الأمراض النفسية.

أوضاع تدعو للإحباط

وقال مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فضل المزيني: إن أهم العوامل التي تزيد من أعداد محاولات الانتحار، تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع، وانتشار الفقر والبطالة، وانعدام الأمن الغذائي.

وأضاف أن "كل مقومات الحياة المنقوصة في القطاع من الكهرباء والمياه وحتى طرق السفر وحركة المعابر تدعو للإحباط، خاصة بين الشباب العاطلين عن العمل، فضلًا عن الانقسام الفلسطيني وعدم وجود وظائف وعدم وجود انتخابات رئاسية وتشريعية كلها أمور تلقي بظلال سلبية على الشباب".

وليس الأخطر في قضية الانتحار هي حالات الانتحار التي تنجح، وفق المزيني، بل عدد الحالات الأكبر التي لم تنجح ولا توجد إحصائيات رسمية عن عددها.

وقال: "لو أردنا الحديث عن حالات الانتحار التي نجح أصحابها في محاولاتهم لإنهاء حياتهم، فهذا الرقم هو بالمتوسط الجاري بالدول المحيطة، لكن هناك رقمًا كبيرًا لعدد الحالات غير الناجحة مطلوب الكشف عنه من الجهات المختصة".

وأظهرت نتائج مسح جديد أجراه البنك الدولي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في 22 فبراير 2023 أن أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني مصاب بالاكتئاب، بواقع 71% من سكان قطاع غزة، و50% بالضفة، و58% ممن هم فوق الـ 18 عامًا.

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية أنشأت مؤخرًا مستشفى للصحة النفسية بقطاع غزة تحت اسم "أمان فلسطين".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com