تعبيرية
تعبيريةأ ف ب

"الطلاق الغيابي".. كارثة كبرى وواقع مرير للمرأة المصرية

تعتبر مسألة الطلاق الغيابي في مصر كارثة اجتماعية تهدد استقرار الكثير من العائلات وتعصف بسلامتها.

ويستغل بعض الأزواج ثغرات في قانون الأحوال الشخصية ولائحة المأذونين المصرية لتطليق زوجاتهم دون إعلامهن؛ لحرمانهن من حقوقهن المادية القانونية سواء في الطلاق أو الميراث.

وسجل العام 2017 مائتي ألف حالة طلاق في حين سجل العام 2021 أكثر من 250 ألف حالة طلاق بعضهن لا يعلمن أنهن مطلقات.

عناوين وهمية

وبحسب الحالات التي رصدها تحقيق لـ"إرم نيوز" عن الطلاق الغيابي في مصر، يبلّغ الأزواج المتهربون من إعلام الزوجة المأذونين بعناوين وهمية وليست العناوين الحقيقية لزوجاتهم، أو بالتواطؤ مع بعض المأذونين، الذين يمتنعون عن إبلاغ الزوجة في ظل ضعف العقوبات.

وكشف التحقيق أن عددا من المأذونين لم يستطع إبلاغ ما يزيد عن 100 سيدة بطلاقها خلال السنوات العشر الماضية.

وقال وزير العدل المصري في العام 2021 في تصريح، إن مصر فيها نحو 4638 مأذونًا شرعيًا وهذا معناه وجود 463 ألفا من السيدات المطلقات خلال السنوات العشر الأخيرة ولسن على دراية بذلك، أو نحو 46 ألف سيدة كل عام بشكل تقريبي.

وفي هذا الصدد، قالت سيدة تدعى إصلاح صبري إحدى ضحايا الطلاق الغيابي، إن زوجها طلقها دون أن تعلم شيئا عن ذلك لمدة أكثر من 28 عاما.

ولم تتفاجأ صبري عندما علمت بعد وفاة زوجها في العام 2020 أنه طلّقها، خُيل لها في البداية أن ذلك حدث قبل ثلاث سنوات من الوفاة.

ولكن الصدمة كانت حينما تسلمت وثيقة الطلاق، ومدون فيها التاريخ في أكتوبر من العام 1992، أي قبل 28 عامًا من وفاة الزوج، وقبل شهرين فقط من ولادة ابنتها الكبرى، بل واستمر بمعاشرتها طوال هذه الفترة، وأنجب منها ابنة أخرى بعد سبع سنوات من الطلاق دون علمها.

آثار الطلاق الغيابي

للطلاق الغيابى آثار قانونية وشرعية وفي هذا الصدد، قال عبد الحميد الأطرش، الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف: "إن الحكم الشرعي ينصف الزوجة، فإذا عاشرها الزوج خلال فترة العدة يعتبر ذلك ردًا شرعيًا إلى عصمته، ولكنه غير موثق أمام القانون مما يفقدها حقوقها، وحقوق أبنائها في الميراث، وإذا وقعت المعاشرة بعد انتهاء فترة العدة يعد ذلك زنى، ولكن لا تتحمل وزره الزوجة لعدم معرفتها، ويتحمل الزوج هذا الإثم كاملًا".

ولهذا السبب فقدت إصلاح وابنتها حقوقهما في الميراث ومعاش الزوج مما أجبرها على إقامة دعوى قضائية تطالب ببطلان الطلاق الغيابي.

وفي تعليقها على هذه الظاهرة، قالت هدير عادل، محامية السيدة إصلاح، إن المحكمة قضت باعتبار إعلام الوراثة الصادر بعد وفاة الأب مزورًا، وفي انتظار الحكم في قضية عدم الاعتداد بالطلاق الغيابي ليعود للزوجة وابنتها حقوقهما في الميراث.

ونَجَت ريهام عاطف (35 عاماً) من معاشرة محرمة، بعد أن اكتشفت أن الزوج طلقها قبل ولادة طفلها الثاني بشهر واحد، وهو ما يعني انتهاء عدتها، إذ تنتهي عدة الحامل شرعًا بوضع المولود، ما يعني أن أي علاقة بينهما غير مشروعة، وتعتبر في نظر القانون اغتصابًا وهتك عرض بغير الرضى، حسبما أوضح الخبراء القانونيين.

ويسمح قانون الأحوال الشخصية المصري، والذي يعود تاريخ إصداره إلى العام 1920، بتطليق الزوج لزوجته غيابيًا، دون حضورها.

وتنص لائحة المأذونين الصادرة عن وزير العدل عام 1955 والمعدلة بالقرار رقم 4054 لسنة 2015، على ضرورة إعلام المأذون الزوجة بالطلاق بمجرد وقوعه، وحدد 3 طرق للإعلام بحسب المأذون أشرف موسى، الذي عمل مأذونًا لمدة 17 عامًا.

الخداع

وأثناء تجديد بطاقة الهوية اكتشفت عبير سالم (40 عامًا) أن زوجها طلقها خلال فترة تواجدها في منزل والدها بعد خلاف بينهما، ولم يسجل عودتها إلى عصمته بعد صلحهما.

واجهت عبير زوجها بما عرفته، وأقر أنه لم يوثق الرجعة بإيعاز من محاميه بسبب الخوف من العودة للمطالبة بالطلاق مرة أخرى، والمطالبة بعده أيضًا بحقوقها الشرعية القانونية من المؤخر والنفقة وخلافه.

ويقول وائل عامر، وهو محامٍ مختص بقضايا الأحوال الشخصية، إن التلاعب عبر الاتفاق مع المأذون أو المُحضِر، أو عبر تقديم عنوان وهمي للزوجة، يفقد الزوجة حقوقها طيلة فترة عدم معرفتها بذلك، إذ يطلق الزوج زوجته ويعود ليستمر معها في حياتهما الطبيعية وكأن شيئًا لم يكن، حتى تكتشف الزوجة الحقيقة مصادفةً أو بوفاة الزوج.

ويضيف عامر أن الزوجات اللواتي يعرفن الحقيقة قبل وفاة الزوج هنَّ الأوفر حظًا، إذ تتعاطف المحكمة في الأغلب مع الزوجات المطلقات غيابيًا لشعور القاضي بأن الزوج غدر بها وطلقها دون رغبتها، لذلك فإن حصولها على حقوقها من نفقة ومؤخر وغيره يكون أسهل.

ويشرح أن المطلقة غيابيًا لها الحق في نفقة المتعة وتقدر بـ 24 شهرا من النفقة الشهرية، ونفقة العدة وهي نفقة ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى المؤخر بالكامل، كما تستطيع الزوجة إقامة دعوى لإثبات الخداع والضرر والمطالبة بالتعويض.

عقوبات هزلية

وينص قانون الأحوال الشخصية في المادة "23" مكرر على عقوبة الزوج إذا أدلى بمحل إقامة وهمي لمطلقته: "يعاقب المطلق بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه إذا أدلى للموثق ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية أو محل إقامة زوجته أو زوجاته أو مطلقته".

وترى المحامية والباحثة الحقوقية هالة دومة، أن تلك العقوبات هزلية، إذ لا تتجاوز مدة الحبس 6 أشهر فقط، وغرامة 200 جنيه فقط أي (6.5 دولار)، وفي أغلب الحالات تكون الرغبة الأساسية للزوج من ذلك استمرار علاقة الزواج للتهرب من حقوقهن القانونية، لاسيما وأن بعضهن يكتشفن هذا الخداع بعد وفاة الزوج.

سمعة العائلة

لم تتخيل سعاد خير الله -اسم مستعار- أنها ستجد نفسها مضطرة للوقوف أمام أعمامها للمطالبة بحقها من ابن عمها الذي طلقها دون علمها.

وقالت سعاد: "تزوجت قبل 6 أعوام من ابن عمي الذي خطبت له وأنا طفلة كما تجري العادة في عائلات الصعيد، كنت أعتقد في البداية أنني سأنتقل للإقامة معه في القاهرة حيث يعمل، إلا أنني فوجئت بأن شقة الزوجية في منزل عمي، وأنه سيأتي كل أسبوع ليقيم معي ليلتين ثم يسافر".

وحين اكتشفت سعاد طلاقها، ذهبت إلى عمها الثاني باعتباره أكبر أفراد العائلة سنًا، وهي في حالة صدمة، وبدوره جمع العم رجال العائلة، واتفقوا على أن يقوم ابن عمها بتوثيق زواجه منها، بعد الحصول على فتوى تليفونيًا بأن الزواج قائم ولا شبهة زنى فيه، إلا أنها أصرت على الطلاق، وإقامة دعوى ضده، وأمام إصرارها اتفقت العائلة على أن يعوضها بقيمة فدان من الأرض، ويطلقها شفهيًا، وتحصل على كافة حقوقها المادية، شريطة عدم إقامة دعوى حتى لا تسيء لسمعة العائلة.

ظلم للمرأة

وتقول المحامية "هالة دومة" إن قوانين الأحوال الشخصية تظلم المرأة، إذ تسمح بالطلاق بإرادة منفردة من الزوج، مشيرةً إلى أن هناك دولا عربية لا تسمح بالطلاق إلا بإرادة الزوجين معًا أمام المحكمة ضمانًا لحقوق المرأة المادية.

وحتى الآن ما زالت مئات الآلاف من النساء في مصر يتعرضن للخداع من أزواجهن وسلب حقوقهن، والعدد مرشح للزيادة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com