غلاف الرواية
غلاف الروايةمواقع التواصل

"الفسيفسائي".. تاريخ المغرب في إطار بوليسي مشوق

قد لا يروق اسم "الفسيفسائي" للقارئ العجول الباحث عن عنوان سهل في النطق يحتوى على وعد بمتعة سريعة، لكن هذا الاسم كان الأكثر دقة في تعبيره عن مضمون أول عمل روائي للقاص والكاتب المغربي الشاب عيسى ناصري والذي صعد، في مفاجأة لافتة، إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر" في دورتها الحالية.

وتشبه أحداث الرواية الصادرة عن دار "مسكلياني" بتونس تلك المكعبات الصغيرة الجميلة ذات البريق والألوان المتعددة والتي هى بحاجة إلى إعادة فك وتركيب لتصنع في النهاية الصورة الكبرى التي تتبدى على شكل "فسيفساء"، لكن هذه الفيسفاء لا تتكون من حجارة ومعادن وأصداف وزجاج بل من قصص وحكايات متداخلة وأزمنة وحضارات ومشاعر متضاربة.

الرواية تبدو وكأنها تتضمن أكثر من قصة متشابكة، تحكي إحداها عن "جواد " الذي يتلقى مكالمة هاتفية من الولايات المتحدة تطالبه بكتابة نص أدبي في مدة أقصاها عام، ثم يبيعها نظير مبلغ مالي ضخم فيستجيب. ويكتب عملًا بعنوان "الفتى الموري" تقع أحداثه في مدينة "وليلي" المغربية، لكن في زمن سحيق حين كانت المغرب محتلة من الرومان وتدور الأحداث حول قصة حب بين فتاة رومانية وفتى أمازيغي مع إضاءة قوية لصناعة الفسيفساء.

غلاف الكتاب
غلاف الكتابمتداول

وتحت عنوان "باخوس في العيادة"، تحكي الطبيبة نوال في مذكراتها ما حدث معها حين جاءها في العيادة أب دهس ابنه بالخطأ وحارس تم حبسه وتعذيبه للاعتراف بتهمة لم يرتكبها.

وفي نص آخر، يهبط المؤلف من عليائه ويحكي للقارئ تجربته الشخصية في كتابة رواية "الفسيفسائي" ذاتها وكأنه يجلس على كرسي الاعتراف ويسرد الكواليس النفسية والانفعالية الخاصة بلحظة ميلاد النص. أما الإطار العام للعمل فيعتمد على الحبكة البوليسية الشهيرة لمحقق يقرأ رواية عثر فيها أخيرًا على حل اللغز في جريمة أرقته طويلًا. وهكذا تتداخل في هذا النص الإبداعي أطياف وظلال الرواية التاريخية مع الرواية النفسية مع الرواية الرومانسية في إطار عام من الجو البوليسي الذي يتسارع إيقاعه في نهايات العمل.

مغامرة في البناء الفني

اللعبة الفنية التي اختارها عيسى ناصري بوعي وذكاء جعلته يتفادى رتابة السرد والانتقال التقليدي من حكاية إلى أخرى فلجأ إلى حيلة التداخل في الأزمنة والأحداث بين حكاية وأخرى، فنجد على سبيل المثال شخصية في الرواية الأولى تحكي أحداثا في الرواية الثالثة وشخصية في الرواية الرابعة تقص حكاية بالرواية الثانية وهكذا في لعبة "فسيفسائية" لا تنتهي من التداخل والتشابك.

بالطبع مثل هذه المغامرة في البناء الفني للعمل لم تكن لتنجح إلا عبر مؤلف يمتلك أدواته ويعرف كيف يتحكم في إيقاع السرد جاعلًا من مدينة "وليلي" المغربية بما تتضمنه من أثار وتاريخ وثقافات وحدة مكانية ثابتة لا تتغير مهما تداخلت الحكايات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com