أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، مرسوما يحدد فيه مفهوم "العائلة الكبيرة" التي تمتلك 3 أطفال أو أكثر، مع تحديد طرق دعمها، ويأتي ذلك في إطار مساعي السلطات الروسية في مواجهة الأزمة الديموغرافية التي تواجه البلاد وأزمة العمالة التي تتفاقم نتيجة الحرب مع أوكرانيا.
وبحسب المرسوم الرئاسي سيتم تقديم إعانات ومدفوعات للعائلات الكبيرة التي تمتلك 3 أطفال أو أكثر، والتخصيص المبكر لمعاشات التقاعد للنساء الذين يربون ثلاثة أطفال أو أكثر، كما تتعهد الدولة بتقديم دورات تعليم مهني للأباء لزيادة كفاءتهم في العمل، بالإضافة إلى حق جميع أفراد الأسرة الكبيرة في زيارة المتاحف والمتنزهات الثقافية والترفيهية مجاناً.
في نهاية العام الماضي قدمت هيئة الاحصاء الروسية، تقريرا مفصلا طرحت فيه فرضيات لعدد السكان المتوقع في السنوات القادمة، ووفقا لنتائج التعداد السكاني الأخير، في بداية عام 2023، كان يعيش في الاتحاد الروسي 146.4 مليون شخص. لكن سيستمر عدد سكان البلاد في الانخفاض حتى عام 2045 وسيصل إلى 138.8 مليون بحلول عام 2046، فيما الافتراضية الأكثر تشاؤما بحسب هيئة الإحصاء هي وصول العدد إلى 130.6 مليون شخص.
وهناك مشكلة أخرى في روسيا وهي شيخوخة المواطنين. وبحسب السيناريو المتوسط، لهيئة الاحصاء سينخفض عدد السكان في سن العمل من 84 مليوناً و747 ألف نسمة إلى 79 مليوناً و771.9 ألف مع بداية عام 2046.
وحول أزمة نقص عدد السكان، تقول الباحثة الاجتماعية والمختصة بالدراسات الديموغرافية نتاليا لوكوفتسيفا، أن" هناك أزمة حقيقية تعود لمرحلة التسعينيات فترة سقوط الاتحاد السوفيتي وتشكيل روسيا الحديثة، كان الوضع الاقتصادي يعاني من أزمات كبيرة؛ وهو ما دفع الروس إلى عدم الإنجاب أو حتى العزوف عن الزواج، وهذه المرحلة بدأت تظهر تأثيراتها مع بداية القرن الحالي، حيث بدأت أعداد الروس بالانخفاض، يضاف إلى ذلك أزمة اليد العاملة".
وتتابع لوكوفتسيفا" في حديثها لـ"إرم نيوز"، أن الدولة الروسية "تحاول منذ سنوات مواجهة هذه المعضلة، بالتشجيع على الإنجاب، وفعليا تم تحقيق بعض الإنجازات وارتفعت إلى حد ما نسبة الولادات، لكن مع وجود جائحة كورونا ومن بعدها الحرب مع أوكرانيا، تاثرت هذه المعدلات، وهو تهديد حقيقي وعلى الدولة أن تعمل أكثر للحفاظ على الوجود الروسي".
وتؤثر الأزمة الديموغرافية على الاقتصاد الروسي في جوانب مختلفة، وواحد منها هو سوق العمل، وبحسب هيئة الإحصاء الروسية، ففي الربع الأول من عام 2023، وصل النقص في الموظفين إلى ذروته، وتشير بعض الشركات إلى أن أكثر من 80% من أصحاب العمل واجهوا في عام 2023 نقصًا في الموظفين المؤهلين.
وحول نقص العمالة يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية، ميخائيل شوركوف، في حديث لـ"إرم نيوز" وفقا للدراسات الرسمية، أكثر من نصف العاملين هم أشخاص تزيد أعمارهم على 40 عامًا، ومن المتوقع أن تصل خسائر العمالة إلى 3-5 ملايين شخص خلال العقد المقبل".
تنفق روسيا حوالي 3 تريليونات روبل سنويا لتحفيز معدل المواليد
وبحسب شوركوف "فنسبة السكان الذين تجاوزوا سن العمل حوالي 25٪، أي أن كل مواطن من أصل 4 في البلاد متقاعد" ويرى أن الخروج من هذه الأزمة "يكون في جذب عمال إضافيين من الخارج".
تشير المؤسسات الروسية المعنية إلى أن الطريقة الأكثر فعالية للتغلب على الأزمة الديموغرافية هي زيادة معدل المواليد، أي ما يصل إلى 3-4 أطفال لكل أسرة، علاوة على ذلك، فمن الواضح أن مكافحة الإجهاض في المناقشات التي دارت حول ضرورتها في السنوات الأخيرة داخل الدوما لا يؤمن بها الكثيرون من أصحاب القرار في المؤسسات الاجتماعية، حيث يرى بعضهم أن منع الإجهاض لن يحل الأزمة، بالإضافة إلى أن هناك نقصا في عدد عمليات الإجهاض دون قوانين تمنعه، معتمدين على إحصائية شبه رسمية تقول إنه في عام 2010 تم تسجيل 1.186 مليون حالة إجهاض، لكن في عام 2022 كان هناك نصف مليون حالة إجهاض تقريبا، لكن رغم ذلك عدد الأطفال لا يرتفع.
ولأسباب مختلفة، فإن النساء إما غير مستعدات للولادة على الإطلاق، أو جاهزات للإنجاب، ولكن ليس بالقدر الذي ترغب فيه الدولة، فوفقا لهيئة الإحصاء فإن 70٪ من النساء الروسيات يعلنَّ نيتهن في إنجاب ما لا يزيد على طفلين فقط.
وتشير توقعات وزارة التنمية الاقتصادية للأعوام 2024-2026 إلى انخفاض معدل المواليد أكثر، حيث كان معدل الخصوبة الإجمالي عام 2022 هو 1.45 فقط، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض عدد الشابات القادرات على الإنجاب، حيث إن عددهم يتناقص كل عام بمعدل 400 ألف، إضافة إلى ذلك، هناك تأجيل الولادات إلى سنوات لاحقة، وهو ما يفسر بشكل خاص تعقيد الوضع الاقتصادي وانعدام الثقة المستدامة في المستقبل.
وتخطط الدولة لزيادة الاهتمام بالأسر التي لديها أطفال، وبالطبع زيادة المدفوعات، فوفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة التنمية الاقتصادية، تنفق روسيا حوالي 3 تريليونات روبل (الدولار يساوي 90 "روبل") سنويا وذلك لتحفيز معدل المواليد، وتشمل المدفوعات إعانة مادية للطفل المولود، وكذلك مبالغ مخصصة لكل طفل تصرفها عائلته لتعليمه، وتخفيض تتحمله الدولة في نسبة الفوائد على القروض السكنية للأسر التي لديها أطفال.