يعد تزامن شهر رمضان وعيد النوروز في عام واحد أمرًا نادرًا بشكل عام، ويتم تحديد تواريخ هذين الحدثين بناءً على تقاويم وطرق حسابية مختلفة.
لكن هذا العام، تزامن الشهر الفضيل مع النوروز الذي يعد عطلة رسمية في إيران تستمر لمدة إسبوعين، حيث يسافر الإيرانيون كل عام في هذا العيد إلى مدن مختلفة الأمر الذي يحرمهم من الصيام.
وعن تزامن هذين الحدثين في ظل ظاهرة إفطار العديد من الإيرانيين، الأمر الذي يوحي، كما كشفت استطلاعات سابقة، ابتعاد الإيرانيين عن الدين أو تراجع الكثير منهم من أداء فريضة الصوم.
الابتعاد عن الروحانية
يرى الشيخ بهمن أكبري وهو المستشار الثقافي السابق في السفارة الإيرانية في سلطنة عُمان، لـ"إرم نيوز"، عند سؤاله فيما إذا كان المجتمع الإيراني قد ابتعد عن الأمور الروحانية والدينية مثل الصيام، إنه "لسوء الحظ، هذا صحيح، وبالطبع لا يمكن لي أن أتجادل في هذا الموضوع، لكن بعض استطلاعات الرأي حول التدين تشير إلى ذلك".
ويشير "أكبري" إلى تجاربه في الخارج، ويقول: "بشكل عام، السخرية من الدين ورجال الدين والزعماء الدينيين من قِبل بعض الناس في بلادنا لها جانب سياسي، فمثلاً في كوريا الجنوبية، أكثر من 60% من الناس لا يتبعون أي دين، لكنني لم أرَ مثل ردود الفعل ضد الأديان في هذا البلد منذ أكثر من عقد من الزمان".
وأضاف: "ذهبنا مرة واحدة خلال شهر رمضان المبارك، إلى سيول من إسطنبول مع زميل كوري لا يؤمن بأي دين، وفي إسطنبول عند الظهر، كان الكثير من الناس يتناولون طعام الغداء في الهواء الطلق على الشاطئ، أخبرتهم أنه يمكنك تناول الغداء إذا أردت، قال لا، احترامًا لرمضان والمسلمين، لا آكل شيئًا في الأماكن العامة، إذا قارنا وضع مجتمعنا بمثل هذه الحالات، يمكننا أن نفهم مدى تفاعل جزء من المجتمع".
وتحدث "أكبري" عن مزاج رمضان في بلدان أخرى: "في بعض البلدان، يشعر مواطنوها بالشهر الكريم أكثر بكثير، ففي الجزائر عند المغرب يحاول الناس الوصول إلى خط الصلاة قبل الإفطار في المساجد، وفي تركيا بالإضافة إلى التوزيع المجاني لوجبات الإفطار المناسبة، تجعل البلدية شهر رمضان المبارك مليئًا بالبهجة من خلال إقامة المعارض المميزة".
وأضاف: "في روسيا أيضًا وتحديدًا في موسكو، نشهد مظاهر حماسية لشهر رمضان المبارك من خلال نصب خيم نظيفة للغاية في عدة أجزاء من العاصمة".
الشعب الإيراني وروحانية رمضان
وردًا على هذا السؤال يقول الشيخ محمود رضا مهاجري إمام مسجد أبي عبدالله الحسين في طهران لـ"إرم نيوز"، "لا لم يبتعد الشعب الإيراني عن الروحانية وشهر رمضان، بل إن شعبنا، خاصة الشباب، ملتزمون بتلك الأمور".
وأضاف مهاجري: "نعم لا ننكر وجود حملة إعلامية شرسة من الخارج وحتى من الداخل ضد التدين والالتزام بالشؤون الشرعية، وقد أثرت هذه الحملة على قناعات الجيل الجديد أي جيل بعد الثورة العام 1979".
نوعية الروحانية
ويقول الشيخ إسماعيل رمضاني وهو خطيب وخبير في الشؤون الدينية لـ"إرم نيوز"، في هذا السياق: "إنه مجرد ادعاء، ولا يمكنك التحدث عن عدم اهتمام الناس بالشؤون الروحية، والأمر بسيط جدًا؛ يجب علينا أولاً أن نصل بتعريفنا للأمور الروحية إلى نقطة مشتركة، ونرى بأي معايير يتم قياس هذه الزيادة أو النقصان، وعندما يتم تحديد المعايير، يمكن النظر فيما إذا كان اهتمام الناس بالأمور الروحية قد انخفض أم زاد، وفقًا للمعايير المتفق عليها؟".
ويتابع: "إذا كان تعريف الأمور الروحانية هو الرموز الدينية (مثل العلماء، والشهداء، والمراسم، والمساجد، وغيرها)، فمن الممكن قياس ما إذا كان شعبنا، مقارنة بما كان عليه قبل 10 أو 20 عامًا، أكثر اهتمامًا بهذه الأمور، الظاهر أن المجتمع الإيراني لا يزال متمسكًا بهذه الأمور".
ويضيف المتحدث والخبير الديني: "ولكن إذا كان تعريفنا للأمور الروحية مرتبطًا بالفضائل الأخلاقية مثل الشجاعة، والصدق، والتعاطف مع المحرومين، ورعاية بعضنا البعض، فإن السؤال هو: متى قلَّ اهتمام مجتمعنا بالفقر والمحرومين؟ ولا تزال الفضائل الأخلاقية تحظى باهتمام بين الناس، وفي مثل هذا المجتمع، حتى لو شهد في بعض الحالات نقصًا وضعفًا، فإنه لا يزال يحافظ على روح الفضائل الأخلاقية حية في نفسه".
وفي إشارة إلى تحسن نوعية الروحانية في المجتمع الإيراني اليوم، يضيف: "بافتراض أن اهتمام الناس بالشؤون الروحية قد انخفض - بطبيعة الحال، فإن أصالة هذا الادعاء موضع شك - يجب على المرء أن يتساءل: هل نوعية النمو ليست كذلك؟ وتزايدت مع هذه الانخفاضات؟".
ويؤكد رمضاني: "اليوم هذه القضايا أضيفت إلى نوعية الشباب المتدين وإلى نوعية الروحانية، ويجب أن نلاحظ أن الجودة هي العنصر الأساس والمهم في الحساب الإلهي".
استطلاعات
وتظهر استطلاعات أخرى أجريت، في السنوات الأخيرة، أرقامًا مختلفة، فقد أظهر استطلاع، العام 2020، أجراه مركز "إيسبا" الحكومي، أن حوالي 38% من الناس قالوا إنهم صاموا كل أيام رمضان أو معظمها، فيما ذكر 45% أنهم لم يصوموا، بينما رفض 17% الإجابة عن ذلك.
وفي العام 2021، أجرى المركز ذاته استطلاعًا حول موضوع الصيام، حيث ذكر 45% من المشاركين أنهم يصومون كل الأيام أو معظمها، و10.9% يصومون بعض الأيام، و42.6% قالوا إنهم لا يصومون على الإطلاق، و1.6% لم يجيبوا عن هذا السؤال أيضًا.
وفي العام 2022، أجرى المركز ذاته استطلاعًا استمر من بداية شهر رمضان وحتى نهايته، حيث أفاد حوالي 85% من أفراد العينة أنهم لم يصموا يومًا من أيام شهر رمضان، وفي المقابل، قال 11% إنهم صاموا كل الأيام، وقال 4% إنهم صاموا بعض الأيام فقط.
وكانت الأسباب الرئيسة لعدم صيام الأشخاص، هي: المرض، والتعب من العمل، وعدم الإيمان بالصيام، والأعذار الدينية مثل الرضاعة، والحمل، وغير ذلك، والإعاقة الجسدية، والخوف من المرض.
وبعد هذه الأعوام لم تنشر مراكز الاستطلاعات الإيرانية أي نتائج عن نسبة التزام الإيرانيين بالصيام من عدمه في شهر رمضان.