حلب
حلب

حلب.. من مسرح للتاريخ والحياة إلى مدينة منكوبة

"حلب" مدينة لا تحتاج إلى التعريف بها أو تحديد موقعها، فقد اشتهرت عبر التاريخ ولمع اسمها كأنما كانت دوما عالما متفردا بذاته.

تقع هذه المدينة في شمال سوريا وهي أكبر محافظات الجمهورية السورية من ناحية تعداد السكان، إذ كان عدد سكانها 4,6 مليون بتقديرات عام 2004، كما أنها تعتبر العاصمة الاقتصادية لسوريا.

ولم تكن حلب مدينة بارزة فقط في سوريا، بل هي تعد أكبر مدن بلاد الشام كلها.

تاريخ عريق

كانت حلب عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية، ثم تعاقبت عليها حضارات عدة مثل الحثية والآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية.

برزت حلب في العصر العباسي كعاصمة للدولة الحمدانية، التي امتدت من حلب إلى الجزيرة الفراتية والموصل.

وتعد حلب واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، وذلك منذ بداية الألفية السادسة قبل الميلاد.

وكان أول ذكر لحلب في الألواح المسمارية المكتشفة في مملكة إيبلا و‌بلاد الرافدين، حيث لوحظ تفوقها العسكري والتجاري.

وبقيت حلب لقرون أكبر المدن السورية وثالث مدينة في الدولة العثمانية بعد إسطنبول و‌القاهرة.

ورغم انكماش دور حلب في العصر الحديث بسبب التغيرات السياسية في المنطقة، ظلت هذه المدينة عاصمة اقتصادية لسوريا، فهي تضم أهم المعامل الصناعية وهي أيضا تشكل مركزا للمناطق الزراعية في سوريا، وخاصة زراعة القطن الضرورية لمعامل النسيج المزدهرة في المدينة.

كانت حلب وريفها تعطي معظم الناتج الإجمالي السوري حتى نهاية الخمسينات. وأصبحت المدينة القديمة في مدينة حلب من مواقع التراث العالمي اليونسكو في عام 1986.

وقد نالت المدينة لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عن الوطن العربي في عام 2006.

بوصلة الفن

لم يرتبط اسم حلب فقط بدورها السياسي والتجاري على مر التاريخ في المنطقة، بل حفر اسمها كذلك في ذاكرة الفن العربي.

وبزغ اسم حلب على صعيد العلوم والفن إبان عصر الدولة الحمدانية، حيث اهتم سيف الدولة الحمداني بالعلوم، وظهر في عصره عدد من الأطباء والفلكيين والرياضيين والجغرافيين والفلاسفة والمفكرين الإسلاميين البارزين، مثل: الفارابي، وابن سينا.

فيما لمع اسم عدد من الشعراء المعروفين من حلب، مثل المتنبي، وأبو فراس الحمداني، وغيرهما. وكذلك عدد من الأدباء مثل أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني الذي أهداه إلى سيف الدولة.

ومع انكماش دورها السياسي والتجاري في العصر الحديث، صعد نجم حلب في الموسيقى، إذ اشتهرت الفرق الحلبية الموسيقية التقليدية، خاصة بالموشحات والقدود.

واشتهر أهل هذه المدينة بولعهم بالطرب والغناء، واعتبرت عاصمة للطرب الأصيل في العالم العربي.

وانطلق من حلب كبار الفنانين وأعلام الموسيقى العربية الذين نهلوا من تراثها وفنها، منهم سيد درويش، كما سطع منها نجوم في القدود أبرزهم صباح فخري وصبري مدلل.

إضافة إلى ذلك، اشتهرت حلب بأنها مهد النشيد الذي تميز بالمدح النبوي، وكان أبرز الأسماء التي سطعت منها أبو الجود محمد منذر سرميني والمنشد محمد أبو راتب.

ولم تشتهر حلب في مجال الفن على الصعيد الطربي فقط، بل كذلك على صعيد الفن التشكيلي والنحت، وعرفت العديد من المدارس الهامة فيها، درّس فيها أساتذة كبار مثل وهبي الحريري، وسعد يكن، وعبدالرحمن موقت.

وفي الأدب والثقافة والشعر، برزت أسماء منها وليد إخلاصي ونهاد سيريس وعمر أبو ريشة وعبدالرحمن الكواكبي وجورج طرابيشي وعمر البابا، والعشرات من الأسماء المعروفة.

مدينة "الكبة والمحاشي"

خلدت حلب اسمها كذلك من خلال مطبخها العريق المعروف، إذ اشتهرت هذه المدينة بشكل خاص بأكلات "الكبة" المتنوعة واللذيذة والخاصة، والتي لا يمكن تذوق مثلها خارجا.

كما اشتهرت بالأنواع العديدة والمختلفة من المحاشي، حتى صار يضرب فيها مثل شعبي "حلب أم المحاشي والكبب".

وعرفت هذه المدينة كذلك بـ"الفواكه المجففة" أحد أبرز الأكلات الشعبية في سوريا والتي حظيت بشهرة عربية، وبقي سر صنعتها محصورا في حدودها. إضافة إلى أكلات أخرى كثيرة يصعب حصرها.

مدينة منكوبة

على غرار باقي المدن، شهدت حلب تضررا كبيرا على الصعيد الإنساني والاقتصادي مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.

وتعطلت عجلة الاقتصاد في هذه المدينة التي لا تهدأ، بينما تعرض العديد من معالمها الأثرية للدمار مثل مئذنة المسجد الأموي، بينما تعرضت معظم أسواقها القديمة التي كانت تشكل نبض هذه المدينة للاحتراق.

وبحسب تقييم منظمة "يونيسكو" أواخر 2016، فإن المعارك أدت إلى تخريب 60% من معالم المدينة، 30% منها تم تدميره بشكل كامل، وعلى الرغم من هذا الرقم التقديري لحجم الخسائر في المدينة، إلا أن العديد من المتخصصين في الاقتصاد يؤكدون أن حجم الدمار والخسارة أكبر من هذه الأرقام التقديرية، ولا يمكن الاعتماد الدقيق على هذه الأرقام.

لكن هذه المدينة التي عرفت متغيرات كثيرة على مر التاريخ، ظلت تحاول النهوض والتماسك، لتصبح حتى ملجأ للعديد من السوريين الهاربين من مناطق مشتعلة أخرى.

وفي مطلع فبراير/ شباط الماضي، زلزلت الأرض تحت هذه المدينة، لتشهد واحدة من أسوأ الكوارث التي حلت بها على مر التاريخ. إذ حول الزلزال في ثوان معدودة أجزاء واسعة من هذه المدينة إلى ركام، بينما قضى الآلاف من السوريين تحت أنقاض تاريخها، مخلفين وراءهم جرحا واسعا في جبين حلب، ينتظر من يمسح ألمه وينفخ الروح مجددا في أزقة هذه المدينة العريقة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com