التسرب الدراسي.. ظاهرة متنامية في إدلب السورية

التسرب الدراسي.. ظاهرة متنامية في إدلب السورية

تتزايد آفة التسرب الدراسي بشكل كبير في مدينة إدلب وشمال غرب سوريا عموما، وهي ظاهرة متنامية تهدد مستقبل آلاف الأطفال الذين شردتهم الحرب وحرمتهم من أبسط حقوقهم في التعليم ومتابعة دراستهم.

ويأتي ذلك في ظل انهيار المؤسسات التعليمية العامة، واتجاه الأطفال والمراهقين للعمالة المبكرة من خلال تعلم مهن وحرف مختلفة،  تساعدهم على تحمل نفقات عوائلهم، وسط ظروف معيشية واقتصادية صعبة، وفقر مدقع بات يحاصر الكثير من السكان.

لم يذهب الطفل كرم الشعار (14 عاماً)، وهو نازح من مدينة حلب ومقيم في مخيمات دير حسان شمال إدلب، إلى مدرسته هذه السنة، نتيجة ما وصفها بالفوضى وغياب الاهتمام من خلال الاستهتار بالدوام المدرسي من قبل المعلمين والإداريين على حد سواء.

يقول كرم لـ"إرم نيوز" إن دوامه المدرسي لم يعد يجدي نفعاً، بعد أن ترك معظم مدرسيه مهنة التعليم، في حين لم يعد بإمكان المعلمين الآخرين الالتزام بالمدرسة، ما أثر على تحصيله العلمي بشكل كبير، الأمر الذي دفعه إلى الامتناع عن استكمال دراسته وبحثه عن مهنة تمكنه من مواجهة أعباء ومتاعب الحياة".

"الحرفة والمصلحة صارت أفضل من الدراسة بهاي البلد".. بهذه الكلمات يبرر محمد الشعار (45 عاماً) والد كرم سبب عدم إرسال ولده إلى المدرسة، في إشارة منه إلى الواقع التعليمي المتردي من جهة، وأوضاعه الاقتصادية الصعبة التي أجبرته على إلحاق ابنه بسوق العمل من جهة أخرى.

يقول محمد لـ"إرم نيوز" إنه "غير راضٍ عن انقطاع ابنه عن المدرسة، خاصة أن ولده كان من المتفوقين دراسيا، ولكن ضعف المدارس العامة وارتفاع أقساط المدارس الخاصة التي تفوق قدرته حالت دون متابعة ابنه تحصيله العلمي، ودفعته لإرساله للعمالة في المجال الصناعي".

 وأضاف أن "التعليم بات حكراً على الأغنياء وميسوري الحال في محافظة إدلب عامة ومنطقة المخيمات على وجه الخصوص التي تفتقر أصلاً لأدنى المستلزمات التعليمية والتربوية، وهو ما دفع العديد من السكان والنازحين للامتناع عن إرسال أولادهم إلى المدارس والحاقهم بمهن بديلة تضمن لهم عيشاً كريماً".

وتفتقر محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، إلى المدارس والمراكز التعليمية العامة بالتزامن مع ازدياد الكثافة السكانية في هذه المناطق، خاصة في المخيمات الشمالية.

وحسب إحصائية لفريق (منسقو استجابة سوريا) فإن 930 مخيما في مناطق إدلب وحلب دون أي نقاط تعليمية أو مدرسية.

ووفقاً للإحصائية نفسها، فإن ما لايقل عن 193.843 طالب في مناطق شمال سوريا لا يتلقون تعليمهم، في حين بلغ عدد الأطفال المتسربين في المخيمات 36848 طفلا.

لم يتمكن زهير عواد (38 عاماً) وهو نازح مقيم في بلدة البردقلي شمال إدلب، من تسجيل أطفاله الثلاثة في مدرستهم هذا العام، بعد أن عمدت "حكومة الإنقاذ" الذراع المدني "لهيئة تحرير الشام" إلى تأجير المدرسة الوحيدة في البلدة لمستثمرين، لتحويلها إلى القطاع الخاص.

يقول زهير في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن "حالته المادية لا تسمح له بإلحاق أولاده إلى صفوفهم الدراسية، خاصة في ظل الأقساط الشهرية المرتفعة التي تجاوزت 35 دولارا أمريكيا للطالب الواحد شهريا، وهو مبلغ يصفه بالخيالي إذا ما أراد تسجيل أطفاله الثلاثة".

وأضاف أن "حكومة الإنقاذ تسعى جاهدة لتهميش القطاع التعليمي العام، وتحويله إلى مدارس خاصة بما يخدم مصالحها في جني أرباح طائلة من خلال فرض الضرائب والإتاوات على هذه المشاريع وهو ما يفسر ارتفاع تكاليف الأقساط الشهرية والسنوية".

وأشار أنه "سيضطر إلى إلحاق أطفاله بسوق العمل لتعلم حرف ومهن بديلة إذا ما استمر الحال على ماهو عليه، وعجزه عن تأمين تكاليف ومستلزمات أولاده الدراسية".

ويعمل النازح الثلاثيني في مهنة البناء الشاقة، ويتقاضى مبلغا لا يتجاوز 50 ليرة تركية يوميا، وهو مبلغ بالكاد "يؤمن لي المستلزمات المعيشية الأساسية حتى يمكنني دفع تكاليف الدراسة".

يقول سكان ونازحون التقى بهم "إرم نيوز" في إدلب، إن قطاع التعليم شهد العديد من الانتكاسات والخيبات بعد تسلط حكومة الإنقاذ على التعليم العام، وحرمانها المدرسين من حقوقهم ومستحقاتهم المادية على مدى سنوات، وهو ما دفع المعلمين والمعلمات لترك مهنة التعليم والتوجه إلى مهن أخرى.

ووفقا لإحصائيات محلية فإن هناك 244 مدرسة مدمرة خارجة عن الخدمة في إدلب بسبب العمليات العسكرية منذ بداية الحرب السورية عام 2011.

وعلى مقربة من سوق مدينة سرمدا شمال إدلب، يجهد الطفل مهدي قفاس (12 عاما) وهو نازح من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، بجر عربة الخضروات التي اتخذ منها مهنة تساعده على تأمين جزء من احتياجات أسرته بعد أن انقطع عن متابعة دراسته وتحصيله العلمي.

يقول مهدي لـ"إرم نيوز" إنه "وبعد وفاة والده نهاية العام الفائت، بغارة جوية استهدفت مكان عمله، اضطر إلى ترك المدرسة والعمل للإنفاق على والدته وإخوته الثلاثة من خلال عمله على عربة الخضروات التي غدت مهنته ومصدر رزقه ورزق عائلته".

"إذا ما اشتغلت منموت من الجوع" يقول مهدي في إشارة منه إلى سبب تركه المدرسة التي بات غير قادر على تسديد تكاليفها التي لا طاقة لهم بها بعد فقدانهم المعيل وتحمله مسؤولية أمه وأخوته المنقطعين عن مدارسهم أيضا.

ويعيش الطفل في أحد المخيمات العشوائية قرب مدينة سرمدا، ويتقاضى أجرا يوميا لا يتجاوز 30 ليرة تركية، وهو مبلغ بالكاد يؤمن لهم ثمن الخبز وبعض الخضروات، ولكنه يبقى "أفضل من لا شيء" على حد وصفه.

ويرى مصطفى كامل ( 42 عاماً) وهو موجه تربوي في مدينة الدانا شمال إدلب، أن "ظاهرة التسرب الدراسي باتت متنامية بشكل كبير في محافظة إدلب نتيجة تجاهل الجهات المعنية مطالب المدرسين في توفير الحد الأدنى من المقومات الأساسية لسير العملية التعليمية، إضافة إلى غلاء الأقساط الشهرية في المدارس الخاصة التي حالت بين الطلاب المتسربين واستكمال تعليمهم".

وأضاف أن "الأوضاع الاقتصادية والمعيشة التي يعيشها معظم الأهالي والسكان دفعتهم إلى زج أولادهم في مهن شاقة وخطرة لمساعدتهم مادياً، بعد أن لاحظوا غياب الرعاية والاهتمام في المدارس العامة التي لا تتلقى أي دعم يذكر".

وحذر الموجه التربوي من "ضياع مستقبل آلاف الطلاب المهددين بالأمية في حال استمر واقع التعليم على ما هو عليه من تجاهل متعمد وغياب الحلول والوسائل التي من شأنها دعم القطاع العام وتأمين سبل تربوية وتعليمية تدفع عجلة التعليم نحو الأمام".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com