قصص نجاة من الانتحار في إدلب السورية
قصص نجاة من الانتحار في إدلب السوريةقصص نجاة من الانتحار في إدلب السورية

قصص نجاة من الانتحار في إدلب السورية

تزايدت حالات الانتحار في مدينة إدلب، شمال غرب سوريا، نتيجة للضغوط الاقتصادية والنفسية في المنطقة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية.

وحسب إحصائيات محلية، فإن عدد محاولات الانتحار منذ بداية عام 2022 وحتى الشهر الحالي، وصل إلى 39 حالة أدت إلى وفاة 31 شخصا بينهم 9 أطفال و10 نساء في مناطق متفرقة من إدلب.

وعلى مقربة من مخيمات مشهد روحين على الحدود السورية التركية شمال إدلب، قضى محمد عنجوكي (16 عاماً) وهو نازح من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، شنقاً حين أقدم على قتل نفسه إثر مروره بضغوط نفسية واقتصادية صعبة، أبرزها انقطاعه عن التعليم وفشله في تأمين فرصة عمل مناسبة تمكنه من الإنفاق على والده المعاق وعائلته المؤلفة من خمسة أشخاص.

يقول سليم عنجوكي (45 عاماً) وهو والد محمد، إن ابنه "مال إلى العزلة والانطواء على نفسه في أيامه الأخيرة، حتى وصل به الأمر إلى حد الاكتئاب والوحدة نتيجة الظروف المعيشية والنفسية المزرية التي مرت بها العائلة من نزوح وفقر وتدني بمستوى المعيشة".

ويضيف لـ"إرم نيوز" أن "ضيق الحال وانعدام فرص العمل أديا إلى تراكم الديون عليهم ومطالبة أصحاب الحق بأموالهم في الفترة التي سبقت وفاة ابنه الذي شعر بالعجز أمام ما تمر به العائلة من فقر مدقع وأحوال معيشية سيئة".

ويشير الوالد إلى أنه لم يتوقع أن يصل الحال بابنه إلى أن يقدم على إنهاء حياته للتخلص من الواقع المر ومعاناته النفسية، خاصة أنه المعيل الوحيد لعائلته التي يؤمن لها الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية واليومية، حيث عبر عن خسارته ولدَه: "كسرت ظهري وأعاقتني إعاقة ثانية لن تشفى ولن تندمل".

وفي حادثة أخرى، قضت سمية الرحال (19 عاماً) وهي نازحة في مخيمات بلدة قاح الحدودية مع تركيا شمال إدلب، بعد تناولها حبة غاز "الفوسفيد" كرد فعل على طلاقها من زوجها وبسبب التضييق الكبير الذي مورس عليها من عائلتها والمجتمع المحيط.

تقول منار العبد الله (23 عاماً) إحدى قريبات سمية لـ"إرم نيوز" إن الشابة التي تنحدر من بلدة حزارين جنوب إدلب كانت تعاني من المعاملة السيئة والشتائم من أهلها الذين وضعوا اللوم عليها في طلاقها من زوجها الذي يكبرها بـ20 عاماً.

وتضيف الشابة، أنها كانت على علم بنية قريبتها بالانتحار بعد أن أخبرتها بتصميمها على إنهاء حياتها نتيجة عوامل نفسية مضطربة أبرزها النظرات الدونية التي ينظرها المجتمع المحيط لها، إضافة إلى ابتعادها عن طفلها الرضيع، إلا أنها لم تأخذ كلامها على محمل الجد، لتتفاجأ بخبر وفاتها في اليوم التالي.

وتتابع منار أن "عائلة سمية روجت لانتحارها المقصود، على أن سبب وفاتها تناولها الحبة بالخطأ، خشية وصمة العار والفضيحة التي ستلازمهم مدى الحياة"، على حد وصفهم.

ونجا محمد الصبحي (25 عاماً) وهو نازح مقيم في مدينة إدلب، من محاولة الانتحار التي أقدم عليها الأسبوع الفائت، بعد أن لاحظت زوجته تناوله حبوب "الفوسفيد" القاتلة، ليتم نقله إلى أحد المشافي، الذي بدوره أجرى له عملية "غسيل معدة" مكنته من النجاة.

ويعتبر محمد أن دوافع الانتحار جاءت للخلاص من أحواله الاقتصادية والمعيشة المزرية في ظل عجزه عن تأمين أدنى مستلزمات الحياة لعائلته المؤلفة من ثلاثة أشخاص، إضافة لنزوحه المتكرر وعدم استقراره في مكان محدد بسبب عدم قدرته على دفع إيجارات المنزل.



يقول محمد إن "الموت أرحم لي من مشاهدة أطفالي جوعى أمام عيني، دون قدرة مني على تحريك ساكن" في إشارة منه للفقر المدقع والحالة النفسية الصعبة التي وصل إليها، مشيراً إلى أن قرار الانتحار وترك زوجته وأطفاله لم يكن سهلاً بالنسبة له إلا "أنني وجدت موتي أفضل لي من حياتي هذه".

ويحضر الشاب عدة جلسات توعوية ونفسية أسبوعياً، بمساعدة إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مناطق شمال غرب سوريا وبإشراف طبيب نفسي لتلافي الأفكار المضطربة التي قد تدفعه لمحاولة انتحار أخرى.

من جهته يقول مدير فريق "منسقوا استجابة سوريا" محمد حلاج لـ"إرم نيوز"، إن العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية إحدى أهم الركائز الأساسية التي أدت إلى تنامي ظاهرة الانتحار في محافظة إدلب، من خلال موجات النزوح الأخيرة وفقدان النازحين لممتلكاتهم وأرزاقهم وحالة عدم الاستقرار، إضافة إلى العوامل الاقتصادية التي تعد إحدى أبرز أسباب الظاهرة والمتمثلة بضعف مردود الدخل وتفشي البطالة وارتفاع الأسعار التي زادت من معدل الفقر والجوع إلى مستويات قياسية.

ويضيف حلاج، أن نسبة العائلات الواقعة تحت خط الفقر في شمال غرب سوريا بلغت 84%، وفقاً للأسعار الأساسية وموارد الدخل، في حين وصلت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الجوع إلى 36% من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر.

ويشير إلى أن قلة الوعي بين فئات المجتمع وتراجع مستويات التعليم أدت إلى غياب الرادع وتفاقم المشكلات النفسية بشكل كبير خاصة مع انتشار المخدرات بشكل لافت في المجتمع وصعوبة ضبط مروجيها، فضلاً عن الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا التي تؤثر بشكل كبير في فئة المراهقين والشباب ما يدفعهم إلى الانتحار وإنهاء حياتهم.

وتختلف أساليب وطرق الانتحار ما بين تناول حبوب الغاز التي تعتبر من أكثر المبيدات الحشرية ضرراً على الإنسان حيث تتواجد في الصيدليات البيطرية بكثرة دون ضوابط أو معايير، أو بوساطة الشنق، إضافة إلى استخدام السلاح الذي ينتشر بكثرة بين مختلف الفئات العمرية في المجتمع.

من جهتها ترجع نسيبة جلال، وهي مرشدة نفسية واجتماعية الازدياد الملحوظ في حالات الانتحار لغياب الدعم النفسي والمجتمعي الذي يلعب دورا رئيسا في تنامي هذه الظاهرة، في ظل ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب وانعدام للأمن وقلة فرص العمل، وهو ما ساهم بتفشي العنف الأسري الذي يجعل المتضررين يهربون من حياتهم الصعبة بالتفكير بالانتحار.

وتضيف أن المنتحر يمر بمراحل نفسية معينة وأفكار سلبية تعطي علامات تحذيرية قبل الانتحار أبرزها الحديث المتكرر عن رغبة الشخص بالموت، والعزوف عن الأسرة والأصدقاء والأنشطة اليومية الاعتيادية، والميول الدائم للوحدة والعزلة، إضافة إلى تغير السلوكيات وعدم القدرة على التفكير السليم، ما يستوجب التدخل السريع لاحتواء الحالة ودعمها نفسياً.

وتشير جلال إلى أن الحملات والمشاريع التوعوية التي تشرح مفاهيم وأسباب الانتحار، إضافة إلى توفير مراكز نفسية يلجأ إليها الفرد للتخفيف من أعباء وصعوبات الحياة من شأنها الحد من انتشار هذه الظاهرة التي تهدد المنظومة المجتمعية ككل.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com