النساء في زمن كورونا.. معاناة منزلية مضاعفة ومخاوف بشأن "الصحة العقلية"
النساء في زمن كورونا.. معاناة منزلية مضاعفة ومخاوف بشأن "الصحة العقلية"النساء في زمن كورونا.. معاناة منزلية مضاعفة ومخاوف بشأن "الصحة العقلية"

النساء في زمن كورونا.. معاناة منزلية مضاعفة ومخاوف بشأن "الصحة العقلية"

يعاني الناس في جميع أنحاء العالم، من ضغوط إضافية وسط الإغلاق الاجتماعي الناتج عن انتشار فيروس كورونا، لكن يبدو أن النساء وجدن أنفسهن في مأزق أكبر مقارنة بالرجال.

خلال فترة الإغلاق تخلت آنا بوسورث، وهي مستشارة تسويق مستقلة، عن حياتها المهنية حتى يتمكن زوجها من التركيز في عمله، قائلة إنه "لا يمكنها العمل ثانية، فمن الساعة الخامسة صباحا حتى يخلد أطفالها إلى النوم في الساعة الـ 8:30 مساء، لا تستطيع فعل أي شيء مثمر".

مثل العديد من الأمهات العاملات، تعمل بوسورث لحسابها الخاص وباتت تعمل بدوام جزئي بعد أن أنجبت طفلها الأول، وفي الوقت نفسه، كان زوجها يعمل بدوام كامل في وكالة إعلانات، وهو يواصل العمل بشكل طبيعي، ويأخذ إجازة يوم واحد في الأسبوع.

وقالت بوسورث إنه "يفعل كل ما في وسعه للمساعدة بالاعتناء بالأطفال، لكنني أشعر بأنني محظوظة لأنه لا يزال يعمل، الأولوية بالنسبة لنا هي الحفاظ على منزلنا ودفع فواتيرنا، ووظيفته هي الطريق الأكثر مباشرة لذلك"، مضيفة "أنا من أنصار المرأة وأؤمن بالاختيار، لكن الوباء لم يترك لي خيارا، أشعر أنني كربة منزل في الخمسينيات".

وحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، لدى الزوجان طفل يبلغ من العمر 8 أشهر وفتاة تبلغ من العمر 5 سنوات، وعادة ما يحصلان على مساعدة من والديهما وجليسة الأطفال حتى يتمكنا من العمل.

ولا تعتبر بوسورث الوحيدة التي تشعر بذلك، فخلال فترة الإغلاق، اضطرت الأمهات في المملكة المتحدة إلى تقديم ما لا يقل عن 50% من رعاية الأطفال بالإضافة إلى قضاء ما بين 10 و 30% أكثر من الوقت الذي يقضيه الآباء، لتعليم أطفالهم في المنزل، حسب إحصائيات برنامج "الأوبزرفر".

ولا يهم ما إذا كانت المرأة تعمل من المنزل، أو تعمل خارج المنزل أو لا تعمل على الإطلاق، إذ يكشف البحث أن المرأة تقضي عادة ساعة ونصف الساعة إضافية على الأقل في رعاية الأطفال والتعليم المنزلي كل يوم، مقارنة بالرجل العادي في الظروف ذاتها.

الانقسام بين الجنسين

ويشير البحث، الذي أجراه خبراء اقتصاديون من جامعات كامبريدج وأكسفورد وزيورخ، في الفترة من الـ 9 إلى الـ14 من نيسان/ أبريل، إلى أن المرأة سواء أكانت تعمل رسميا أم لا، تتأثر بهذا الانقسام بين الجنسين في المنزل، فعادة ما تقضي الأمهات العاملات والعاطلات عن العمل، نحو 6 ساعات في توفير رعاية الأطفال والتعليم المنزلي في كل يوم عمل.

على النقيض، يقضي الأب العادي في المنزل أكثر من 4 ساعات على رعاية الأطفال والتعليم المنزلي في كل يوم عمل، بغض النظر عن وضعه الوظيفي.

ويقول الدكتور كريستوفر راوه، الخبير الاقتصادي في جامعة كامبريدج: "أيا كان الوضع القائم، فإن المرأة تقوم بمزيد من العمل في المتوسط، وليس لأنها تعمل لمدة أقل".

والفجوة بين الجنسين أكبر في الأسر ذات الدخل المرتفع، فعادة ما تقوم الأم التي تكسب أكثر من 80 ألف جنيه إسترليني، وتعمل من المنزل، بـ3،3 ساعة من التعليم المنزلي، و3،8 ساعة من رعاية الأطفال يوميا، أي أكثر من 7 ساعات في المجموع.

ويقضي الأب العادي الذي يكسب أكثر من 80 ألف جنيه إسترليني، 2،1 ساعة بالمنزل في تعليم أطفاله، و2،3 ساعة برعاية الأطفال في كل يوم عمل، أي أقل من 4،5 ساعة في المجموع.

ويقول راوه: "كلما زاد دخل الأسرة، قضت النساء وقتا أطول في التعليم المنزلي مقارنة بالرجال، ويفسر الناس الأمر بتفسيرات مثل، النساء أفضل في رعاية أطفالهن بسبب التطور، لكن إذا كان ذلك صحيحًا، فلا يجب أن ينطبق هذا على التعليم المنزلي، ومع ذلك نرى هذه الاختلافات هنا".

يبدو أن كمية التعليم المنزلي الذي يتلقاه الأطفال خلال الإغلاق تتأثر بشكل خاص بدخل الأمهات، حيث تقضي النساء الأقل أجورا 2.1 ساعة في اليوم لتعليم أطفالهن كل يوم، أي أقل من النساء الأعلى أجرا بأكثر من ساعة.

فجوة كبيرة

والآباء الذين يجنون 20 ألف جنيه إسترليني أو أقل، يدرسون لأولادهم لمدة أقل تبلغ 1.9 ساعة، ولكن هذا لا يختلف كثيرا عن الرجال ذوي الأجور الأعلى.

ومع ذلك، فإن الفجوة الكبيرة بين الجنسين بين الآباء ذوي الأجور المنخفضة، تتمحور حول رعاية الأطفال، فمثل النساء الأعلى أجورا، تقوم هؤلاء النساء اللواتي يكسبن 20 ألف جنيه إسترليني أو اقل بقضاء 3.9 ساعة في رعاية الأطفال يوميا، في حين يقضي الرجال أصحاب الأجور الأقل 2.4 ساعة يوميا في رعاية الأطفال، أي أن المرأة التي تكسب أكثر من 80 ألف جنيه إسترليني وتعمل من المنزل تقضي عادة وقتا أطول بنسبة 60% (1.4 ساعة إضافية) في رعاية الأطفال في كل يوم عمل، مقارنة بالرجل العادي الذي يكسب 20 ألف جنيه إسترليني أو أقل.

وتعتقد ماري آن ستيفنسون، مديرة مجموعة ميزانية النساء، أن هذا قد يكون بسبب اعتياد النساء على رعاية الأطفال والعمل أكثر من الرجال، وشرحت: "في العادة تميل المرأة خلال حالات الطوارئ إلى تولي مزيد من أعمال رعاية الأطفال"، مشيرة إلى أن الأطفال قد يكونون أكثر ميلا للجوء إلى أمهاتهم من آبائهم، وبالمثل إذا كان والدهم يتقاضى أجرا أكبر، فقد يُرى أنه من المهم ألا يفقد وظيفته.

وتقول منصة التعلم المنزلي "اتوم ليرنينج" إنه منذ بدء الإغلاق، كان أكثر من 3 أرباع الآباء الذين قاموا بتسجيل أطفالهم للحصول على دروس مجانية عبر الإنترنت ووضعوا لهم واجباتهم المدرسية من الإناث.

وفي الوقت نفسه، هناك أدلة على انخفاض مساهمات المرأة خارج المنزل، فقد كان هناك انخفاض في عدد البحوث الأكاديمية المقدمة من النساء، في حين ازدادت البحوث المقدمة من الأكاديميين الذكور.

وبالمثل، في مؤسسة الفلسفة، يقوم الرجال الآن بتنفيذ غالبية أعمال المنظمة، وتقول إيما وورلي، المديرة التنفيذية المشاركة للمؤسسة: "هذا لأن معظم النساء مضطرات إلى التركيز على رعاية الأطفال والتعليم المنزلي".

وشهدت الأسر العاملة، التي تدير خدمة المشورة القانونية للآباء والأمهات ومقدمي الرعاية، زيادة في الاستشارات بمقدار 6 أضعاف منذ بدء الإغلاق، وجاء 80% منها من النساء.

الصحة العقلية

وقالت إيما: "تظهر الأدلة أن الأمهات تتم معاقبتهن ولا يحظين بالدعم للعمل من المنزل لأن لديهن أطفالا، لقد رأينا -أيضا- أن الأمهات يضطررن إلى أخذ إجازة دون أجر أو يتعرضن للفصل".

وهناك مخاوف بشأن تأثير كل هذا على الصحة العقلية للمرأة، حيث تظهر الأبحاث التي أجرتها جامعة "كينجز كوليدج" في لندن أنه منذ بدء عملية الإغلاق، قالت 57% من النساء إنهن يشعرن بمزيد من القلق والاكتئاب، مقارنة بـ 40% فقط من الرجال، وأفاد عدد نساء أكبر من الرجال بأنهم يحصلون على قسط أقل من النوم، ويأكلون طعاما أقل من المعتاد.

وتقول ستيفنسون إنه "في عدد كبير من الحالات، تقوم النساء بالأغلبية الساحقة من رعاية الأطفال الصغار والتعليم المنزلي، ويبدو أن الرجال قادرون على عزل أنفسهم، بينما تعمل النساء على طاولة المطبخ، ويعلمن أطفالهن في المنزل".

وقال سام سميثرز، الرئيس التنفيذي لجمعية "فاوسيت سوسيتي"، إن الآثار الأوسع للفجوة بين الجنسين واضحة، مضيفا: "يوضح هذا أن الافتراضات السابقة حول من يقوم برعاية الأطفال لم تتغير، فالعبء يقع على عاتق النساء في النهاية، فلا يزال المجتمع ينتظر من المرأة جعل وظائفهن تتلاءم مع رعاية الأطفال، في حين تأتي وظيفة الرجل أولا دائما".

وخلال الإغلاق، كانت ليزي هاروب التي تعمل بدوام كامل في منصب رفيع في شركة معروفة، تعاني من نفس مستويات القلق التي شعرت بها عندما كانت تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة قبل 5 سنوات.

وقالت هاروب: "في البداية، جعلني طفلي أشعر بأنني سجينة مرة أخرى، وكنت محاصرة في منزلي، مع مسؤولية طفل في الـ5 من عمره وضغط كبير لتعليمه، لكن كان لدي عمل لأقوم به أيضا".

في الأسبوع الأول كان على ليزي أن تعقد كل اجتماع تقريبا وابنها بارنابي على ركبتها، وقالت: "كنت اسميه ظلي، وكان متحمسا جدا لوجودي طوال الوقت، ولكن هذا الأمر لم يتوقف، وكان يحدث 7 أيام في الأسبوع".

وبالفعل ارتفعت مستويات التوتر لديها، وأوضحت بالقول: "على الرغم من أن الشركة كانت رائعة ولم تتوقع من الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال في المنزل أن يعملوا كل ساعاتهم المعتادة، إلا أنني كشخص يعمل بجد، لم أكن أشعر أنني أؤدي عملي على أكمل وجه، ونتيجة لذلك، شعرت أنني أفشل، والفشل شعور رهيب".

وتعمل ليزي وزوجها بدوام كامل ويحصلان على رواتب متساوية، وقالت: "عندما أكون في المنزل، يلجأ لي طفلي دائما، وهذا كابوس".

ومن ثم بدأت تتجادل مع زوجها حول وظيفته، وقالت بشأن ذلك: "كانت هناك لحظات شعرنا فيها أننا لن نجتاز هذا الإغلاق معا، فقد أجرينا بعض المحادثات الصعبة حقا، لكننا في مكان جيد نفسيا الآن، وكان التغيير الرئيس هو اتخاذ قرار تولي زمام الأمور، فعليك أن تسيطر على الوضع ولا تدعه يسيطر عليك".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com