"جهان ملك خاتون".. من هي سيدة الغزل الفارسي؟

تتمتع إيران بأدب قوي وغني يعود الفضل فيه إلى شعراء عظماء، مثل سعدي وحافظ الشيرازيين، وجلال الدين الرومي، وغيرهم. ولكن من بين هؤلاء، شاعرة إيرانية تُعرف دائمًا بأنها من أوائل الشاعرات في العالم.

هي الشاعرة "جهان ملك خاتون" والمعروفة بـ"سيدة الغزل الفارسي" وقد عاصرت هذه الشاعرة الشاعر الراحل حافظ الشيرازي.

من هي؟

جهان ملك خاتون هي ابنة جلال الدين مسعود شاه، وهو الأخ الأكبر للأمير غياث الدين كي خسرو، والأمير الشيخ أبو إسحاق إنجو، وكانت عائلة إنجو قوية جدًا، وتتمتع بشعبية كبيرة في أيام آخر سلاطين إيلخاني جنوب إيران.

وًلدت في مدينة شيراز جنوب إيران، بتاريخ ولادة ووفاة غير واضح، لكن الكتب التاريخية تشير إلى أنها وًلدت، بعد العام 725 هجري، وبقيت على قيد الحياة حتى العام 784 هجري، وعاشت في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري.

وفي مجال الأدب، كتبت "جهان" قصائد أكثر من أي شاعرة أخرى في تاريخ الأدب الإيراني، وتُرجمت قصائدها إلى الفرنسية، والإيطالية، والإنجليزية.

وفقدت الشاعرة الإيرانية والدها جلال الدين مسعود شاه، العام 743، بعدما اعترض طريقه أحد قطاع الطرق في مدينة شيراز.

وكانت "جهان ملك خاتون" المولود الوحيد لعائلتها، وحظيت بدعم والدها جلال الدين مسعود شاه الذي وفَّر لها ظروفًا تعليمية أفضل من الأميرات الأخريات في بلاط إنجو، ولما قُتل والدها، أصبح عمها الشيخ أبو إسحاق واليًا على شيراز.

واستطاع الشيخ أبو إسحاق أن ينتصر في حرب دامية مع متمردين يقودهم أمير ياغي باستي، ويحكم بدلاً من أخيه (مسعود شاه).

وفي عهد أبو إسحاق، كانت شيراز "جنة الشعراء" وكان الشعراء مثل خاجاوي كرماني، وحافظ يترددون على بلاطه، وشجع الشيخ أبو إسحاق جهان ملك على كتابة الشعر، وتزوجت من أمين الدين جهرمي نديم الشيخ أبو إسحاق بين 744-747 هـ.

وعندما تم الاستيلاء على شيراز، العام 754 هـ، على أيدي الأمير مبارز الدين مظفري، فرَّ الشيخ أبو إسحاق إلى أصفهان، ولكن تم القبض عليه على الفور وشُنق في ساحة سعادت في شيراز.

وبعد مقتل الشيخ أبو إسحاق، بدأت فترة صعبة على جهان ملك خاتون، لكنها بقيت لفترة في شيراز، وانتقلت بعد ذلك إلى محافظة كرمنشاه غرب إيران، وقد سخرت في إحدى قصائدها من الأمير مظفري.

المخطوطات

وقالت الكتب التاريخية الإيرانية، إن المخطوطات الشعرية التي عُثر عليها للراحلة "جهان ملك خاتون" بلغت أكثر من 14 ألف بيت شعري.

وهناك نسخة أخرى من ديوان جهان، متوافرة في المكتبة الوطنية بباريس (مخطوطة الملحق الفارسي 763؛ رقم 1581) تحتوي على مجموعة مختارة من قصائدها، وهي مجمّعة مع نفس العدد من الأبيات لشاعر آخر (ربما شاعرة) بعنوان "بدون عنوان".

أما النسخة الثانية الكاملة نسبيًا من ديوان جهان فهي حوالي 5000 بيت وهي محفوظة في مكتبة قصر توبكابي في إسطنبول، وتاريخ هذه النسخة هو 840 هجرية، أي بعد وفاتها بأربعة أو خمسة عقود.

والنسخة الرابعة المتوافرة بها 500 بيت وتاريخ نسخها بتاريخ 1027 هجرية، وهي محفوظة بمكتبة جامعة كامبريدج.

أسلوبها الشعري

اعتمدت أسلوب الغزل في قصائدها الشعرية، ويعد ديوانها أكبر ديوان معروف للشاعرات في عصر ما قبل الحداثة، ويحتوي على 4 قصائد غنائية، ورثاء طويل، و12 مقطوعة، و357 رباعية، و1413 سونيته (الأغنية القصيرة).

وتأثرت الشاعرة بالراحل حافظ الشيرازي، كما يقول الشاعر والأديب الإيراني "نادر كريميان سردشتي".

وأوضح سردشتي في حديثه لـ"إرم نيوز" "لدينا أهم 3 شاعرات فارسيات، إحداهن ربيعة بلخي، والثانية ماهيستي جانجوي، وجهان ملك خاتون".

وأضاف: "هذه السيدة من الشعراء المجهولين للأسف، وفي الواقع، إحدى مشاكل الدراسات الإيرانية تتعلق بالنساء، وليس فقط جهان ملك خاتون، بل العديد من المشاهير الآخرين الذين لدينا أكثر من 400 شخص في القائمة، لم ننتبه إليهم على الإطلاق، ويجب علينا القيام بمهمة التعرف على هؤلاء المشاهير، وخلق بصيص أمل لدى جيل الشباب".

وأشار إلى أن جهان مالك خاتون هي الابنة الوحيدة لمسعود شاه إنجو، وقال: آل إنجو كانت من العائلات ذات النفوذ في الدول الفارسية التي حكمت شيراز، وأدارت بلاط السلطان.

ولفت إلى أنه، وفقًا للتحقيق التاريخي، فإن الشاعرة خاتون كانت لها مناظرات ونقاشات أدبية مع عبيد زكاني الشاعر، والأديب الإيراني في عصرها.

"ليس لها نظير"

وفي سياق متصل، أشار الباحث الأدبي إلى أن خاتون معاصرة لحافظ شيرازي وعبيد زكاني، وقال: إن هذه السيدة الشاعرة كان لها مناظرة ونقاش مع عبيد زكاني، وهو ما ذكره عبيد زكاني نفسه في كتبه.

وذكر أن خاتون تأثرت بأربع شخصيات من الناحية الأدبية وقال: وقد تأثرت كثيرًا بسعدي، ومن بين الشعراء اللاحقين، كان لخاجوفي كرماني، وسلمان ساوجي، وحافظ الأثر الأكبر في شعر خاتون، وبما أن حافظ كان معاصرًا لها، وكتب قصائد بثقل وقافية على غرار سعدي، وهذا يدل على أن هذه السيدة الشاعرة كانت على علاقة بأفضل شعراء عصرها، وتعلمت منهم.

وعما تركته الراحلة، يقول: "بصراحة، هذه الشخصية فريدة من نوعها في تاريخ الأدب الإيراني؛ لأنه ليس لدينا نظير لها بهذا الكم من الأعمال في التاريخ الأدبي، وقد بقي من أشعارها أكثر من 15 ألف بيت، وبعض أبياتها متناثرة في مخطوطات (حروب أدبية، تذكرة، ومعاجم) ينبغي جمعها.

وعن اهتمام الشاعرة بالغزل، قال: "كتبت خاتون 1413 قصيدة غزلية، أي 3 أضعاف غزليات حافظ شيرازي، وللإنصاف فإن غزلياتها في قمة الفصاحة والبلاغة".

قبرها ونسبها إلى الأئمة

تقول السلطات الإيرانية، إن نسبة السيدة جهان ملك خاتون يعود إلى الإمام موسى الكاظم سابع الأئمة لدى الطائفة الشيعية المدفون في بغداد العام 799 م.

ويقول "ميثم همتي" رئيس دائرة الأوقاف في محافظة كرمنشاه في تصريحات سابقة، إنه ""بحسب علماء الأنساب، فإن السيدة خاتون يعود نسبها إلى الإمام الكاظم".

وأضاف همتي عن الشخص المدفون في المقبرة الموجودة في مدينة سنقر بمحافظة كرمنشاه: "لا يوجد تقرير موثق أو حتى كلمة صريحة من علماء الأنساب والمؤرخين، على أنها السيدة خاتون، لكن هناك معلومات وأخبارًا متداولة بين الناس في سقز على أنها السيدة خاتون".

وأشار: "يقع مرقد السيدة خاتون في الجانب الغربي من قرية بافوله الكبيرة، على مسافة 15 كيلومترًا من طريق سنقر إلى مدينة همدان، ويطلق سكان قرية بافوله أيضًا على هذا المرقد بأنه للسيدة خاتون، ولديهم إيمان كبير بها ويأتون لزيارتها".

وأضاف همتي: "في الماضي كان مبنى الضريح عبارة عن غرفة بسيطة جدًا بأبعاد 7 × 5 أمتار، وتم تجديدها من قبل الإدارة العامة للأوقاف والشؤون الخيرية لمحافظة كرمانشاه".