يستعد المغاربة بمختلف فئاتهم لشهر رمضان الفضيل وفق طقوس وعادات توارثتها الأجيال، رغم مظاهر الحداثة والانفتاح التي ضغطت على بنية المجتمع.
وفضلاً عن الاهتمام بالجانب الروحي والعبادة، يتشبث المغاربة خلال هذا الشهر بتقاليد تخص المأكل واللباس، إذ يعد الزي التقليدي من تفاصيل رمضان بالمملكة، بينما تحل أطباق تقليدية شهية ضيفة شرفية على موائد الإفطار والسحور.
وعادة مع حلول الشهر الفضيل والذي يلقبه المغاربة بـ"سيدنا رمضان"، تشهد الأسواق المغربية حركة نشطة، كما تسجل محلات العطارة توافد أعداد كبيرة من الأسر لاقتناء المواد الخاصة بإعداد الوجبات التقليدية الرمضانية من قبيل: "سلو"، و"سفوف" و"شباكية" و"كريوش" وغيرها.
ورصد موقع "إرم نيوز"، إقبالاً منقطع النظير على سوق "درب السلطان" الشهير بمدينة الدار البيضاء، والذي يضم محلات العطارة و"الإكسسوارات" الرمضانية، وأسواق التمور، بالإضافة إلى محلات لبيع الملابس التقليدية وعلى رأسها القفطان والجلباب.
طقوس متوارثة
وتقول رحمة وهي سيدة مغربية خمسينية إن طقوس الاستعداد لشهر رمضان تبدأ ببلادها في منتصف شهر شعبان؛ وذلك من خلال تنظيف البيوت بشكل عميق، واقتناء أوان تقليدية جديدة، وبعدها تبدأ مرحلة اقتناء حاجيات المطبخ لإعداد ما لذ وطاب من الأكلات.
وأضافت رحمة لـ "إرم نيوز"، أنها نشأت على هذه التقاليد والتي وصفتها بـ"المتفردة"، مشيرة إلى أنها تحرص على تعليم أبنائها العادات ذاتها لتفادي اندثارها.
وأردفت: "المساجد والمصليات وأماكن العبادة تشهد بدورها عمليات واسعة من التنظيف والإصلاح؛ استعدادًا لقدوم سيدنا رمضان"، مؤكدة أن "الشهر الفضيل في المغرب يمزج بين الديني والروحي والثقافي".
وتتشابه العادات التي تعتمدها رحمة في استقبالها لشهر الصيام مع عادات باقي الأسر المغربية، والتي تكون ممزوجة بمظاهر الفرح والكرم.
من جهتهم، ينشغل تجار الأسواق خلال هذه الفترة بطلبات الزبائن.
وقال أحمد نوح، وهو تاجر بالتقسيط، في حديثه لـ "إرم نيوز"، إن "شهر رمضان له ميزة خاصة، فالإضافة إلى الأجواء الروحانية التي تغلب عليه، يكثر الرواج التجاري، ويزداد إقبال المواطنين على اقتناء التوابل والفواكه الجافة والتمور وبعض المكونات التي تدخل في إعداد أكلات تميز المائدة الرمضانية".
وتزدان الأسواق المغربية في هذه الفترة أيضًا بالأزياء التقليدية، إذ يجتهد أصحاب المحلات في تنويع عروضهم من "الجلباب" و"القفطان" و"الغندورة" "والجبادور" و"السلهام" وغيرها.
وتظل هذه الملابس والتي تتناغم مع روحانية شهر الصيام في واجهة المحلات إلى ما بعد عيد الفطر.
سر تعلق المغاربة بطقوس رمضان
يقول أستاذ علم الاجتماع، علي شعباني إن "المغاربة لهم ثقافة ضاربة في التاريخ، ومن الطبيعي جدًّا ألا يفرطوا في طقوس الاستعداد لشهر الصيام".
وأضاف شعباني في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن أفراد المجتمع المغربي "يتشبثون بالعمق الثقافي والحضاري والديني لبلادهم، إذ لا يمكن لهم أن يفوّتوا مثل هذه المناسبات دون إحيائها بكل تفاصيلها وطقوسها".
وأردف أن هذه الطقوس "ظلت صامدة وستظل على هذه الحال"، مشيرًا إلى أن رمضان بالمغرب له "أكلات خاصة، حيث تحرص كل ربات البيوت على إعدادها في جو حميمي، وهذا ما يفسر الإقبال اللافت على المحلات التجارية والعطارة خلال هذه الأيام".
ورأى الخبير الاجتماعي، أن استعداد المغاربة لشهر الصيام لا يقف عند الأمور المرتبطة باللباس التقليدي والأكل، بل إن الجانب التعبدي حاضر بقوة.
وزاد شعباني "قبيل حلول رمضان، تشهد مختلف المساجد إقبالًا لافتًا من طرف المصلين، والذي يستمر طيلة هذا الشهر".
ولفت إلى أن "عمليات الإحسان والصدقات، وموائد الرحمان، تصبح بدورها من المشاهد الرئيسة في الشوارع المغربية خلال رمضان".
وأبرز أن "عقلية المواطن المغربي تتمثل في أنه لا يفرط في دنياه، ولكن في الوقت ذاته يتشبث بإحياء المناسبات الدينية بشكل دقيق، وهذا ما يبرز تعلق فئات المجتمع مهما اختلفت مكانتهم بشهر رمضان الفضيل".