يواجه نظام العدالة في المملكة المتحدة أزمة، إذ يستغل المجرمون التأخير المعوق للمحاكمة، باستخدام طلبات التأجيل المتكررة واستغلال الثغرات القانونية، لتعطيل العملية القضائية والتهرب من المساءلة، وفق بيانات حصرية حصلت عليها صحيفة "الإندبندنت".
وتشير الأرقام إلى ارتفاع كبير في القضايا التي تنتظر المحاكم لأعوام طويلة، مع اختيار المجرمين بشكل متزايد تكريس جهودهم في رفض التهم الموجهة إليهم، والإصرار على براءتهم بدلًا من الاعتراف وقبول العقوبة.
وتكشف البيانات عن زيادة مذهلة في القضايا التي تنتظر الأحكام منذ أكثر من ثلاثة أعوام، حيث تجاوزت 1280 قضية حتى يونيو/حزيران الماضي؛ ما يمثل ارتفاعًا بمقدار سبعة أضعاف منذ عام 2019.
وفي الوقت نفسه، انخفضت نسبة الاعترافات المبكرة بالذنب بشكل حاد بما يقرب من النصف على مدى أربعة أعوام؛ ما يشير إلى وجود توجه مقلق يَظهر لدى المشتبه فيهم الذين يحاولون تجنب الإدانة من خلال تكتيكات التأخير.
ويتحمل ضحايا الجرائم الخطيرة، خاصة الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وطأة هذا التأخير، مع وجود عدد قياسي من قضايا الاغتصاب (134 من أصل 5776 محاكمة) تنتظر الحل لأكثر من عامين حتى سبتمبر/أيلول الماضي.
ووفق الصحيفة، تؤدي مثل هذه التأخيرات المطولة إلى تفاقم الصدمة لدى الضحايا، الذين يضطرون إلى تحمل الإجراءات القانونية المطولة.
وبحسب الصحيفة، أعرب رئيس مجلس نقابة المحامين البريطانيين، سام تاوند، عن قلقه بشأن انخفاض اعتراف المجرمين بالذنب، محذرًا من احتمال انهيار ثقة الجمهور في نظام العدالة.
ويعزو تاوند هذا الاتجاه إلى إدراك المجرمين بأن تأخير المحاكمات قد يؤدي إلى تأجيل قضاياهم إلى أجل غير مسمى؛ ما يؤدي إلى خيبة أمل الضحايا والشهود في هذه العملية.
وحددت رئيسة نظام المحاكم العليا في المملكة المتحدة الانخفاض في الاعتراف بالذنب باعتباره مساهمًا كبيرًا في تراكم القضايا، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه قد يشكل حلقة مفرغة، إذ يدفع التأخير المزيد من المتهمين إلى المطالبة بالبراءة، وبالتالي تفاقم القضايا المتراكمة، وفق الصحيفة.
في المقابل، تمتد تداعيات هذا التأخير إلى ما هو أبعد من قاعة المحكمة، إذ قد تسهم في تفاقم اكتظاظ السجون، نتيجة زيادة عدد المتهمين الموقوفين، وانخفاض معدل الإفراج المؤقت، على حد تعبير الصحيفة.
وقالت إن التأخير في المحاكمات قد يؤدي إلى زيادة مدة العقوبات التي تُفرض على المتهمين في حال إدانتهم.
وحذَّر رئيس جمعية ضباط السجون، ستيف جيلان، من الضغط على السجون والتأثير على موظفيها، الذين يتصارعون مع زيادة حوادث الاعتداءات وإيذاء النفس والانتحار، وفق تقرير الصحيفة.
وأكدت أن وزارة العدل البريطانية اعترفت بخطورة الوضع، مؤكدة بذل الجهود لمعالجة تراكم القضايا في المحاكم، بما في ذلك التدابير الرامية إلى زيادة القدرات القضائية وموارد المحاكم.
ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف بشأن التأثير الدائم للتأخير المطوّل على الضحايا والمشتبه فيهم ونزاهة النظام القضائي، وفق الصحيفة.