التداوي بالأعشاب.. تقليد تونسي عريق ينافس الطب الحديث
التداوي بالأعشاب.. تقليد تونسي عريق ينافس الطب الحديثالتداوي بالأعشاب.. تقليد تونسي عريق ينافس الطب الحديث

التداوي بالأعشاب.. تقليد تونسي عريق ينافس الطب الحديث

تونس - ضارب في القِدم، ويقع في زقاق ضيق يتفرع من أسواق مدينة "العربي" العتيقة بالعاصمة التونسية، تنبعث منه روائح الأعشاب والمستخلصات الطبيعية والجبليّة، والعقاقير المتنوّعة، إنه سوق "البلاط"الذييعتبر أشهر مكان تباع فيه "الأعشاب الطبّية" التي تنمو في غابات البلاد وجبالها، ويرتاده الناس بمختلف مهنهم وأعمارهم وأصولهم.

ولا يقصد أحد دكاكين السوق إلا ووجد ضالته، بحسب روايات الباعة هناك، فإمّا أن يبتاع عشبة يتداوى بها، أو يستعين بإحدى الخلطات التّي توصف له حتّى يتبعها، عله يجد فيها علاجاً لمرضه، فيما يخفي السوق أسراراً وخبايا عديدة، ولكل بائع وفي كل دكان قصّة وحكاية.

ففي أحد الدّكاكين التّي اكتظت فيها أنواع مختلفة من الأعشاب، منها ما هو معلّق على الجدران، ومنها حشائش أخرى رصّت في مدخل الدّكان، وتوزعت فيها عقاقير ومستخلصات نباتات جبلية وطبيعية.

ويقول البائع توفيق بن يعقوب، حول تجاربه وخبراته في السوق التي عمل فيها طيلة سنوات عمره، إن ذاكرته تختزن وصفات عشبية عديدة، وتستحضر أدوية لروّاده، كل حسب مرضه، وفقاً للاناضول.

ويضيف بن يعقوب، أن تسمية سوق البلاط كانت نسبة لمكان يقع خلفها، كان معروفاً بصنع الرخام وتبليطه، ويعود تاريخه إلى عهد الحفصيين (627 – 982هـ |1228 – 1573 م)، وقدم إليه الحكماء بكتبهم ومراجعهم واقتنوا منه الأعشاب والأدوية.

ويتابع أنّ هناك طلبات كبيرة على ما يقدّمه السوق من أعشاب، وأنّ أغلب المقبلين على ما يصطلح عليه بالطّب البديل، هم من أصحاب الأمراض المزمنة، كون الأدوية التّي يشترونها من الصّيدليات مركبة من كميّات كبيرة من المَواد الكيميائية.

وبحسب البائع فإّن السوق تحتوي أدوية تساعد على معالجة الأمراض النفسيّة والباطنية والجلدية وحتّى الأمراض المزمنة والمستعصية، ويوجد في تونس –على حدّ قوله - أكثر من 3 آلاف نوع من النباتات الطبيعية، ذكر منها "الريحان، والبسباس الهندي، والذرو، وأم الجلاجل، وأم الروبيا، والشيح، والحدش، والدغفت، والسدر، وغيرها".

أمّا شوقي الفورتي، فهو أيضاً بائع وصاحب دكان منذ 37 عاماً، ورثها "أبا عن جدّ"، فيرى أنّ السوق موروث اقتصادي واجتماعي، دخل في عادات التونسيين وتقاليدهم، وهو ما يفسّر إقبالهم الكبير عليها، لأن التكلفة أقل، والنجاعة والعلاج أكبر وأسرع، سيما وأن كل المواد المستعملة في الأدوية، طبيعية وخالية من أي تركيبات كيميائية.

وعلى الرّغم من انتشار التداوي بالأعشاب ومستخلصاتها في تونس بأساليب وطرق تقليدية وبدائيّة، إلاّ أن الطبّ البديل كتخصص علمي ما يزال في بداياته هناك، ولم يلق إلى اليوم حظّه على غرار الطّب التقليدي.

ويقول طّبيب التداوي بالأعشاب، محمد جعيط، المختص منذ 20 عام، إن هناك إقبال كبير على الطب البديل، خاصّة وأن الأدوية الكيميائية التي تعطى لمن يحملون أمراضا مزمنة من شأنها أن تخلف آثاراً جانبيّة، وهو ما يجعل المريض يتخلّى عنها تدريجيا ليقبل على هذا النوع من العلاج.

ويتابع: "كل من يجرب هذا الدواء، يكتشف في الوقت نفسه أن آثار العشبة على الجسم أفضل بكثير من الطب الكيميائي، فهو يجد نفسه أكثر نشاطاً، بينما الأدوية الكيميائية لها تأثير سلبي على الجسم، لا سيما في الكبد التي تفقد نشاطها بمفعوله".

وبحسب المختص جعيط فإنّ هذا التخصص لم يعمّم بعد في الجامعة التّونسيّة، بل هو حديث أصبح يدرّس في كلية الصيدلة بالمنستير منذ سنة، مشيراً إلى أنه يوجد في تونس إلى جانبه طبيبة واحدة فقط، مختصة بهذا المجال.

وعن الأعشاب الموجودة في سوق البلاط، يرى جعيط أنها مهما كانت طبيعتها فليس لها آثار جانبية ومخلفات سلبية على الجسم، وحتى لو لم تؤدّ إلى نتيجة مثلى يرغب فيها المريض، فهي لن تضره، خاصّة وأن السوق لا يحتوي على أعشاب مسمومة".

ويستدرك قائلاً: "ولكن أعشاب سوق "البلاط" أقل تكلفة من صيدليات الأعشاب، وهي تعالج العوارض فقط، وهي غير مقننة وقد تحمل أوساخاً أو جراثيم أو فطريات، وهنا يكمن الخطر، على عكس التخصص الذّي يتعامل مع أعشاب مصدرها المختبرات، إما من الخارج أو تلك التّي تصنّع في تونس وتتماشى مع معايير النظافة والصّحة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com