مكتبة عربية
مكتبة عربيةمتداولة

نقاد: بلاغة "ديوان العرب" تتحول خواطر ركيكة في "السوشيال ميديا"

قبائل كاملة من الشعراء يتجولون على وسائل التواصل الاجتماعي، وأيديهم ملطخة بدماء اللغة وانتهاكات "ديوان العرب"، تساندهم محاباة النقد أحياناً، وتسويق بعض المنابر، وتهليلات الجمهور "المعجب"، من دون أن يقرأ، أو القارئ بذائقة مصابة بالخراب.

ويستفيد معظم شعراء السوشيال ميديا من التطورات السمعية والبصرية، وتميل كتاباتهم إلى الشكوى والمعاناة الشخصية من فراق الحبيب، ليحصل القارئ على كمّ كبير من "الخواطر" الخارجة على قواعد الشعر الموزون والنثري.

رؤية قاتمة

لا يتفق الشاعر صقر عليشي مع هذه الرؤية، ويسميها قاتمة، ويقول لـ"إرم نيوز": "الشعر في أحسن حالاته، ولم يكن يوماً أجمل حضوراً ولا أرقى بياناً وصورة، ولا يجب أن نبني رأينا على ما يُنشر في صفحات السوشيال ميديا؛ لأنها كتابات قراء للشعر وليس شعراء".

ويرى عليشي أن عدد الشعراء المتميزين قليل تاريخياً، يقابلهم "مستشعرون" كثر لا يتركون أثراً في المشهد، مضيفًا: "تغيّر الشعر مضموناً وشكلاً، وهذا لصالحه".

ويُبين أنه "لم تغب القضايا الكبيرة عنه، رغم أن غيابها ليس عيباً، وكان العيب سابقاً في حضور القضايا الكبيرة في شعر متواضع. كم من الأطنان كُتبت عن فلسطين، ولم ينفعها الحماس في الاستمرار، ولا نرى اليوم لها أثراً".

أخطاء لغوية

وتحدث الروائي خليل صويلح، على صفحته الشخصية في "الفيسبوك"، عن الأخطاء اللغوية التي تملأ النصوص ووسائل الإعلام.

وقال: "شخصياً، أشعر باليتم لفرط ما أصاب اللغة العربية من كسور في عمودها الفقري، بالإضافة إلى عسر هضم في الأمعاء، هناك أيضاً، المشية العرجاء في شوارع لغات العالم، لغة هجينة فقدت لياقتها في الكتابة وعلى الشاشات وميكروفونات الإذاعات".

وأضاف صويلح: "تكتمل الكارثة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر قصائد شعراء الفيسبوك، وكيف تنزلق الياء إلى مؤخرة كلمة (أنتِ) من دون وجل أو شبهة، وكيف تتحوّل عبارة (طمس الحقائق) إلى (طمث الحقائق) والأمثلة كثيرة".

أخبار ذات صلة
العمانية عائشة السيفي أول امرأة تفوز بلقب "أمير الشعراء".. من هي؟

ومضى قائلًا: "إذا عدنا إلى أجدادنا النقاد، الذين يؤكدون أن الشعر في أحد جوانبه صنعة تتطلب مهارة فائقة، فهل يمكن أن تُحدث كتابات أصحاب الأخطاء اللغوية انعطافات في النص الشعري العربي؟".

فيما يقول الشاعر فاتح كلثوم لـ"إرم نيوز": "المشكلة ليست بالشعر ولا بالمتلقي، بل بالفوضى اللغوية التي تتصاعد باستمرار لتصل إلى مرحلة اللغو، حتى إنه لغو بغيض يخدش الحساسية لدى المتلقي، فينفر ويصبح عدواً لهذا الذي يسمونه شعراً".

ويرى الشاعر عليشي أن الانتحاب أمام الحبيبة ليس مقياساً للرداءة أو الجودة، فالرهان على النص وكيفية تناوله للموضوع، مضيفًا: "عندما كتب بودلير قصيدة "الحديقة" كانت القصيدة خالدة وعميقة؛ لأنها كُتبت بموهبة كبيرة وفنية عالية. ويمكن الاستشهاد بالكثير من هذا النوع".

ويؤكد عليشي أن هناك الكثير من كتابات الشعراء العرب الشباب المتميزة، مضيفًا: "أقرأ لكثير من الشبان في مقتبل العمر يكتبون أجمل الأشعار، ولا أقصد حالة معينة إنما أشير إلى كثرة، وهو ما يطمئن إلى أن شعلة الشعر خالدة لن تنطفىء".

جذام لغوي!

ويسمي الروائي خليل صويلح ما يجري بالجذام اللغوي، مضيفًا: "العربية تذوب خجلاً، حين يصعد خطيبُ ما، أو زعيم سياسي، أو شاعرة مستجدّة، إلى المنبر، ثم يحوّل لغة القمح إلى برسيم وشعير.. كتيبة الحمقى التي حذّر أمبرتو إيكو من طغيانها في اقتحام الفضاء العام للسوشيال ميديا ازدادت ضراوة في عملية تكسير الركب، فهؤلاء لم يعودوا ضيوفاً عابرين، إنما احتلوا صدر البيت".

ويرجّح الشاعر فاتح كلثوم ظهور مواهب شعرية إبداعية في المستقبل ترافق تطور العصر، رغم وجود الكثير من اللغو المحيط بالشعر الإبداعي، مضيفًا: "قد نرى في المستقبل نماذج جديدة من الشعر الإبداعي، في زمن الذكاء الصناعي، نبغضها أو نحبها، لكن ما هي سوى حالة تجدد ليتابع الشعر مهامه التي وجد من أجلها".

ويرى كلثوم أن أصحاب الموهبة الحقيقية هم القادرون على صنع الانعطافات في الشعر العربي وإعادته إلى مكانته الخالدة، بغض النظر عن العصر وتبدل الأساليب.

أخبار ذات صلة
خيران الزهراني يفتتح حفل أوبرا في كنيسة إيطالية شهيرة ببيت شعر لحسان بن ثابت

ويضيف: "نراهن على المواهب التي تمتلك جرأة المغامرة في خلق قصيدة تناسب التطورات المعاصرة، وهذا يتطلب من الموهوب امتلاك مشروع إبداعي يستند إلى ثقافة متينة لتكون قصيدته كائناً حياً قادراً على خلق حوار حضاري مع المجتمع. الشعر لن يموت، بل من سيموت هم أصحاب اللغو".

لكن المشهد يبدو أكثر تشاؤماً فيما يكتبه الروائي خليل صويلح عن "كتيبة الحمقى" الذين استولوا على المشهد، إذ يقول: "هناك ما يشبه جيلاً جديداً من اللافقاريات ينمو في مستنقعات الكتابة.. سلالة من الدهماء زحفت في وضح النهار إلى الواجهة للتشويش على البثّ، وصنع مانشيتات اللحظة وفقاً لذائقة تقع في أسفل السلّم".

ويبدو "ديوان العرب" أمام تحديات لغوية وأسلوبية كثيرة، لا يمكن التنبؤ بتأثيراتها على مستقبل القصيدة وكيفية تعاملها مع التطورات التكنولوجية والعولمة وانحسار الخصوصيات المحلية. مشهد يقول النقاد إنه مفتوح على جميع الاحتمالات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com