الموسيقار حسن عريبي – حفل باريس
الموسيقار حسن عريبي – حفل باريسأ ف ب

المالوف الليبي.. فن معتّق تعملق به حسن عريبي

تترافق المناسبات الإسلامية في ليبيا، أعيادا وموالد ورمضانات بالأفانين الصوفية، وفي مقدمتها نوبات المالوف الذي تشتهر بها طرابلس خاصة، فالطرابلسيون كما يصفهم الذوّاقون مجتمع يتنفّس المالوف، لارتباطه بأفراحهم، خاصة فيما تُعرف بـ"تدريجة" العريس.

وعند الحديث عن هذا الفن المطرز بجميل الكلمات وعذب الألحان، يبرز اسم الموسيقار الكبير حسن عريبي، الذي غدا علامة فارقة وعنوانا أبرز لهذا الفن الراقي، بما أضفى عليه من إضافات اقترنت باسمه، حتى صار علمًا عليه.

من تونس البداية

بدأ الشاب الطرابلسي المولع بفن الآباء طريقه في هذا الفضاء الرحب بعزيمة وصبر، فقد انتقل في ريعان شبابه إلى تونس، ليصقل موهبته على أيادي عمالقة موسيقيي معهد الموسيقى العربية من أمثال صالح المهدي، الملقب بزرياب، الذي صنعه على عينه، فكان له خير خلف.

شقّ الشيخ حسن كما يسمّيه الطرابلسيون طريق الشهرة متسلّحا بالعلم، سالكا دروب التجديد في فنّ نوباتِ المالوف والموشحات الأندلسية المتوارثة، فغيّر النمط السائد الذي يعتمد غالبًا آلات النفخ والإيقاع، وأدخل الآلات الموسيقية الوتريّة وغيرها، التي أضفت على القصائد الأندلسية مسحة فائقة الجمال، وليتبوأ بعد سنوات ريادة هذا الفن على المستوى المغاربي، والعربي في آن.

أخبار ذات صلة
أعرق مساجد السودان.. بلا أذان ولا مصلين في رمضان

صقلت سنوات عريبي التي قضاها في البحث والاستقصاء شخصية علمية، جمعت بين الفهم العميق لفن الموشحات، والعناية بالتراث الأندلسي والإنساني، فكان بحق مكتبة زاخرة بشتى العلوم، وكان أقرب إلى الموسوعية منه إلى الاختصاص.

يتجلّى ذلك في لقاءاته المتعددة التي أثرى بها الثقافة العربية بمخزون معرفي كبير، وتمهيده خلال حفلاته العامة والخاصة لكل مقطوعة يقدمها بما ينم عن تمكّنه من هذا الفن الأصيل، بمقاماته، ورجالاته، وشعرائه، وهو ما لم يتأتّ لغيره من الموسيقيين.

الموسيقار حسن عريبي – حفل باريس
الموسيقار حسن عريبي – حفل باريسأ ف ب

دار الأوبرا في باريس

ففي الحفلة الباذخة التي أحياها الموسيقار عريبي في باريس سنة 2006، وقبل أن تبدأ فرقته الثلاثينية في عزف قصيدة "المنفرجة"، للشاعر يوسف بن محمد التلمساني المعروف بابن النحوي، وصف الشيخ حسن القصيدة بأنها من عيون الأدب العربي، وقال: "ما قرأها قارئ وهو في ضائقة إلا وفرّج الله عنه".

تخطّت شهرة الشيخ حسن حدود الوطن ليبيا، لينطلق مع فرقته ذائعة الصيت شرقا وغربا وشمالا، محييا في عدد من الدول العربية والأوروبية، حفلات بقيت خالدة في تاريخ الموسيقى العربية الأصيلة، وشاهدة على حفاوة كبيرة به أينما حل.

مراحل الرحلة

رحلة الشيخ حسن المديدة مع فن المالوف والموشحات التي نيّفت عن ستين عاما، مرت، بحسب النقاد، بمرحلتين اثنتين، شكّلتا معا شخصيته الفنية. تميّزت أولاهما بإشراف الموسيقار الراحل على فرقة المالوف والموشحات التابعة للإذاعة الليبية، وفق موقع "أصوات مغاربية"، نقلا عن الباحث الليبي عبد الستار بشيه.

ويقول بشيه، إن عريبي تألق في هذه الفترة في أداء مجموعة من قصائد الموشحات التي ظلّ بعضها حبيس الكتب لسنوات، وتميّز في غنائها وفي إعادة الحياة إليها.

ومن بين تلك الموشحات والوصلات: "المنفرجة"، و"طرّز الرحيان"، و"يا فريد العصر"، و"فيك كل ما أرى حسن"، و"يا لؤلؤا"، و"باسم عن لآل"، وتميّز عريبي في أداء وتلحين بعضها بأكثر من لحن ومقام.

أما المرحلة الثانية، فقد تميزت عن الأولى بـ"النضج التلحيني"، حيث تألق فيها الراحل بتقديم عدد من قصائد الموشحات على غرار "سل في الظلام"، و"طالع الأفراح"، و"يا خلي البال"، و"دولة الإسعاد"، واختلفت هذه القصائد عن غيرها بقدرة الموسيقار على استخدام مقامات موسيقية مختلفة، وبطريقة معالجة نصوصها.

تألق قاد عريبي إلى إحياء عدد من الحفلات في عدد من العواصم العربية والمغاربية، كما مثّل ليبيا في مهرجانات في أوروبا وآسيا، ما جعل بعض النقاد يصفه بـ"سفير" الفن الليبي. وفق الموقع ذاته.

النشأة والانطلاق

وُلد حسن علي مختار عريبي في مدينة طرابلس عام 1933، وتدرّج فيها في تعليمه الأوّلي بدءا من الزوايا والكتاتيب القرآنية، ثم التحق بالتعليم الرسمي.

كان عريبي شغوفا بالموسيقى وخاصة فن المالوف الذي عرفته ليبيا منذ القرن الثامن عشر، فقرّر شدّ الرحال إلى تونس لدراسة هذا الفن على رجالاته الكبار.

عُين عريبي عام 1957، مستشارا فنيا في الإذاعة الليبية في بنغازي، وقدّم في تلك الفترة العديد من الألحان لعدد من أبرز المطربين الليبيين والعرب.

انتقل في عام 1964 إلى إذاعة طرابلس وأسس فيها "فرقة المالوف والموشحات"، التي قدم من خلالها أهم أعماله الخالدة.

يعدّ عريبي واحدا من مؤسسي المجمع العربي للموسيقى عام 1971، الذي ضمّ كبار الموسيقيين العرب، وتقلّد رئاسته في فترة من الفترات، كما عُين رئيسًا لمؤتمر الموسيقى العربية، ولعدد من المهرجات المحليّة في ليبيا.

نال حسن عريبي عديد الأوسمة وشهادات التقدير، كما كان أول نقيب لنقابة الفنانين في ليبيا بُعيد إنشائها عام 1974.

حفلات خارجية

جاب الموسيقار حسن عريبي مع "فرقة المالوف والموشحات والألحان العربية" أرجاء العالم، وأحيا في ليال خالدة كثيرا من الحفلات التي تابعها مفكرون، وأدباء، وجمهور شغوف بالتراث الأندلسي، وأهمها:

دورات مهرجان تستور الدولي للمالوف والموسيقى التقليدية في تونس، عبر أربعين مشاركة بين رسمية وشرفية بدءا من سنة 1967.

احتفالات كازينو البيكاديلي في بيروت، لبنان 1983.

مهرجانات الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية في القاهرة 1991، و1995، و1998، و2003.

حفل قصر التازي في مدينة فاس، المغرب 1994.

الأسبوع الثقافي الليبي الإيطالي 1995 - 1998.

الأسبوع الثقافي الليبي القطري 1996.

احتفالات العيد الوطني غامبيا 1997.

الأسبوع الثقافي الليبي المصري 1998 - 2002.

مهرجان القرين الثقافي في الكويت 2002.

مهرجان المالوف والموسيقى الأندلسية والعتيقة في الجزائر 2008، و2010.

حفل دار الأوبرا في باريس 2006.

أعمال خالدة

زخرت المسيرة الفنية المتطاولة للموسيقار حسن وفرقته المتألقة بكثير من الأعمال التي اكتسبت الديمومة والخلود، وتنوّعت بين نوبات مالوف، وقصائد، وابتهالات، ومن أهمها:

نوبة مالوف "يا حادي العيس"

نوبة "نعس الحبيب"

نوبة "ناح الحمام المطوّق"

قصيدة "المنفرجة" لابن النحوي

قصيدة "الوصايا" لابن الوردي

ابتهال "طرقت باب الرجا والناس قد رقدوا"

ابتهال "يا من خلقت الورى من ظلمة العدم"

وتوفي الموسيقار حسن عريبي في الـ18 من أبريل 2009 إثر أزمة قلبية، ووُسِّد ثرى معشوقته طرابلس في اليوم التالي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com