"ابنة النيلين عطشى".. أزمة شح المياه تلقي بظلالها على الخرطوم في رمضان
"ابنة النيلين عطشى".. أزمة شح المياه تلقي بظلالها على الخرطوم في رمضان"ابنة النيلين عطشى".. أزمة شح المياه تلقي بظلالها على الخرطوم في رمضان

"ابنة النيلين عطشى".. أزمة شح المياه تلقي بظلالها على الخرطوم في رمضان

تقطع ابتسام إبراهيم مسافة 200 متر يوميا وهي تحمل "جردل" ماء في يدها، تجلبه من الحارة المجاورة لمنزلها في ضاحية صالحة جنوب مدينة أم درمان بالعاصمة السودانية، إذ تعاني هذه المنطقة من انقطاع مستمر للمياه منذ بداية شهر رمضان.

ابتسام هي واحدة من عشرات النسوة والرجال والأطفال تجدهم مساء كل يوم وعقب الإفطار مباشرة يقطعون هذه المسافة ذهابا وإيابا، لجلب المياه من الحارة المجاورة بعد أن يخرج لهم سكانها "خراطيم" المياه خارج المنازل.

تقول ابتسام لـ"إرم نيوز"، إن المياه ظلت مقطوعة عن منزلها منذ نحو ثلاثة أسابيع، ولا تعرف ما السبب، في وقت تزداد فيه الحاجة للمياه خلال شهر رمضان مع ارتفاع درجات الحرارة هذه الأيام.

وأضافت أن "جلب المياه من الحارة المجاورة أرهقها وتسبب لها في تمزق عضلي لكنها مضطرة لتحمل هذا الإرهاق؛ لأن الخيار الآخر هو أن تشتري برميل المياه من أصحاب عربة الكارو بمبلغ 5000 آلاف جنيه حوالي (9 دولارات)، ومع ذلك لا يكفي لاستهلاك اليوم".

وليست مناطق "صالحة وجادين" وحدها التي تعاني انقطاع المياه فهنالك مناطق متعددة في العاصمة السودانية بمدنها الثلاث: "الخرطوم، أم درمان، بحري" تشهد هذه الأيام انقطاعات متذبذبة في المياه؛ مما يفاقم معاناة المواطنين خلال شهر الصوم.

وشكا مواطنون تحدثوا لـ"إرم نيوز" من معاناتهم المستمرة مع انعدام المياه منذ بداية شهر رمضان، مبدين حيرتهم مما يحصل، فلا يعرفون لماذا تقطع المياه ومتى تأتي".

وقال عاصم عبدالله الفكي، الذي يقطن في ضاحية الكلاكلة جنوب الخرطوم، إن الانقطاعات المتذبذبة في المياه، جعلت المنطقة تشهد حالة من الفوضى، حيث بدأ المواطنون توصيلات عشوائية من أنابيب شبكة المياه التي لم تشهد انقطاعا.

وأبدى الفكي سخطه حيال تزايد معاناة المواطنين في طلب الخدمات الضرورية، فبخلاف المياه يعاني سكان الخرطوم من تذبذب مستمر في التيار الكهربائي الذي يقطع مدة 6 ساعات مستمرة خلال اليوم.

نقص الإنتاج

يقول مدير الإدارة العامة للمصادر بهيئة مياه ولاية الخرطوم، عصام وداعة، إن هنالك فجوة كبيرة بين المنتج من المياه والحاجة للاستهلاك اليومي؛ وهو ما جعل مناطق كثيرة تخرج عن الخدمة خلال هذه الأيام.

وأوضح وداعة في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "سبب الأزمة يعود بالأساس لعدم تعامل السلطة السياسية في البلاد مع الملف بطريقة جدية، فمنذ سنوات لا توجد أي رؤية لتطوير خدمة المياه وليس هنالك اهتمام بها، فهي ليست من الأولويات لدى السلطة السياسية".

وأكد عدم إنشاء محطة جديدة للمياه بالعاصمة الخرطوم منذ أكثر من عشر سنوات، رغم تزايد الكثافة السكانية خلال هذه المدة، وزيادة نسبة الاستهلاك اليومي للمياه تبعا لذلك.

وأضاف: "الآن توجد 13 محطة مياه في العاصمة الخرطوم، ظلت تعمل منذ عام 2010، دون أن تضاف لها محطة جديدة رغم توسع نسبة الاستهلاك، وتعمل هذه المحطات بنسبة أكبر من طاقتها، ومع ذلك لا تغطي الحاجة للاستهلاك اليومي".

وأكد وداعة أن هذه المحطات الـ13، إضافة إلى الآبار الجوفية الداخلة في الخدمة، تنتج يوميا نحو اثنين مليون متر مكعب، بينما تستهلك الخرطوم يوميا نحو ثلاثة ملايين ونصف متر مكعب؛ ما يعني أن هنالك نحو "مليونا ونصف" متر مكعب، فجوة مفقودة بين الإنتاج والاستهلاك.

وشدد مدير المصادر بمياه الخرطوم، على ضرورة إنشاء محطات جديدة لسد العجز في مياه الشرب، مشيرا إلى أنه منذ 7 سنوات كانت هيئة المياه قد وضعت خطة لإنشاء 3 محطات جديدة وطرحت عطاءاتها وفازت شركات أبدت استعدادها لتشييدها، ولكن عجزت الحكومة عن استخراج ضمانات من البنك المركزي للشركات؛ مما جعل هذه المشروعات متوقفة حتى الآن.

وذكر أن هذه المحطات حال إنشائها فمن المتوقع أن تنتج مليون متر مكعب من المياه.

بين نيلين

وللمفارقة فإن العاصمة السودانية الخرطوم محاطة من ثلاثة اتجاهات بالأنهر العذبة، حيث ترقد بين النيلين "الأزرق والأبيض" قبل أن يلتقيا عند شمال المدينة ويشكلا نهرا واحدا يجري إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.

كما أن المنطقة تشهد نسبة هطول عالٍ للأمطار خلال فصل الخريف، حيث تتدفق لدرجة الفيضانات التي تخلف أضرارا كبيرة، دون الاستفادة من هذه المياه لاستغلالها وقت الحاجة.

ويفسر مدير المصادر بمياه الخرطوم تلك المفارقة بأنها "بسبب إهمال السلطة الحاكمة لملف المياه ووضعه على هامش الأولويات"، مشيرا إلى أن "الهيكل الإداري لهيئة المياه خاطئ، حيث تتبع الهيئة لوالي الخرطوم بينما الصحيح أن يكون مديرها بدرجة وزير مسؤولا عند رئيس مجلس الوزراء".

تحركات سيادية

وبعد أن تفاقمت أزمة المياه في العاصمة الخرطوم، بدأت تحركات عليا يقودها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، محمد حمدان حميدتي؛ لبحث المشكلة وإيجاد المعالجات اللازمة.

وعقدت لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة حميدتي قبل يومين اجتماعا مع كل من وزيري "المالية والطاقة والنفط" ووالي ولاية الخرطوم، ومدير الأمن الاقتصادي؛ لبحث التحديات والعقبات التي تعترض عمل هيئة مياه ولاية الخرطوم.

وأكد الاجتماع على "ضرورة توفير خدمات المياه لمواطني الولاية، وإيجاد الطرق المثلى والحلول الناجعة لحل أزمة المياه، حيث وجه بشراء الطلمبات الغاطسة لسد النقص وضمان انسياب المياه، بجانب التنسيق الكامل مع الإدارة العامة للكهرباء لضمان توفير التيار الكهربائي بصورة مستمرة لتشغيل الطلمبات".

وأوضح مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم، محمد علي العجب، في تصريح صحفي، أن "الاجتماع ناقش الحلول المقترحة لحل أزمة المياه، ووضع الخطط والبرامج الإسعافية المقترحة بما يضمن تنفيذها في وقت وجيز".

وأشار مدير عام هيئة مياه ولاية الخرطوم، إلى "الخطط متوسطة وطويلة المدى التي تم وضعها، والتي تتضمن الاستفادة من المحطات النيلية وجعلها محطات أساسية للمياه".

وطمأن العجب مواطني الولاية، بأنه ستكون هناك "معالجات سريعة وعاجلة لأزمة مياه الشُرب بالولاية، خلال الأيام القليلة المقبلة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com