لوحة تخيلية للفراهيدي
لوحة تخيلية للفراهيديمتداول

الفراهيدي.. إمام اللغة العربية الأكبر

لا يضير الخليل بن أحمد الفراهيدي، أنه ليس معروفاً في العصور التي أعقبت عصره عند كل متحدث بالعربية، رغم ما صنعه للعرب ولغتهم، إذ إنه في أوج عطائه كان زاهداً بالدنيا وأموالها وشهرتها رغم ما كان بإمكانه أن يحصده.

ولعل أكثر ما يعبر عن زهد الفراهيدي، وانهماكه بالعلم، هو الإشارة لكون عمرو أبو البشر المعروف بـ "سيبويه"، والذي يلقب بإمام النحويين أو النحاة، ويتردد اسمه حتى اليوم عند كل إشارة لقواعد اللغة العربية، كان تلميذاً للفراهيدي.

لا بل يروي تاريخ تلك الفترة أن كتاب سيبويه النحوي الشهير، يقوم على مبادئ ومواضيع استندت على نظائرها في مؤلفات الفراهيدي، إذ نقل سيبويه عن أستاذه 608 مرات في الكتاب، أي أكثر من أي مصدر آخر.

ويعتبر النحويون العرب، وكل المهتمين باللغة العربية وقواعدها وتاريخها، أن الفراهيدي وسيبويه، أقدم وأهم الشخصيات في التسجيل الرسمي لقواعد اللغة العربية.

أخبار ذات صلة
السيدة الحرة.. من هي حاكمة تطوان؟

ولد أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي، في بلدة "ودام" على ساحل الباطنة المطل على بحر عمان عام 100هجرية الموافقة 718 ميلادية، في زمن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وغادرت أسرته للإقامة في البصرة وهو صغير، فيما تقول رواية تاريخية أخرى إنه ولد بالبصرة.

أصبح الفراهيدي، أحد أبرز نحاة البصرة في العراق، فقد لمع اسمه وبرز ذكاؤه بعد أن درس القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وعلم اللغة على يد أبي عمرو بن العلاء مع أيوب السختياني وغيره من علماء اللغة في تلك الفترة.

وساعده على إنجاز الكثير من المؤلفات اللغوية، زهده في الدنيا، فقد كان يعيش في كوخ من القصب بالبصرة، رافضاً كل الهدايا والأموال التي كانت تعرض عليه من أهل العلم والجاه والسلطة في ذلك الزمان، ومعتمداً على حديقة صغيرة ورثها عن والده تكفيه حاجته من الضروريات.

ورأى الفراهيدي أن اللغة العربية هي عادات التحدث الفطرية الطبيعية للبدو، وهي المحدد النهائي للغة، واعتبر "لا" الحرف رقم 29 بالأبجدية العربية.

أول معجم في اللغة العربية

ويعد كتابه "معجم العين"، أول معجم في العربية، وقد فكر فيه الخليل بن أحمد، وطلب من تلميذه الليث بن المظفر الكناني أن يكتبه عنه، وقد رتب فيه الكلمات على مخارج الحروف، بادئا بحرف العين الذي سمي به.

ومن مؤلفاته كتاب "المنظومة النحوية" وهي منظومة تضم 293 بيتاً شعرياً، وضمت الكثير من أبواب النحو العربي، وقد عالج فيها أمورا نحوية كثيرة بأسلوب يتسم بالسهولة والابتعاد عن التعقيد.

ومن بين أبيات تلك المنظومة، قول الفراهيدي "الفاعلون من الخلائق كلّهم ... أسماؤهم مرفوعة لا تنصب"، ويتابع في البيت التالي قائلاً "ونعوتهم وكناهم وحلاهم ... والنصب للمفعول حقا أوجب"

وينسب للفراهيدي قيامه بتغيير رسم حركات الحروف في الكتابة من النقاط إلى رسوم أخرى، حيث شاع استخدام النقاط على الحروف بعد وضعها من قبل أبو الأسود الدؤلي وتلامذته، لذلك قرر الفراهيدي رسم الحركات بأشكل جديدة غير النقاط ليميزها القارئ عن نقاط الدؤلي.

فجعل الفراهيدي الفتحة ألفًا صغيرة مائلة فوق الحرف، والكسرة ياءً صغيرة تحت الحرف، والضمة واواً صغيرة فوقهُ، ووضع شيناً غير منقوطة للتعبير عن الشدة، ووضع رأس عين للتدليل على وجود الهمزة وغيرها من الحركات كالسكون وهمزة الوصل.

ويعد علم العروض من أبرز إنجازات الفراهيدي اللغوية، ويرتبط بقصة طريفة، حيث يقال إنه استلهم وضع قواعد صوتية مكتوبة للشعر العربي بعد سماعه لصوت النحاسين وهم يطرقون على الأواني بأصوات متناسقة، ليرجع له اكتشاف كل بحور الشعر العربي، عدا بحر المتدارك المحدث الذي وضعه عالم اللغة الأخفش الأوسط.

ويمكن أن يوصف الفراهيدي الذي توفي في البصرة عام 174 هجرية الموافق لتاريخ 789 ميلادية، بأنه ضابط إيقاع شعر العرب وواضع كثير من قواعد لغتهم، فيما يعد أجمل ما قيل فيه ممن عاصروه، هو: "من أحب أن ينظر إلى رجلٍ خلق من الذهب والمسك فلينظر إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com