إهداءات الكتب... رحلة تكشف الممتع والغريب في حياة الأدباء
إهداءات الكتب... رحلة تكشف الممتع والغريب في حياة الأدباءإهداءات الكتب... رحلة تكشف الممتع والغريب في حياة الأدباء

إهداءات الكتب... رحلة تكشف الممتع والغريب في حياة الأدباء

كلمات قليلة، مليئة بالحب والشجن في بعض الأوقات، طريفة ورشيقة ومداعبة في أوقات أخرى، معترفة بالفضل والجميل في معظم الأحيان.. تلك هي إهداءات الكتب، والتي تكشف عن شخصية الكتاب والأدباء، وتحمل بين طياتها لحظات مكاشفة إنسانية تسقط فيها الحواجز النفسية بين الكاتب وقرائه.. فهو يخاطبهم بحب ويحكي لهم في سطور قليلة، جزءاً من حياته الخاصة، والتي دفعته لكتابة هذه الرواية أو معاناته النفسية والمادية في صدور ديوانه الشعري الجديد أو بحثه الذي يراه أهم ما أنجزه في حياته الخاصة.

البداية مع إعلان الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، على الملأ، وأمام قرّاء العالم، أنّ زوجته هي كنزه الحقيقي، الذي اكتشفه طوال سنوات عمره، بل ينكر على نفسه قبل القرّاء، أنه يستطيع أن يحب سواها، ففي روايته الخالدة "الحب في زمن الكوليرا"، يهدي زوجته تلك العبارة الملفتة والمكثفة قائلاً: "إلى زوجتي مرسيدس.. طبعاً".

فعلها كذلك الروائي الأردني الراحل، مؤنس الرزاز، في رواية "اعترافات كاتم صوت"، فالإهداء كان إلى "قسمت التي رممتني"، والذين يعرفون الكاتب، يدركون أنّ هذا الإهداء موجّه إلى زوجته، التي وقفت بجانبه في الأوقات العصيبة.

أمّا الروائية السورية الشهيرة، صاحبة الصخب النقدي، على أعمالها غادة السّمان، تتسع عندها دوائر الحب في لحظات تاريخية فارقة في حياتها، عاشتها على أعصابها وحولتها إلى تجربة إنسانية من حبر وورق، ففي روايتها "كوابيس بيروت" تقول: "أهدي هذه الرواية، إلى عمال المطبعة، الذين يصفون في هذه اللحظة حروفها، رغم زوبعة الصواريخ والقنابل، وهم يعرفون أنّ الكتاب لن يحمل أسماءهم، إليهم، هم الكادحون المجهولون دونما ضوضاء كسواهم من الأبطال الحقيقيين، الذين يعيشون ويموتون بصمت، ويصنعون تاريخنا، إليهم، هم الذين يكتبون الكتب كلها بدون أن تحمل تواقيعهم، إلى أصابعهم الشموع التي أوقدوها من أجل أن يطلع الفجر، أهدي هذه السطور".

هناك نوع آخر من الحب في الإهداءات، يكشف عن طبيعة العلاقة بين الكاتب ومن يراه قدوته ومثله الأعلى، بل يصف تلك العلاقة كوثيقة يشهد عليها التاريخ، إذا ما أراد أحد أن يعرف حقيقة تلك العلاقة، ومن هؤلاء، الكاتب والروائي الكبير يوسف السباعي، ففي روايته الهامة، "السقا مات" يقول في الإهداء: "إلى عمي العزيز طه السباعي باشا، أهدي كتابي هذا لا لأنه بفضل اللقب، صاحب المعالي، أو صاحب السعادة، فإني لا أدري كيف يستطيع اللقب البشري أن يشارك الله سلطته في منح المعالي أو السعادة، ولا أدري كيف يمكن أن يفضل إنسانا على غيره، لأنه صاحب سعادة، ولكني أهديه لأنه بفضل الله، صاحب نظافة، في الذهن، واليد، والقلم، واللسان، أهديه له، رغم أنه سياسي، وباشا وحماي".

وهناك إهداءات تشبه الاعتراف الصريح بجميل من شاركوا الكاتب في جمع مادته، والمساهمة في طبعه ونشره، ومن بين تلك الإهداءات العاطفية، إهداء للكاتب الكبير أحمد الصاوي، في كتابه المعنون، "باريس"، والذي طبع العام 1933، يقول فيه: "ليس لي في هذا الكتاب فضل، فلولا الذين أسهموا فيه بأقلامهم لما تم وضعه، ولولا الذين أسهموا فيه باكتتابهم لما تم طبعه، فإلى الأساتذة الأجلاء، الذين جلوا لنا مرآة باريس، وإلى قرائي الأعزاء، إلى أصدقائي الذين لا أعرفهم، ولكنني أحبهم، وأفكر فيهم، وأعيش من أجلهم، إلى الذين وثقوا بي، وكرموا وجهي، فاشتركوا في كتابي، قبل أن يعرفوا كيف يكون، إلى الذين لولا عطفهم وتأييدهم، لما ظهر هذا الكتاب مستقلاً موفور الكرامة، إليهم جميعاً، هؤلاء وهؤلاء الفضلاء، أرفع كتابي – كتابهم".

ولاتتوقف الإهداءات على الأدباء والشعراء بكلماتهم المختزلة والغامضة في بعض الأحيان، وكأنهم في مباراة عقلية مع القارئ، ليتأمل حيواتهم ومعاناتهم مع فعل الكتابة والإبداع، فهناك أيضاً الإهداءات الخاصة بالباحثين، الذين ينفقون من جهدهم لكي يجمعوا سيرة شخصية وطنية مؤثرة، أو ينقبوا في الأوراق الشخصية، لزعيم سياسي غيّر مجرى التاريخ.

ومن بين تلك الإهداءات، التي تطالب القراء أن يسيروا على الدرب الذي سلكه الباحث ويؤمن بقيمة هؤلاء العباقرة من أبناء الوطن، نجد إهداء للباحث والصحفي محمد عبد الغني، في كتابه "إلهام جمال حمدان.. عبقرية ضد الانحناء". يقول فيه: "إلى الباحثين عن الحقيقة والمشتاقين لقدوة، ومثل أعلى والرافضين لأي انحناء.. إليهم جميعاً، طاقة نور.. وعبقرية خالدة.. غاندي مصر.. جمال حمدان".

وهناك إهداءات تبتسم فور قراءتها، لأنها أشبة بالروشتة المليئة بالأمل والتفاؤل والدعوة للوقوف أمام المشاكل وحلها بروح المرح والسعادة، ومن بينها، إهداء طريف للإعلامي، تركي الدخيل، يروي فيه تجربته الشخصية جداً مع الرشاقة وكيف تحولت عشرات الكيلو جرامات من وزنه إلى خبر كان، بعد حرب شعواء شنها على السمنة، ففي كتابه، ذكريات سمين سابق، يهدي الكتاب إلى ميزان الوزن، الذي ربما شاركه شهورا طويلة، يتابعه ويترصد لكل كيلو غرام ينقصه لذلك، فهو يخاطبه بكل ود وحميمية ذاكراً فضله عليه وعلى جميع أوزان البشر قائلاً: "إلى الميزان، بأنواعه الإلكتروني منه، وذي المؤشر الأحمر، أيها الصامد أمام أوزان البشر، يا من تتحمل البدين منهم والنحيف، يا من تصبر على ثقل دمهم قبل ثقل أجسادهم".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com