بات اسم "مروي" مألوفا لمتابعي نشرات الأخبار ومتصفحي المواقع الذين يطالعوان تطور المواجهات المسلحة في السودان بين الحين و الآخر، لكن المدينة تكتسب هويتها الفعلية من حقيقة أنها تحفر عميقا في طبقات الحضارة، وتطل من شرفات الماضي على ثقافات وممالك وحكايات مدهشة، لتصبح أيقونة الآثار وحارسة التاريخ على مر العصور.
نتحدث تحديدا عن "مروي التاريخية" أو" المدينة القديمة" و ليس نظيرتها الحديثة التي بنيت بالقرب منها شمالي البلاد، وهى تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل وتبعد نحو 200 كيلو من العاصمة الخرطوم، ويفصلها عن مدينة "شندي" نحو ستة كيلومترات، وهي عبارة عن منطقة شبه صحراوية تقع بين نهري النيل وعطبرة. موقع شديد الثراء الخصوصية يحوى الكثير من الأهرامات والمعابد التي لم تحظ بشهرة مماثلة لنظيرتها في مصر وهو ما جعل منظمة اليونسكو تدرجها على لائحتها للتراث العالمي عام 2011.
وتتميز تلك الأهرامات بصغر حجمها الذي يتراوح من 6 إلى 30 مترًا فوق سطح الأرض، وقممها المدببة وتصميمها بزاوية انحدار حادة من أعلى إلى أسفل. ويبلغ عددها 200 هرم، إلا أن الكثير منها تضرر بشدة نتيجة العواصف الرملية وتهدده الفيضانات بين الحين، والآخر في مشاهد يتابعها العالم صوتا وصورة.
ويذهب باحثون ومختصون في تقارير عالمية إلى أن هناك "مدينة مفقودة"، كاملة غمرتها الرمال في تلك المنطقة، وأن ما يبدو ظاهرا للعيان هنا هو مجرد أطلال تشير إلى آثار اندثرت عبر التاريخ.
الكوش والرومان
وتعد "مروي" العاصمة الثانية لمملكة "الكوش" التي حكمت تلك المناطق في الفترة من 750 قبل الميلاد حتى 300 بعده، والتي عُرفت في الأدبيات الأثرية والحفائر باسم "الفراعنة السود"، نظرًا إلى لون البشرة.
ورغم أن تلك الأهرامات بُنيت في الأصل لتكون مقابر لملوك وملكات "الكوش"، إلا أنها لم تقتصر على أعضاء العائلة المالكة وضمت الكثير من النبلاء.
وكانت المجوهرات الثمينة والأسلحة والفخار توضع إلى جوار الميت في مقبرته ليستخدمها في العالم الآخر، حسب المعتقدات الدينية آنذاك، لكن هذه " الكنوز" تم السطو عليها من جانب بعض المستكشفين والعمال أثناء عمليات التنقيب.
وتشير مصادر تاريخية إلى أن الرومان عندما حكموا مصر قبيل الميلاد، أرادوا التوسع جنوبًا على حساب العمق السوداني؛ ما أدى لاحقا إلى اضطرابات وتوترات حدودية بينهم وبين "الكوش" الذين أرادوا الانتقام من الرومان واحتلال أجزاء من مناطق نفوذهم، إلا أنه تم طردهم من جنوب مصر ليعود الطرفان ويوقعان اتفاقية سلام في عام 22 ميلادية.
نخيل وجزر
واشتهرت "مروي" تاريخيًّا بالتجارة المزدهرة مع الصين والهند، ولا سيما من خلال عنصر الحديد حيث تمتع أهلها بسمعة عالمية في تصنيع هذا المعدن من خلال أفران الصهر والمحارق، لكن زراعة النخيل تعد عماد الاقتصاد في المدينة الآن؛ حيث يتم استخدامه في صناعة أسقف المنازل، كما يعد محصول البلح مصدرا رئيسًا للدخل النقدي.
وتضم المدينة سلسلة جزر " كاسنجر" التي تتكون من عشرات الجزر الرملية التي يحيط بها الماء في مشهد خلال يفوق الوصف. وبحسب خبراء ومختصين في الشأن السياحي السوداني، فإن تلك الجزر ينبغي تطويرها لتصبح مقصدا سياحيًّا فريدا من نوعه، حيث تضم شلالات وصخورا ورمالا، و تربطها ممرات مائية بعضها قابلة للسكن والعمران الإنساني، والبعض الآخر لا يصلح إلا كمحميات طبيعية للطيور والحياة البرية.