"قربان".. مرآة سينمائية ليوميات التونسيين في زمن "كورونا"
"قربان".. مرآة سينمائية ليوميات التونسيين في زمن "كورونا""قربان".. مرآة سينمائية ليوميات التونسيين في زمن "كورونا"

"قربان".. مرآة سينمائية ليوميات التونسيين في زمن "كورونا"

بدأت فترة الحجر الصحي الشامل، وتداعيات تفشي فيروس "كورونا"، تجد صدى لها في الأعمال السينمائية التونسية، حيث يطرح فيلم "قربان" الذي تابع الجمهور عرضه الأول قبل أيام في تونس، الآثار النفسية على زوجين عاشا هذه المرحلة بكل تفاصيلها وقلقها وانفعالاتها.

ففي فيلم "قربان" الذي أخرجه الفنان نجيب بلقاضي، نقل المخاوف وأوجاع وأحاسيس وحكايات خلقها ذلك الوضع الاستثنائي الذي فرضه الحجر الصحي الشامل على التونسيين، وعلى شعوب كثيرة في العالم، انطلاقا من قصة زوجين، هما سهير بن عمارة، والفنان نجيب بلقاضي الذي يتولى التمثيل والإخراج في هذا العمل.

والفيلم مثقل بالتساؤلات عن "الوسواس القهري" و"الاكتئاب" و"انفصام الشخصية"، وما يمكن أن يصيب إنسانا يجد نفسه فجأة فيما يشبه السجن، فتتراءى له الحياة من زاوية أخرى، وتنشأ عن هذا النمط الجديد من العيش مشاكل لم يكن يعهدها.

وحكاية الفيلم في ظاهرها تبدو بسيطة، حيث تنقل الكاميرا الحياة اليومية لزوجين، وما رافقها من تصدعات وتشوه بسبب معاناة الزوج من مرض نفسي تفاقم مع حالة الحجر الصحي وانقطاعه عن العمل وانخراطه في وساوس تدفعه إلى الاعتقاد بأنّ عليه أن يقدّم قربانا للموت وللفيروس، عسى أن تنتهي معاناة العالم جراء ما سببته الجائحة.

ومن خلال شخصية الزوج وحالته النفسية وطريقة تعاطي زوجته معها، يسلّط الفيلم الضوء على وضع حاملي الأمراض النفسية الناجمة عن فرض الحجر الصحي الشامل، وعلى الوضع المجتمعي عامة، الذي قد يقدّم صورة مبهرة عن الشخص وعن الحياة، ولكنه يخفي أوجاعا وآلاما لا تبدو ظاهرة للعيان.

شخصية الزوج (قيس) في هذا الفيلم، تبدو مثالية بالنسبة إلى من يرى الأمور من منظور مادي صرف، فالرجل يعمل في مجال توريد السيارات ويبدو سعيدا في حياته، وله عمل محترم وسيارة فارهة وزوجة جميلة محبّة للحياة، لكنه في أعماق ذاته يعاني مرضا نفسيا نشأ معه منذ الطفولة وتفاقم وضعه وازداد خطورة مع فترة الحجر الصحي، فالرجل كان يتخيّل أنه يسمع أصواتا غير موجودة في الواقع وترهقه الصرخات والأصوات المتدافعة والتي تجعل نفسيته هشة قابلة للانهيار.

وكانت هذه الشخصية مهيّأة بطبعها للاضطرابات النفسية، ليزيد تفشي الفيروس من حالة الهستيريا التي تصيبها، ونتيجة الإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها في الفترة الأولى لظهور الفيروس، أصيب الرجل بمرض "الوسواس القهري" الذي يدفعه إلى المبالغة في الخوف والحذر والشك، حتى أنه يلجأ إلى غسل ملابسه في درجة حرارة عالية جدا، ولا يتردد في وضع كل ما استعمله من أقنعة واقية وسائل مطهّر وسط كيس، خوفا من تنقل العدوى، وتتسلل حالة الشك وفقدان الثقة إلى علاقته بزوجته، فتظهر الخصومات والمشاحنات لأتفه الأسباب وتنشأ علاقة جديدة في مناخ لم يعهده الزوجان من قبل.

ونجح المخرج والممثل نجيب بلقاضي، في هذا الفيلم، بأداء شخصية معقدة بانفعالاتها وبحركة الجسد المعبّرة عنها، بارتعاشات اليد ونظرات الوجه المتراوحة بين الحدة والانكسار والانطفاء وطريقة النطق، ليتوغل في تفاصيل شخصية المريض النفسي، ويدفع الجمهور إلى التأمّل فيها وقراءتها، وربما يدفع كثيرين إلى رؤية ذواتهم من خلال هذه الشخصية، لا سيما أنّ المناخ الاجتماعي والاقتصادي في تونس، خلق وضعا نفسيا مرهقا، فالأفق غامض والوضع المهني لكثير من التونسيين غير مضمون، وضاعفت الجائحة من الأزمة، ودفعت بكثيرين إلى البطالة وحالة من التردي الاجتماعي والنفسي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com