"إذا زُرت مدينة مراكش المغربية ولم تتذوق أكلة "الطنجية"، فقد ضاع منك الكثير".. هكذا يقول سكان المدينة "الحمراء"، الذين يشتهرون بحس الفكاهة والمرح دون غيرهم من المغاربة.
ويرتبط تحضير هذه الأكلة الشهيرة بالرجال فقط، حيث تم ابتكارها منذ عقود داخل أزقة ودروب المدينة العتيقة لمدينة مراكش.
وترمز "الطنجية" - المكونة أساسًا من لحم الخروف أو العجل بالإضافة إلى بهارات متنوعة - إلى البهجة والسرور، لأنه يتم إعدادها في جو من المرح، كما تُطبخ فوق الرماد؛ ولهذا يُطلق عليها لقب "بنت الرماد".
و"الطنجيّة" إناء فخّاري مصنوع من الطين على شكل جرة.
سر الشهرة
يقول جمال السعدي، مرشد سياحي بمدينة مراكش، لـ"إرم نيوز"، إن "سر شهرة هذه الأكلة والتي يُعدها الرجال فقط، يكمن في بساطتها وتوابلها، وكذا طريقة تحضيرها. وظهورها يرجح في عهد الدولة المرينية".
ويحكي السعدي، وهو أحد أبرز الوجوه المهتمة بالقطاع السياحي، أن "هذه الأكلة ارتبطت منذ عقود بالرجال في مدينة مراكش على وجه التحديد، ويرجع ذلك إلى أن الحرفيين والصناع كانوا يقضون معظم وقتهم في محالهم؛ وبالتالي كان عليهم أن يُدبروا أمورهم".
وأضاف: "يتم إعداد هذه الأكلة في وقت مبكر من اليوم على أن تكون جاهزة في منتصف النهار، إذ تُطبخ فوق رماد ساخن لأكثر من 6 ساعات، وبعد أن يتأكد صاحب الفرن بأن (الطنجية) أصبحت جاهزة يحركها يمينًا وشمالاً كي تمتزج مكوناتها، ويتم تفريغها في نهاية المطاف في صحن وسط أجواء من البهجة".
ومع مرور السنين – يستطرد المرشد السياحي – "أضحت مدينة مراكش تشتهر بـ "الطنجية"، وباتت تفرض نفسها في الحفلات والأعياد وفي الخرجات التي يسميها أبناء المدينة بالنّزاهة".
ومكونات الطنجية، بحسب المتحدث، بسيطة؛ إذ تتكون من لحم الخروف أو العجل، ويستحسن أن يكون من الفخذ، يطلق عليه "الملج".
توضع قطع اللحم في الإناء الفخاري (الطنجية)، ويضاف إليها زيت الزيتون، والزعفران الحر المخلوط مع القليل من الماء، والكمون، والملح، والليمون المخلل، والسمن.
وبعد تحريك جل عناصر "الطنجية"، يغلق الإناء الفخاري بإحكام، ثم تُطمر تحت الرماد الساخن لساعات.
وقال المرشد السياحي، إن "السياح يُعجبون كثيرًا بهذه الأكلة، ولا يستطيعون مقاومة لذتها، إذ تُقدم في أجواء فلكلورية تعكس بهجة مراكش عاصمة السياحة في البلاد".
"فن" من نوع آخر
ومن جهته، قال الأستاذ الباحث في علم الاجتماع علي شعباني، إن "الطنجية أكلة شعبية توارثتها الأجيال في مدينة مراكش، وهي جزء من الموروث الثقافي المغربي".
وأضاف شعباني لـ"إرم نيوز"، أن "ما يميز المغرب هو التنوع الكبير في العادات والتقاليد، إذ تمتاز كل مدينة بعاداتها في الأكل واللباس والإكسسوارات وغيرها، والجميل أن كل هذه الجزئيات يتم الحفاظ عليها من جيل لآخر"، لافتًا أن "الطنجية تكرس العمق الثقافي وخصوصية مدينة مراكش ورصيدها الغني".
ورأى أن "سكان المدينة الحمراء يفتخرون بهذه الأكلة التي ذاع صيتها في العالم، وتذوقها العديد من الملوك ورؤساء الدول وكبار الشخصيات والمشاهير عند زيارتهم لمراكش".
وشدد الخبير الاجتماعي على أن "الطنجية عند أهل مراكش مثل الفن الأصيل، تؤثث مجالسهم وأفراحهم ونزهاتهم العائلية، وهي علامة مغربية غير قابلة للتقليد".