طفل ينتظر بشغف طبقا من الطعام
طفل ينتظر بشغف طبقا من الطعامرويترز

"السكبة" في رمضان.. عادة سورية انحسرت بسبب ضيق الحال

تعتبر عادة "السكبة" في سوريا، من الأمور التي توطد أواصر الألفة بين الجيران، سواءً ضمن الأحياء القديمة، أو الحديثة، وتستمر طيلة أيام السنة لكنها تزداد في شهر رمضان.

ويبقى منظر الأطفال وهم يحملون الصحون الممتلئة بألذ الأطعمة وأشهاها، ثم يطرقون أبواب جيرانهم، مبادرين بالقول "بتسلِّم عليكن الماما وبتقلكن ألف صحّة وهنا"، من أكثر المشاهد رسوخاً في ذاكرة السوريين، كما أنها وسيلة لكسر الجليد مع السكان الجدد؛ إذ ترسل النساء سكبة إليهم، وشيئاً فشيئاً تتوطد العلاقة مع الجارة الجديدة. 

أخبار ذات صلة
السعودية تدعو لتحري هلال شهر رمضان مساء الأحد

تاريخ السبكة

وعن تاريخ عادة السكبة السورية يروي الباحث السوري منير كيال في كتابه "دمشقيات مرابع الطفولة ومهوى الأفئدة"، أن أحد فقراء الشام كان يتلقى أطباق الطعام من جيرانه كل يوم، إلى أن زاره ذات يوم شخص من الريف وقت الغداء، وكان الزائر مُحْرَجاً من ذلك، لكنه عندما دعي إلى مائدة الطعام وشاهد أكثر من عشرة أطباق مختلفة من الطعام فوجئ كثيراً.

وقبل البدء بالطعام طُرِقَ الباب، ولاحظ الزائر أن صاحب المنزل أتى بطبق طعام جديد مِن الطارق، ففهم ما حصل، وأصبح يروي ما شاهده لمن يلتقيهم، حتى شاعت القصة بين عموم العائلات السورية، وأصبحت من العادات والتقاليد بين جميع السوريين دون استثناء.

ويوضح كيال أن السكبة لا تفرّق بين غنيٍّ وفقير، إذ كان الفقير يسكبُ للغني، وكان الغنيُّ يفعل الشيء ذاته، وكانت سكبة كل طبق قدر حجمه، وبذلك يحدث نوع من التوازن في الحارة، بمعنى أن السكبة كانت جزءاً من طريقة الأخذ والعطاء التي كانت سائدة، ولعلها امتداد مُحرَّف لطريقة المُبادلة والمقايضة القديمة، لكنها في جميع الأحوال كانت تكريساً للتداخل بين الأسر، والتعاطف القائم بين الناس وتبادل المحبة.

السكبة وخشية التبذير

أما في كتابه "رمضان في الشام" فيلفت الباحث كيال إلى أن من فوائد عادة السكبة، أن الطعام كان يُطبخ لأكثر من يوم، ومن دون تنويعه لكون تلك العادة ستوفر العديد من الأكلات، بحيث كانت السكبة تؤخذ بعين الاعتبار ويُعتمد عليها، وخاصة في شهر رمضان، فلا تكثر النساء من صنع أطباق طعام كثيرة خشية التبذير، ولكون الطعام سيأتي بمختلف أشكاله على وجبة الفطور قبل ضربة المدفع بدقائق، لذلك كانت السكبة من العادات الهادفة إلى التعاون والتراحم والمحبة بين الجيران، إضافة إلى عدم التبذير أو الإسراف.

وتبقى فكرة "السكبة" من أجمل العادات السورية، وأكثرها تعبيراً عن التراحم وعمق الوصال الإنساني المتجذرة في الإنسان السوري أينما حلّ، ورغم انحسارها قليلاً في الأيام الأخيرة بسبب ضيق الحال الذي سببته الحرب، إلا أنها ما زالت حاضرة بكامل زخمها وألقها.

ومن الجميل الذي أضافته الحرب على موضوع السكبة السورية، أنه بحكم النزوح الذي أُجْبِرَت عليه العائلات السورية بفعل الحرب، بات الجيران من محافظات مختلفة، فجارة من دير الزور، وأخرى من إدلب، وثالثة من حمص، ورابعة من حلب، وخامسة من الحسكة، إلى جانب الجارات من دمشق وريفها ودرعا وحماة والسويداء وغيرها، وهذا ما جعل للسكبة نكهة أكثر تنوعاً، وجعل الجارات يتعرفن على طبخات تشتهر بها المحافظات الأخرى، فبعد أن كانت السكبات محصورة بأكلات محددة ومعروفة من قبل الجيران القدامى فيما بينهم، باتت أكثر تنوعاً وأغنى بنكهاتها وأطباقها التي تميز كل محافظة عن أخرى.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com