تثبت الفنانة السورية أصالة نصري مرة بعد أخرى، أنها قادرة على اختراق آفاق جديدة بصوتها، من خلال خيارات مدروسة للكلمات واللحن، وتحقيق أقصى قدر من الاندماج مع المعنى، بحيث يصبح أداؤها أشبه باكتشاف جديد لقدرتها على بثّ روحها فيما تُغنِّيه.
هذا بعض مما يمكن قوله عن أغنية "صندوق" التي افتتحت بها "صولا" الجزء الثاني من ألبومها "لحقت نفسي"، والتي قالت عنها على صفحاتها في وسائل التواصل الاجتماعي: "نقّيت ها الأغنية كهدية لروحي اللي بحاول بشتى الطرق داريها وطبطب عليها، مشان توصلكم متل ما بدي ياها تكون تعين وتفرح وتطبطب... سوريا موجودة بصوتي وبلغتي باقية ما زاحت.."
وأضافت: "وها الأغنية من كتر ما حبّيتها غنّيتها مرات ومرات، ومن أستوديوهات ببلاد مختلفة، وكل مرة كنت عم غنيها بطريقة ولما سألت حالي" على شو بصوتي عم دوِّر؟ عرفت بدي يكون مجروح بس فيه كتير أمل، ما فيه يأس قد ما فيه صبر، مو مخذول من ناس قد ما كتار أنصفوه، فيه طفولة قد ما فيه نضج، وبكل ها المشاعر غنِّيت".
أغنية "صندوق" من كلمات الشاعر السوري "رامي قحطان كوسا" الذي استطاع أن يكثِّف حنينه كلّه في ذاك الصندوق، جاعلاً منه أرشيفاً للمشاعر الصادقة، من خلال تصويره ببلاغة البساطة لجدلية العلاقة بين الماضي والحاضر وما تضمره من حكايات، ثم حديثه عن غياب الأب الطاغي، وحنان الأم المتجذِّر، عن الحب الأوَّل وشجرة العائلة الوارفة، عن رفاق الصبا والشوق للبيت بمعناه الأجمل.
ونقتطف من كلمات الأغنية لازمتها "ع البال يا ضحكة أبي.. ترقّصني وتقلي العبي.. ع البال يا أول صبي
جبلي غزل البنات.. ع البال يا ماما اشتقت.. تغنيلا لَ تغفى البنت.. يا بيتنا قد ما غبت.. مشتاقة للعتبات".
وجاء تجويد الكلمات من خلال لحن وتوزيع "يزن الصباغ"، الذي لم يلجأ إلى زخرفات مُتعالية على النص، وإنما عشَّقَه بالنَّغَم، ساعياً إلى بناء جسر جمالي بين شعر كوسا وصوت أصالة، من خلال درامية عالية لجمله اللحنية، ومجاراة المعنى والعُمق الدلالي عبر صوت الكلارينيت الذي يبرع في العزف عليه، إلى جانب كمنجات حنونة وإيقاع دافئ وإشراك ذكي لكورال من البنات في أداء أحد المقاطع.
أغنية "صندوق" التي أنتجتها روتانا ستكون، بتكامل عناصرها الفنية، نقطة مضيئة في مسيرة أصالة، واستعادة لأمجاد البساطة المذهلة في الكلمات واللحن والأداء، تلك البساطة القادرة على ترك أثر واضح لدى المستمعين، ربما يمتد لسنوات طويلة، وأصداء هذه الأغنية على مواقع التواصل أكبر دليل على ذلك، ولعل لسان "صولا" يقول عن "صندوق": "فعلاً لحَّقت نفسي".