الشريف الإدريسي.. أطلس العالم و"أبو الجغرافيين"

ارتبط اسم الشريف الإدريسي بعلوم الجغرافيا، وأساسا بوضع أول خريطة عالمية صحيحة مبنية على الأصول العلمية والحقائق الفنية الثابتة في زمانه؛ إذ كانت متقدمة بشكل كبير وأعطت الأسس المتينة للتعرف على العالم.

وولد أبو عبد الله محمد بن محمد بن إدريس، الذي لقب بـ "الشريف الإدريسي" في مدينة سبتة المغربية عام 1100 ميلاديا، لكن لا يُعلم شيء عن أحواله في تلك المدينة ولا عن نشأته فيها، ولا عن الشيوخ الذين تلقى العلوم عنهم.

غير أنّ المعروف أنه رحل إلى قرطبة وتلقى العلم فيها؛ إذ كانت من أكبر مراكز الثقافة العربية الإسلامية في عصره.

من الأندلس إلى المغرب

ويقول المؤرخ المصري الراحل، محمد عبد الغني حسن، في كتابه "الشريف الإدريسي" إنّ "مقام الإدريسي في قرطبة أتاح له أن يجعل منها نقطة انطلاق لجولات كثيرة في الأندلس، كما أتاحت له إقامته في سبتة أن يجعل منها منطلقا لرحلاته إلى بلاد المغرب التي يصفها وصف الخبير".

ودخل الشريف الإدريسي صقلية في حدود عام 1138 بدعوة من الملك روجر الثاني، الذي كان محبا للثقافة ويجمع في بلاطه كثيرا من العلماء والمفكرين بصرف النظر عن ديانتهم، وبقي فيها هذا العالم الجغرافي الفذ إلى حين وفاته عام 1166 ميلاديا.

ويذكر صاحب الكتاب أنه خلال إقامته (يقصد الشريف الإدريسي) قريبا من بلاط هذا الملك (يقصد روجر الثاني)، صنع الكرة الأرضية الفضية، والخرائط والصور البيانية، وألف كتابه "نزهة المشتاق" الذي كان بتكليف من الملك روجر الثاني حتى أنّ هذا الكتاب نُسب إلى الملك.

ويضيف المؤرخ أنّ تأليف أقدم طبعات كتاب "نزهة المشتاق" العربية، يعود إلى القرن 16 الميلادي، وقد انتهى الإدريسي من تأليف كتابه هذا سنة 1154 ميلاديا؛ ما يعني أنه أنجزه في 15 عاما، وهي فترة ليست بالطويلة على كتاب جمعت مادته الوافرة عن الأقطار والأصقاع بوساطة رسل أرسلهم روجر والإدريسي لتحصيل المعلومات، وجمع البيانات، حتى تكون الأوصاف عن معاينة لا عن نقل الكتب".

وتوصف خريطة الإدريسي بأنها راعت طريقة بطليموس في رسم الخرائط، وإن كان قد زاد عليه في الدقة وارتفاع المستوى في الأداء، إذ رأى الإدريسي أن الأرض مُكوّرة، وأن نصفها الجنوبي خال من البشر، بينما نصفها الشمالي هو القسم العمور، واعتبر أن هذا القسم يتكون من ثلاث قارات هي آسيا وأفريقيا وأوروبا.

ويعلق المؤرخ المصري، محمد عبد الغني حسن، في كتابه "الشريف الإدرسي" بأنه "على الرغم من بعض المآخذ على خرائط الإدريسي، فإن أطلسه يعد أهم أثر لعلم رسم الخرائط العربية، بل لعله أهم أثر لعلم الخرائط الجغرافية في العصور الوسطى بأجمعها".

وعلى الرغم من المكانة التي كان يتمتع بها الإدريسي في مجال العلوم الجغرافية ورسم الخرائط والرحلات، حتى اعتُبر أول العلماء المسلمين في الجغرافيا، فقد كان للرجل ميزات أخرى تؤكد تعدد ألوان ثقافاته وميوله، فقد كان له اهتمام بالصيدلة والنباتات والطب، وإن كان لم يبلغ فيها ما بلغه في الميدان الجغرافي.