أحد الباعة من سوق البزورية
أحد الباعة من سوق البزوريةGetty Images

سوق "البزورية" التاريخي في دمشق.. يستعصي على الصائمين (صور)

"تظهر على زائري السوق اليوم، علامات الحيرة نتيجة الأسعار المرتفعة، وتلتقط الكاميرا، معظمهم وهو يغادر المكان خالي الوفاض".

لم يتخيل السوريون يوماً، أنهم لن يستطيعوا شراء الملبّس الشامي والتوابل و"النوكا"، من سوق "البزورية" في رمضان، فزيارة هذا السوق التاريخي، جزء ضروري من الطقوس الشعبية خاصة خلال شهر رمضان.

ورغم احتفاظ سوق "البزورية"، بحلته ومحلاته القديمة طيلة مئات السنوات، إلا أن وضعه تبدل، مع تدهور قدرة الناس الشرائية، فخفّ زواره، واكتفى من جاء منهم بالتقاط الصور التذكارية مع معالم السوق.

ويقع سوق "البزورية" جنوب الجامع الأموي، ويصل بين سوقي السلاح ومدحت باشا، ويزينه حمّام "نور الدين الشهيد" الأثري، وخان أسعد باشا المصنف كأجمل خان قديم في العالم.

وتحيط بسوق البزورية، عدة معالم أثرية وأسواق قديمة، مثل قصر العظم، وسوق الصاغة القديم، ومئذنة أم الشحم القريبة. وقد حافظ على طريقه المرصوف بأحجار البازلت، وسقفه الحديدي المقوّس المغطي كامل السوق.

بائع من سوق البزورية
بائع من سوق البزوريةإرم نيوز

ونجا السوق من عدة مخاطر حصلت بفعل الحرائق، وقصف الفرنسيين لدمشق إبان الثورة السورية عام 1945.

ويقول المؤرخ الدكتور قتيبة الشهابي، في كتابه "معجم دمشق التاريخي": "لا يزال سوق البزورية يحتفظ بمعالمه القديمة. وقد احترق سنة 800هـ 1398م، وكان يعرف بسوق العطارين وسوق القمح". وقد وصفه ابن عساكر في كتابه "تاريخ دمشق"، كما ذكره القساطلي في "الروضة الغناء"، وابن طولون في "مفاكهة الخلان".

من سوق البزورية
من سوق البزورية إرم نيوز

وكان السوق، مستودعاً للمؤونة والقمح، تتزود منه القوافل. قبل أن تملأه الحوانيت، وتختص كل مجموعة منها، ببيع أنواع الحبوب، والتوابل، والبهارات، والفواكه المجففة، والأعشاب الطبية، والحلويات الشامية مثل الراحة بأنواعها، والملبّس.

ويبلغ عدد محلات سوق البزورية، قرابة 150 محلًّا، مازالت تحتفظ بطرازها القديم المبني من الخشب والحديد، وتتنوع اختصاصاتها بين الغذائيات، والحلويات، والمكسرات، والبهارات، والتوابل، والأعشاب.

أحد محلات سوق البزورية
أحد محلات سوق البزورية إرم نيوز

جزء من الطقوس الشعبية

ويحتل سوق "البزورية" جزءاً هامًّا من الطقوس الشعبية خلال رمضان؛ نظراً لقدمه وموقعه في منطقة أثرية بالقرب من الجامع الأموي، إلى جانب الكثير من الأسواق القديمة والخانات والحمامات الأثرية التي لم تتوقف عن استقبال الزوار.

وعادة ما يبدأ الوافدون طريقهم، من سوق الحميدية أو مدحت باشا، فيقضون وقتاً في الجامع الأموي والأماكن القريبة، ثم يختمون مشوارهم في سوق البزورية ليتسوقوا أطعمة سهرات رمضان الممتدة حتى السحور.

سوق البزورية
سوق البزورية إرم نيوز

ويتعلق الناس خلال رمضان، بعادة إعداد الحلويات المنزلية؛ نظراً لما يرافقها من علاقات اجتماعية تكرس قيم الشهر الكريم. ودرجت العادة أن يجتمع الجيران في أحد البيوت، ليساعدوا بعضهم في تجهيز العجين والحشوة، وطهي حلوى رمضان.

ويقول الباحث التاريخي عبد الوهاب أبو صالح لـ"إرم نيوز": "من أجمل العادات الرمضانية، تبادل الناس صحون الحلويات المنزلية، التي تراها تنتقل بين البيوت بعد الإفطار".

وتحضر في السوق مجموعة كبيرة من الأعشاب المحلية والمستوردة، وتستخدم في إعداد المشروبات الساخنة للضيوف في ليالي رمضان، أو معالجة بعض الأمراض البسيطة.

سوق البزورية
سوق البزورية إرم نيوز

ويقول بائع الأعشاب محمد زند الحديد، لـ"إرم نيوز": "هناك أكثر من 400 نوع من الأعشاب الطبية، ويستخدم بعضها في المعالجة أو صنع العطور والتوابل، وتعتبر من متطلبات البيت الدمشقي التي لا يُستغنى عنها".

سوق البزورية
سوق البزورية إرم نيوز

تأثير العجز المالي في الطقوس الرمضانية

وتظهر على زائري السوق اليوم، علامات الحيرة نتيجة الأسعار المرتفعة، وتلتقط الكاميرا، معظمهم وهو يغادر المكان خالي الوفاض، أو يحمل جزءا بسيطاً من الأطايب المعتاد على شراء كميات كبيرة منها في السابق.

ويضطر معظم السوريين، إلى تغيير طقوسهم الرمضانية بسبب الغلاء، وفي مقدمتها صناعة المعمول الذي غادر قائمة الحلويات المنزلية بعد غلاء الطحين، والسكر، والتمر، والسمن، وبقية المستلزمات.

طفل أمام أحد محال سوق البزورية
طفل أمام أحد محال سوق البزورية إرم نيوز

ويقول محمد سعيد، صاحب محل يبيع المواد الأولية لصناعة الحلويات المنزلية، لـ"إرم نيوز": "من كان يشتري المواد اللازمة لصناعة ثلاثة كيلوغرامات من المعمول، يكتفي اليوم بكيلو واحد.. وبعضهم أقلع عن هذه العادة نهائيًّا".

ويتحدث البائع التسعيني أبو محمد، صاحب أحد محلات البزورية، لـ"إرم نيوز" قائلاً: "مثلما ترى، الحركة ضعيفة في السوق. وبسبب الوضع الاقتصادي، استغنى الناس عن بعض عاداتهم بهدف التقتير".

يؤكد أبو محمد، أنه قضى عمره منذ أن كان طفلاً في السوق، لكنه لم يشهد مرحلة شحّ تعصف بالناس مثل اليوم، خاصة في رمضان.

بائع من سوق البزورية
بائع من سوق البزورية إرم نيوز

ودخلت بعض المنتجات الرمضانية، قائمة المستحيلات بالنسبة للسوريين، بعد أن كانت من ضروريات رمضان، مثل الراحة الشامية التي يصل سعر الكيلوغرام منها إلى 250 ألف ليرة، والملبّس الدمشقي بعد أن بلغ 60 ألفاً.

ويقول بعض مرتادي السوق، إن تعلقهم بالقدوم إلى هنا، مرتبط بحبهم للعادات المتوارثة عن الأجداد، فالمعمول والملبّس الشامي والراحة، يمكن الاستغناء عن استهلاكها، لكن التخلي عن طقوسها الاجتماعية صعب جدًّا.

وبحسبة بسيطة، يستطيع الموظف براتبه، شراء كيلوغرام واحد من الراحة الشامية، شرط أن يكمل بقية الشهر بلا مصروف.

مشهد من سوق البزورية
مشهد من سوق البزورية إرم نيوز

ويستعصي سوق البزورية اليوم، على جيوب معظم السوريين المصنفين بالأقل دخلاً في العالم. فيعدل بعضهم قائمة الأولويات، وآخرون يشطبون منها بنوداً كانت أساسية في الماضي.

ورغم تبدل أحوال الناس الاقتصادية، وتراجع قدرتهم على الشراء موسماً بعد آخر، إلا أن احتفاظ سوق البزورية بمعالمه القديمة، غير المتبدلة منذ مئات السنين، دفع الجدّ التسعيني أبو محمد للتأكيد على أنّ "الضائقة مؤقتة، وسبحان من باستطاعته تغيير الظروف بلحظةٍ، من حال إلى حال".

حيرة المستهلك
حيرة المستهلك إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com