متجر للعسل في اليمن
متجر للعسل في اليمنإرم نيوز

العسل اليمني يفقد قيمته على وقع تداعيات الحرب (صور)

في صدارة "سوق الطويل"، أقدم الأحياء التجارية بمدينة "كريتر" العتيقة في اليمن، يجلس الشاب حسن إبراهيم في صندوق سيارته التي تحوّلت إلى معرض صغير، وسط عبوات العسل مختلفة الأحجام، وصفائح دائرية تحوي خلايا شمع النحل، التي لا يملّ من فتحها وإغلاقها للزبائن القليلين، والكثير من المارّة المكتفين بالتذوق. 

حسن يقول إنه ترك مهنته كنحال متدرب، وقدم من مديرية ميفعة، جنوب شرق محافظة شبوة، إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، بعد أن كلفه عمّه النحال إلى جانب نجله الأصغر، بمهمة بيع العسل بشكل مباشر للزبائن، نتيجة تعثّر مفاوضاتهم مع الوسطاء التجاريين، الذين قال إنهم باتوا يستغلون حاجة النحالين لسداد ديونهم، ويشترون منتجاتهم بأثمان بخسة.

يتناوب الشابان على بيع محصول عدة مواسم من عسل الشوكيات والمراعي والصلّ، لتعويض خسائرهم المدفوعة على مدى فترة الإنتاج التقليدية، كحال عشرات المنتجين غيرهم، الذين باتوا يفضّلون بيع العسل بلا وسيط.

ولم يألف اليمنيون في كبرى المدن، رؤية سلعتهم الوطنية الإستراتيجية القديمة، الشهيرة على مستوى الإقليم والعالم، معروضة للبيع بشكل عشوائي في زوايا بعض الأسواق الشعبية، ما يجعل إقبالهم محدودًا على السيارات المتجوّلة، في ظل توافر متاجر متخصصة لبيع العسل، وهو ما يعقّد ورطة النحالين أكثر.

بيع العسل بمركبة متجولة
بيع العسل بمركبة متجولةإرم نيوز

فائض في السوق المحلية

وتواجه السوق المحلية فائضًا كبيرًا في الأعسال المعروضة داخليًا، في ظل اختلال التوازن بين العرض والطلب، جراء سلسلة التداعيات الناجمة عن الحرب، التي تسببت في إعاقة تصديره، وسط تردٍ اقتصادي غير مسبوق يحول دون وصول الكثير من اليمنيين إلى العسل الذي كان لا يغيب عن موائدهم، رغم تراجع أسعاره.

وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في العام 2020، إلى إنتاج اليمن المتراجع من العسل إلى 1.500 طن سنويًا، لإعاشة نحو 100 من مربي النحل، بعد أن كان إنتاج البلد قبل اندلاع الحرب يصل إلى 2614 طنًا في العام 2013.

يرى الخبير في مجال تربية النحل، عايش الأهدل، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن هناك جملة من التحدّيات التي أنتجتها الحرب، تنهك النحالين اليمنيين، بدءًا من صعوبة تنقلهم بين المناطق الرعوية نظرًا للظروف الأمنية، وارتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى التقلبات المناخية والزيادة الملحوظة في أعداد المقبلين على هذه المهنة، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية وتوقف الرواتب.

وأضاف: "حين يتمكن منتجو العسل من تجاوز كل تلك التحديات خلال مرحلة الإنتاج، فإنهم يصطدمون بصعوبات أخرى تتعلق ببيعه وتصديره".

ويتهم الأهدل، مجموعة من التجار الذين وصفهم بـ"معدومي الضمير"، بالتوجه نحو إغراق السوق المحلية بأعسال رديئة ومغشوشة وأخرى مصنّعة تُباع في كل شارع، على الرغم من تكدس العسل ذي الجودة القيّمة في مخازن كبار تجاره المحليين، "وبالتالي أصبح الكثير من النحالين اليمنيين لا يستطيعون بيع منتجاتهم محليًا ولا تصديرها، مثل ما حدث مع الكثير من منتجي عسل السدر الشهير هذا العام، ما دفع بعضهم إلى ترك هذه المهنة والبحث عن أعمال أخرى تعينهم وأسرهم على المعيشة".

وأكد أن "الحرب منذ اندلاعها، تسببت بانفصال سلسلة القيمة للعسل اليمني، وانقطع التواصل بين المنتجين والتجار المحليين والخارجيين، بسبب صعوبة التصدير والظروف الداخلية".

وقال إن استمرار هذه التحديات في ظل انعدام الرقابة من الجهات المسؤولة، وغيابها عن سنّ القوانين المنظمة لبيع الأعسال في الأسواق المحلية، بشكل يليق بالمنتج الوطني ويحافظ عليه، "هو أمر مؤسف وواقع مُعاش يهدد هذه المهنة التاريخية بالاندثار".

جانب من عمليات إنتاج العسل
جانب من عمليات إنتاج العسلإرم نيوز

قيود داخلية

ويقول رئيس ومؤسس الرابطة التعاونية للنحالين اليمنيين، عبدالله ناشر، إن سبب تكدس العسل في السوق المحلية، مرتبط بشكل رئيس بالقيود والاشتراطات التي وضعت، خلال السنوات الأخيرة، من قبل الدول المستوردة، وتكاليف التصدير الباهظة، إضافة إلى القيود الداخلية المفروضة، منذ العام 2014، على تحرك كميات العسل بين المحافظات، إذ يواجه منتجوه تحديات كبيرة في ظل تعدد السلطات في الداخل اليمني وسلسلة إجراءاتها التي تُرهق النحالين ماديًا وأمنيًا، وتحدّ من تنقلاتهم.

وأشار ناشر في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى محاولات عديدة بذلتها الرابطة التعاونية في تذليل بعض الصعوبات، إلا أنها لم تتمكن من حل إشكالية "الزكاة" المفروضة على النحالين المتنقلين في المحافظات الشمالية من البلاد، التي باتت تؤرق منتجي العسل.

وقال إن "الهيئة العامة للزكاة في سلطة صنعاء، لا تعمل وفق القانون اليمني رقم (2) لسنة 1999، الذي ينصّ في مادته رقم (16) على أن الزكاة في عسل النحل، تكون واجبة إذا بلغ نصاب الإنتاج 70 كيلو جرامًا، بأن يؤخذ نصف العُشر، أي 5% من صافي الإيراد بعد خصم النفقات والتكاليف، ويقولون إنهم ملتزمون بالشرع، وبسبب ذلك لم نتمكن من حلّ هذه المشكلة حتى الآن".

نحالون يمنيون
نحالون يمنيونإرم نيوز

اشتراطات التصدير

ويعتقد رئيس جمعية النحالين وتجار العسل في اليمن، عبدالله يريم، أن المعروض من العسل محليًا أكبر من حجم الطلب، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية وتراجع القدرة الشرائية لدى الفرد اليمني، في حين أن الأنواع الفاخرة من العسل اليمني تجد طريقها للبيع.

وقال في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن المعروض في الأسواق المحلية لا يصل إلى التكدس الكبير، لكنه يعزيه إلى قيود الاستيراد من اليمن التي تمنع وصول أي طرود متجهة إلى أوروبا، سواء كانت عسلًا أو غيره، كما أن شركات الشحن العالمية لا تقبل نقل العسل من اليمن إلا برسوم خيالية، فضلًا عن غزارة الإنتاج المحلي في بعض المواسم ما يتسبب بحدوث فائض عن حجم الطلب وتراجع في قيمته المادية.

وبيّن يريم، أن العسل اليمني لا يزال يُصدّر إلى دول الإقليم، لكن بصعوبة كبيرة، بسبب الاشتراطات الصحية، التي تتطلب بشكل أساس شهادة فحص العسل وجودته، في حين لا يوجد سوى مختبر أو مختبرين معتمدين في اليمن، ويتم تأخر نتائج العينات ورفض قبول بعضها أحيانًا بسبب حالة الزحام.

وتطرق إلى إمكانية حلّ هذه الإشكالية عبر مشروع استثماري، من خلال إنشاء شركة متخصصة في تصدير العسل، تكون مرخّصة من جهات الاختصاص، ولديها مختبرات حديثة لفحصه وإصدار شهادات الجودة، وتملك معامل لتغليف هذه المنتجات وإيصالها إلى وجهتها بشكل آمن وسليم.

بائع عسل متجول في أحد شوارع عدن
بائع عسل متجول في أحد شوارع عدنإرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com