تواجه مهنة "الكرّاب" أو "الساقي" العريقة في المغرب، مخاطر الاندثار، في ضوء التطورات التكنولوجية الحديثة التي تغولت على كثير من المهن، خصوصا التراثية منها.
وفي سبيل المحافظة على هذه المهنة، يجوب محمد ساحة "الحمام" وسط مدينة الدار البيضاء، حاملاً على صدره قربة جلدية صُنعت بإتقان من جلد الماعز، وفي يده جرس يكسر صداه ضوضاء وسائل المواصلات، ليسقي بعض السياح الفرنسيين شربة ماء، ويمنحهم فرصة التقاط صور تذكارية بقبعته المكسيكية الشكل مقابل دريهمات قليلة.
ويُلخّص هذا المشهد القصير كيف تحولت مهنة "الكرّاب" التي يزاولها محمد منذ عقود من عنصر أساسي لتزويد السكان - خاصة الأحياء الشعبية – بماء الشرب، إلى مهنة أصبحت رمزاً فلكلورياً مهددة بالانقراض.
"مهنة ثانوية"
ويقول هذا الرجل الستيني والابتسامة تغطي محيّاه، في حديثه مع "إرم نيوز"، إن مهنة "الكرّاب" باتت مهددة بالزوال، رغم أن شهرتها تجاوزت الحدود، مشيراً إلى أن مظاهر الحداثة التي طرأت على بنية المجتمع جعلتها مهنة ثانوية.
وأضاف محمد الذي يمارس هذه المهنة منذ سنوات طويلة ويرتدي هنداما أحمر مزركشا، والتي ورثها عن أجداده: "مهنتنا كانت في السابق من الضروريات في الأحياء والساحات والأسواق الشعبية وغيرها، لكن ولعدة عوامل أصبحت تعتمد على أفواج السياح، أو أولئك الراغبين بالتبرع بأموالهم.
وتحاول مؤسسات فندقية وبعض المطاعم الشهيرة بالمدن السياحية المغربية، على رأسها مراكش وأغادير وطنجة، الاستعانة بـ"الكرّاب" لتنشيط السياحة؛ إذ يرى السائح في هذه المهنة العتيقة رمزًا تقليدياً يُميز المغرب.
مهددة بالإنقراض
ورغم ذلك، تواجه هذه المهنة الضاربة في عمق التاريخ المغربي معوقات عديدة تهددها بالانقراض.
وقال علي شعباني الباحث في علم الاجتماع، إن "الحديث عن هذه المهنة القديمة يتطلب ربطها بسياقها التاريخي في المغرب"، مشيراً إلى أن "المنازل سابقاً لم تكن مزودة بصنابير، في حين إن الماء الذي كان يصل إلى البيوت آنذاك يقوم بنقله (الكرّاب) من الآبار السليمة، وهنا كانت تكمن أهمية هذه المهنة وخصوصيتها.
وأوضح شعباني في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تطور البنية التحية في المدن المغربية ووصول الماء بسهولة إلى المنازل، غيّب دور مهنة "الكرّاب"، وأصبح العامل في هذه المهنة مضطرا لتغيير مساره، والاتجاه نحو الساحات والأسواق الشعبية لسقي الناس مقابل أجر زهيد.
وبين بأن "هذه المهنة أصبحت مع مرور السنين لا تكفل لأصحابها سبل العيش الكريم في ظل ظهور قوارير المياه المعدنية"، لافتا إلى أن ذلك "جعل الكراب مهنة مهددة بالاندثار.
ورأى شعباني أن "الهندام" الذي يُميز "الكرّاب" ربما هو النقطة المضيئة التي مازالت تنعش آماله للبقاء وتساعده في تحريك عجلته الاقتصادية، حيث ينجذب السياح الأجانب إلى لباسه غير المألوف المزين بخيوط برّاقة، وطربوشه الكبير، وقربته أو كما يسميها بعضهم بـ"الشكوة" المصنوعة من جلد الماعز والمزينة بالقطع النقدية النادرة، وكذلك الأقداح النحاسية التي توضع على صدره.
وقال إن هذا الزي "الفلكلوري" يثير إعجاب السياح ولهذا نجدهم يتهافتون للالتقاط صور تذكارية مع هذه الشخصية التي استهوت حتى الرسامين.