"مال القبان".. حكاية مركبة تُسخِّر الاقتصاد لخدمة الدراما
يتابع مسلسل "مال القبان" لكاتبيه علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج سيف الدين سبيعي تشويق الجمهور بخطوط درامية جديدة ومفاجآت من العيار الثقيل، تغذّي العمل وترفع أسهمه في السوق الدرامية، خاصةً مع حكاية تنهل من مجتمع سوق الهال، باعتباره المورِّد الأساس للسلة الغذائية للسوريين.
ليس ذلك فقط بل جَعَل الكاتبان من هذا السوق انعكاسًا لبورصات التجار وسمسرتهم على لقمة العيش، كل هذا من أجل زيادة أرباحهم، جاعلين من المال متلازمة حيوية مع حياة البشر، فكيف إن تمَّ توظيفه بذكاء مع مرادفتها "مَالَ" تعبيرًا عن الغش والصفقات من تحت الطاولة والتلاعب بقوت السوريين.
أزمات مركَّبة يطرحها العمل انطلاقًا من الوضع الاقتصادي السوري وتدهوره، ومنه ينطلق نحو أزمات اجتماعية أكبر، تتمثل بالمضاربات والاستغلال والسمسرة والإمعان في تحقيق المكاسب على حساب المواطن العادي الراكض وراء لقمة عيشه، ويتعزز الجشع من خلال استثمار الواقع السياسي في سوريا ولبنان والعراق وجعله ذريعة لزيادة أرباح تجار السوق.
ووفق هذه المعطيات، نلاحظ اشتداد الصراع بين "نعمان الزير" (بسام كوسا) و"أبو عمار" (نجاح سفكوني) الذي فاز مرّة بمزاد "البصل"، حتى يقترب من تكسير العظم، خاصةً مع احتكار المواد لزيادة أسعارها، كما إن هناك صراعًا دمويًّا بين الزير وشخصية "عزيز" (سعد مينا) تاجر السلاح، وتتكشف ملامحه شيئًا فشيئًا، قبل أن تظهر حقيقة أن عزيز هو ابن نعمان من زوجته الأولى "عدوية" التي هربت من ظلمه وقسوته.
وإلى جانب ذلك تتصاعد الحكاية بعد الحلقة العاشرة بظهور الدكتورة "رغد" (سلاف فواخرجي) بعد أن كانت معتقلة في أحد سجون النظام لمعارضتها له وخرجت منه بعفو رئاسي، وبخط موازٍ نلحظ التوتر الذي يحصل مع مطالبتها بابنتها من القاضي فارس "خالد القيش" بعد أن اكتشفت أنه تزوج من صديقتها المقربة "نوارة الزير" (حلا رجب) وهي من قامت بتربية طفلتها.
ومع هذه الدراما المركبة التي تُصوِّر الواقع السوري بحساسية عالية، تبدو كاميرا سيف الدين سبيعي متوازنة في استعراضاتها لسوق الهال، والربط بين ما يحصل فيه، وما يجري داخل بيوت الشخصيات، فهناك خيط يربط بين العالمين، وهو ما يظهر عبر ما يعيشه أبطال العمل بجشعهم وطمعهم وعنفهم الذي يتنقل في الجهتين، مُفسحًا المجال للمزيد من التوتر الدرامي والتصعيد.
أداء لافت للأبطال
ويزيد من بهاء "مال القبان" الأداء المُذهل للممثلين من بسام كوسا إلى سلاف فواخرجي إلى موفق الأحمد وسليمان رزق ويامن الحجلي وخالد القيش ووسام رضا والممثلة اللبنانية ختام اللحام وغيرهم، بحيث نقتنع معهم بحقيقية صراعهم ومشاعرهم، ونعيش حيواتهم الظاهرة والداخلية، ونحس بأوجاعهم ولواعج نفوسهم.
كاريكترات خاصة ربما نمر بها في حياتنا لكننا لا ننتبه لها ولعمق الدراما الكامنة فيها، قدمها هذا العمل في اقتحامه لعوالم خاصة، لم يسبق للدراما السورية أن اخترقتها، مُحققًا معادلة الجِدّة على الصعيد البصري، وإدغامها بالواقع الاقتصادي السوري المرير، والطاعنين في زيادة مرارته، لتكون الحكاية بتراكبيَّتها مبشِّرة بمزيد من التصعيد في الخطوط الدرامية جميعها، خاصةً مع حبكة متقنة وأحداث محفزة وشخصيات قادرة على مفاجأتنا باستمرار.
