بن غفير: تم توزيع 170 ألف قطعة سلاح على الإسرائيليين خلال 8 أشهر
تواجه "مخطوطات شنقيط" الشهيرة في موريتانيا خطر الاندثار والدفن تحت رمال الصحراء، نتيجة التغيرات المناخية، فيما تُعدّ شنقيط وجهة مئات الباحثين، ويصفها البعض بأنّها "سوربون الصحراء".
وفي هذه المدينة التي تعبق منها رائحة التاريخ، توجد مكتبات صغيرة بجدرانها الحجرية وتمثّل قبلة الباحثين في التاريخ، تختزن على امتداد قرون مخطوطات ثمينة وآلاف الأعمال التي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر ميلاديا.
ويعتبر الباحثون أنّ شنقيط هي "بوابة الصحراء"، حيث تقع شرق البلاد، وهي مفترق طرق تجاري وثقافي عبر الصحراء الكبرى، ما دفع البعض إلى وصفها بـ"جامعة سوربون الصحراء"، حيث تحتوي على آلاف المخطوطات النادرة.
لكن هذه المدينة القديمة المحصّنة تشهد زحفا لكثبان الرمال التي باتت تغطّي بعض أشجار الفاكهة والمزارع المنتشرة هناك، مما يهدّد أيضا بدفن أجزاء من هذه الكنوز التي تعتبر جزءا من الذاكرة الشعبية الموريتانية.
وأثر الطقس سلباً، ولا سيما هبوب الهواء الجاف وتكاثر النمل الأبيض على هذه الأعمال الرائعة المكتوبة على جلد الماعز أو الإبل والورق الأصفر الذي يعود إلى العصور الوسطى، وبدأت هذه الأوراق تتشقق أو تُتلف جزئيا.
وتقع مكتبات شنقيط الستة عشرة، بين مباني العصور الوسطى بأبوابها الخشبية الكبيرة وبين أطلال المدينة، حيث يجد الباحثون صدى لتسلسل العائلات الموريتانية وصولا إلى القرن الرابع عشر ميلاديا، عندما بدأت المنطقة في ترسيخ نفسها كمدينة رائدة في التجارة عبر الصحراء، حيث كانت قبلة لتجار الملح أو الصمغ العربي أو التمور القادمين من مصر أو العراق أو المغرب.
ومنذ ذلك التاريخ عكف علماء المدينة على توثيق تراثها الشفوي عبر مخطوطات هي بمثابة الدّرر التي يقبل عليها التجّار، حتّى أنّ أحد سكان المنطقة يؤكد أنّ هناك رواية تقول إنّ "حبّ الكتب جعل الناس يستبدلون طبعة نادرة بثمنها ذهبا" بحسب ما نقلته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
ومن أشهر المكتبات في هذه المدينة مكتبة مولاي محمد ولد أحمد الشريف، وتمكنت عائلة الشريف من حفظ 1300 مرجع مخطوط، تتراوح موضوعاتها بين علوم الشريعة والفلك والرياضيات والشعر وغيرها، حيث كانت تُدار المدارس القرآنية.
كما قامت عائلة الهاموني بجمع المخطوطات بصبر على مرّ القرون، ولم تكتف هذه العائلة بشراء الأعمال النادرة التي مرت بشنقيط فحسب بل استغلّت قوافل الحجاج الذين تجمعوا على أبواب الصحراء للمغادرة إلى مكة، وأرسلوا الشباب للقيام بهذه الرحلة التي تستغرق ستة أشهر لنسخ أي مرجع مُتاح.
وفي نهاية القرن الثامن عشر، كانت هذه العائلة قد جمعت آلاف المجموعات الثمينة في المنزل الذي تحول إلى مكتبة، أو هو أشبه بـ "بنك معرفة" وهو مكتوب بالخطوط العربية المختلفة في العالم وقد تم تناقله من الأب إلى الابن وفقًا للعادات.
ويقول كهل أربعيني لصحيفة "لوفيغارو" وهو سليل هذه العائلة: "في العادة، يكون الأكبر في العائلة هو الذي يصبح الوصي على المخطوطات، ولكن مع العولمة وتطوّر الأمور تراجع الحماس بعض الشيء"، مضيفا: "ابني يدرس شهادة البكالوريا في نواكشوط، ولا أتمنى له أن يصبح مسؤولاً عن المكتبة، إنها ليست وظيفة، عليه أن يعيش حياته".
وبعد دراسته في العاصمة الموريتانية، عاد هذا الرجل الشغوف بالأدب وخاصة الشعر الكلاسيكي، إلى شنقيط ليصبح الوصي الجديد على كتب عائلة الهاموني، مع الحفاظ على وظيفته الحقيقية وهي مدير مستشفى محلي، أمّا معظم القيمين الآخرين في المكتبة فهم من المتقاعدين، ويحصلون على أجورهم إلى حد ما من قبل الأسرة والسياح الذين يزورون المكتبة من باب الاطلاع.
وفي جميع أنحاء موريتانيا هناك ما يقرب من 40 ألف مخطوطة نادرة تم جمع عدد كبير منها في هذه المكتبات، بينما ضاعت كثير من المخطوطات، لا يمكن حصرها على وجه الدقّة، حتّى أنّ عدد المباني الموجودة اليوم في شنقيط تتقلّب بشكل كبير نتيجة التصحّر.
وتتحدّث دراسة أجريت عام 2015 عن وجود أكثر من 3000 مخطوطة، لكن عمدة المدينة محمد عمارة، يؤكّد أن مدينته هي موطن لأكثر من 12000 كتاب قديم، ولا يزال يتعين اكتشاف الكثير منها في المنازل القديمة المهجورة.
ويبدو أن هناك إجماعًا بين القيّمين على المخطوطات بأنها تصل إلى 40.000 مخطوطة في جميع أنحاء موريتانيا، حيث تم جمع معظمها من قبل المعهد الموريتاني للبحث العلمي، وهو هيئة حكومية، وتنتشر هذه المخطوطات بشكل رئيس في المدن القديمة.