أوستن لغالانت: هناك حاجة إلى التحول من العمليات العسكرية في لبنان إلى المسار الدبلوماسي
القاهرة - حين كتب نجيب محفوظ في سنواته الأخيرة (أحلام فترة النقاهة) و(أصداء السيرة الذاتية) انتبه كثيرون من نقاد الأدب إلى قدرة التكثيف الشعري على تلخيص مشهد بتفاصيله أو أفكاره المتعددة في عدد قليل من الكلمات.
وبعد سنوات من تصدر الرواية للمشهد الإبداعي العربي على حساب القصة القصيرة ظهر في الآونة الأخيرة مصطلح "القصة الومضة" كجنس أدبي يعتمد في السرد على إضاءة لحظة إنسانية بإيجاز شديد يكشف عمق المفارقة بسرعة أقرب إلى ومض البرق.
وتجسد (حكايات الحب الأول) للكاتب المصري عمار علي حسن نموذج القصة الومضة التي لا تزيد أحيانا على سطر ونصف السطر. كما تعبر عنه هذه الحكاية..
"كلما ذهبت إلى الصيد يرتسم وجهها الساحر أمامي على صفحة الماء فألملم شصي وأعود بلا زاد".
و(حكايات الحب الأول) تضم 100 قصة قصيرة جدا محورها الوحيد هو الحب الأول المرتبط بسنوات البراءة وكيف يظل محتفظا بألقه ووهجه الأسطوري ويلوح لصاحبه فينعش ذاكرته ويعيد إليها القدرة على الدهشة والحنين.
والمجموعة التي أصدرتها الدار المصرية اللبنانية في القاهرة تقع في 103 صفحات متوسطة القطع ويمكن قراءة قصصها متصلة أو منفصلة دون ترتيب.
والمؤلف باحث وأديب نال جوائز عربية ومنها جائزة الشيخ زايد للكتاب في العلوم الإنسانية عام 2010 عن كتابه (التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر) وجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عام 2011 عن مجموعته القصصية (همس خفي).
وتتنوع القصص بين لحظات تستدعيها الذاكرة أو نصيحة كاشفة تداوي جراحا قديمة مثل الحكاية التي يقول نصها..
"قال لي شيخي: يخلد الحب حين يسكنه الألم.
فنسيت كل أوجاعي فجأة وغمرتني سعادة وطرت إلى آخر السماء وأنا قابض على ألمي حتى لا يتساقط مني في وجه الريح".
وبعض القصص تتلخص في جملتين حواريتين بين شخص وذاته الأخرى أو لاوعيه في إعادة صياغة لأسطورة سيزيف الذي لا يكاد ينتهي من الصعود بالصخرة إلى أعلى الجبل حتى تسقط من جديد..
" - من هذا الرجل الذي يجلس كل يوم وقت الغروب عند تلك الربوة التي تعتلي كل شيء مادا يديه كي يسحب شيئا لا نراه؟
- إنه أنا. أحاول أن أجر الأيام لألقاها عند البدايات. لكن الربوة تعلو بي جامحة والحبال تنقطع مع إقبال الليل".
ويسعى بعض القصص إلى الغوص في أعماق الروح بحثا عن طيف حب قديم أو اختلاقه ثم تصديقه كما في القصة الأولى التي تتصدر المجموعة وفيها يرن الهاتف ذات صباح فيأتي صوت أنثوي يختصر عشرين عاما من الفراق ولا تقول صاحبته سوى "نعم أنا" فيسألها بطل القصة من أين تتحدث؟ فتجيب "من داخل نفسك التي لم أفارقها".
ورغم استخدام عمار علي حسن للغة متقشفة تخلو من الزوائد والبلاغة التقليدية فإن السرد في الغالب دافئ يحنو على القارئ الذي يشارك البطل في استمتاعه بلوعة الحب الأول ويستبدل بذلك الحب طيف الحبيبة الأولى ولو في مثل هذا الحوار القصير..
" -تآكلت روحي من عذاب الانتظار.
ابتسمت وقالت بصوت مخنوق حزين: أما أنا فأموت كل لحظة من ترويض النسيان".