إدلب السورية.. إقبال على احتضان الأطفال اليتامى لتلافي ويلات الحرب
إدلب السورية.. إقبال على احتضان الأطفال اليتامى لتلافي ويلات الحربإدلب السورية.. إقبال على احتضان الأطفال اليتامى لتلافي ويلات الحرب

إدلب السورية.. إقبال على احتضان الأطفال اليتامى لتلافي ويلات الحرب

خلّفت الحرب الدائرة في سوريا، وتحديدا بمحافظة إدلب شمال غرب البلاد منذ سنوات، أعدادا كبيرة من الأطفال اليتامى، ما عرضهم لسوء الرعاية والاهتمام.

ولجأت عوائل ونساء مقيمات في إدلب، لاحتضان هؤلاء الأطفال، حتى يتمكنوا من العيش ضمن أجواء وبيئة أسرية تقيهم من تبعات اليتم والتشرد.

وتستذكر ختام العذاب (35 عامًا) الحالة السيئة التي كان يعيشها الطفل اليتيم (مهدي جمعة) قبل أن تلجأ لاحتضانه والاهتمام به.

وقالت "العذاب": "كانت الساعة الواحدة ليلًا حين وجدت الطفل الذي لا يتجاوز 4 سنوات من عمره يفترش الطريق".

وأضافت: "كانت ثيابه مهترئة وحذاؤه ممزقا، وكان وضعه الصحي أيضا سيئا بسبب حمى شديدة ناتجة عن نزلة برد".

من جهته، ذكر الطفل اليتيم: "صحيح أنني فقدت والديّ إلا أنني أعيش ضمن عائلتي الثانية"، في إشارة إلى المعاملة الجيدة التي يحصل عليها خلال سكنه مع العائلة التي احتضنته وأمنت له كافة سبل الرعاية والحنان.

وأشارت "ختام" لـ "إرم نيوز" إن "عاطفتها الإنسانية ولهفتها تجاه الطفل جعلتها تتخذ قرار الاحتضان الذي شجعها زوجها عليه، خاصة وأنهما لا يستطيعان الإنجاب بسبب عقم زوجها وحالته المستعصية بحسب الأطباء".

وأوضحت أن "الطفل مهدي فقد والديه بغارة جوية استهدفت منزلهم في مدينة معرة النعمان قبل ساعات من نزوح سكان المدينة، حيث عملت فرق الإنقاذ والمنظمات الإنسانية على إجلاء الطفل برفقة العوائل والسكان إلى مناطق أكثر أمنًا، ليواجه بعدها أعباء اليتم والضياع".

وأكدت "العذاب" أنها "تشعر بسعادة كبيرة حين تنظر إلى الطفل الذي غدا متفوقًا في مدرسته التي حصل فيها على المرتبة الأولى بعمليات الحساب الذهني".

وبينت أنه "لا يمكنها أن تتخيل حياتها دونه بعد اليوم، لما له من مكانة خاصة لديها هي وزوجها".

ولا تخفي ختام العذاب نيتها في الاستمرار برعاية الطفل والاهتمام به حتى يبلغ أشده، وينهي تحصيله العلمي، الذي سيمكنه من الاعتماد على نفسه دون حاجة إلى أحد.

وقدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بنحو مليون طفل، منذ بدء الحرب السورية العام 2011 وحتى نهاية العام 2017.

ووصف المنظمة ذلك بـ "كارثة بكل المعاني".

وبحسب إحصائية لفريق "منسقو استجابة سوريا" فإن أعداد الأطفال الأيتام في محافظة إدلب وشمال غرب سوريا، بلغ أكثر من 200 ألف طفل فقدوا ذويهم وشردتهم الحرب الدائرة في المنطقة.

وبالقرب من مخيمات دير حسان الحدودية شمال إدلب، تعيش آية الشاكر (35 عامًا) برفقة أولادها الثلاثة، وطفلي أخيها الذي قتل مع زوجته بقذيفة مدفعية سقطت بالقرب منهم في أحد الأسواق الشعبية في مدينة سراقب شرق إدلب.

وتجد الشاكر نفسها المسؤولة الوحيدة عن تربيتهما بعد مقتل والدهما.

وقالت لـ "إرم نيوز" إنه" بعد مقتل شقيقي وزوجته كان لا بد لي من احتضان الطفلين، خاصة وأنني بت المسؤولة الوحيدة عنهما في ظل عدم وجود أي أقارب آخرين لهما، فهما الآن يتلقيان الرعاية والتعليم شأنهما شأن أطفالي الآخرين".

وأضافت النازحة أنها "لن تتخلى عن الطفلين مهما كانت الظروف، إذ إنها ستبقى متمسكة بكفالتهما والاعتناء بهما على الرغم من الحالة الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها في ظل إعاقة زوجها المقعد وعملها على ماكنة الخياطة بأجور زهيدة لا تتجاوز 50 ليرة تركية يوميًا".

ويعيش محمد (8 سنوات) ولجين (6 سنوات) مع عمتهما بيئة أسرية خصبة تضمن لهما حياة كريمة بعيدة عن واقع اليتم والفقدان.

كما أنهما يتلقيان تعليمهما في إحدى المدارس القريبة من المخيم الذي يعيشان به، وهو ما خفف عنهما حدة معاناتهما النفسية والاجتماعية الناتجة عن الفقدان.

"واجب إنساني"

من جانبه، احتضن سهيل عرفات (28 عامًا) وهو من سكان مدينة إدلب، الطفلة (جنى) حين كانت في الأشهر الأولى من عمرها.

ونجت الطفلة بأعجوبة من غارة جوية استهدفت منزل ذويها، في حين لقي جميع أفراد عائلتها حتفهم في تلك الحادثة.

وقال "عرفات" في وصف تفاصيل الحادثة التي يصفها "بالدامية": "كانت لحظات مرعبة، عائلة كاملة دفنت تحت الأنقاض، سمعت من بين ركام المنزل المهدم بكاء طفلة حديثة الولادة، هرعت مع فرق الإنقاذ لاستخراجها لتكون الناجي الوحيد من عائلتها المؤلفة من خمسة أشخاص".

وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "قرار احتضان وكفالة الطفلة جاء من دافع وواجب إنساني، خاصة بعد أن كُتِب لها عمر جديد وتمكنت من إنقاذها، لتعيش مع أبنائه حياة الأخوة دون أي تمييز أو فرق بالمعاملة".

وأكد: "جميعهم أولادي وآمل أن يحصلوا على التربية الصالحة".

وأشار إلى أنه "رغم النصائح والإرشادات من المجتمع المحيط بضرورة إيداع الطفلة في إحدى دور الأيتام، إلا أنه أصر على الاعتناء بها وكفالتها وتقديم كل سبل الرعاية الصحية والاهتمام لها".

وبين أنه "اكتشف أن العائلة المنكوبة نازحة من ريف دمشق ولا يوجد للطفلة أي أهل أو أقارب".

ولفت إلى أن "من واجبه كإنسان الاعتناء بطفلة يتيمة دون سند أو معيل، ما سيحميها من تبعات اليتم والتشرد وفقدان حنان وكنف الأهل، إذ إن قرار احتضانه للطفلة كان الأمثل لمنع مستقبلها وحياتها من الضياع والدمار".

ولاقت فكرة الاحتضان إقبالًا كبيرًا من الأهالي والسكان في محافظة إدلب، لما لها من آثار إيجابية على العائلة والفرد والمجتمع ككل، بحسب جواهر السعيد (43 عامًا)، وهي مديرة إحدى دور الأيتام شمال إدلب.

وقالت السعيد إن "فكرة الاحتضان تعد وسيلة مثلى للحفاظ على مستقبل الأطفال الأيتام الذين حرمتهم الحرب من العيش ضمن أجواء أسرية مستقرة بعيدة عن التشتت والانحراف".

وأضافت أنها "تسهم في تسوية سلوكيات وتفكير وأفعال الأطفال الذين حرموا من التربية الأسرية والاجتماعية الصحيحة".

وأشارت إلى أن الواقع التعليمي والاجتماعي والنفسي للأطفال الأيتام يدخل في إطار سياسة التهميش، جراء عدم اهتمام سلطات الأمر الواقع والمنظمات الإنسانية والإغاثية لهذه الفئة التي أسهمت الحرب في تبديد جميع آمالها وطموحاتها.

وتابعت: "وسيلة الاحتضان أو الكفالة لليتيم هي من الواجبات المحببة في الشريعة الإسلامية، على خلاف التبني الذي يعد من المحرمات".

وأردفت: "يعتمد الاحتضان على الاحتفاظ باسم ونسب الطفل وتقديم كافة سبل الرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية له، شأنه شأن أي فرد من المجتمع".

وذكرت أن "هذه المبادرات تسهم في تلاشي العديد من الظواهر الشاذة والمنتشرة في إدلب، كظواهر "أطفال الشوارع، والتسول، والانحراف، وتعاطي المخدرات، وغيرها العديد من الأفعال والطرق التي تؤدي بالطفل اليتيم إلى الضياع والشذود".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com