الصيد بطائر الباز.. قصص وأسرار هواية توارثتها الأجيال في تونس

يعتبر الصيد بطائر الباز ظاهرة راسخة لدى الكثير من سكان مدينة الهوارية الساحلية الواقعة في محافظة نابل التونسية، وهي من المناطق القليلة التي تطل على الغابة والبحر والجبال في آن معاً.

وتتمتع المنطقة بخصائص جغرافية جعلت منها وجهة محبذة للسياح وقبلة لهواة الصيد وتربية الطيور التي تختار جبال هذه المدينة وغاباتها مكانا مفضلا لأوكارها.

 وفي الهوارية، وهي أعلى منطقة في القارة السمراء، تطل على أوروبا وتحديدا على جزيرة صقلية بإيطاليا، لا تزال رياضة الصيد بالباز تشكل جزءا لا يستهان به من حياة سكان المدينة ممن توارثوا هذا النوع من الصيد عبر الأجيال، وتعلموا أصولها حتى صارت نشاطا خاصا بسكان تلك المنطقة دون غيرهم. 

 هواية ممتعة

ويمتاز الصيد بطائر الباز أو الساف، مثلما يسمى في تونس، بكونه هواية ممتعة ورياضة تتطلب الصبر والتركيز في الآن نفسه، ولكنه في النهاية نشاط يشمل كل ساكن لتلك المدينة الساحلية، بحسب فاهم الحديدي وهو أحد البيّازة (عبارة تطلق على الصيادين بالباز) في مدينة الهوارية.

وقال فاهم الحديدي لـ"إرم نيوز"، عن رياضة الصيد بالباز: "لا تكاد تخلو عائلة في مدينة الهوارية من وجود أحد أو بعض أفرادها ممن تعلق اهتمامهم بطائر الباز، وأصبح هذا الطائر الكاسر بمثابة الفرد من العائلة بينهم، هذه الهواية الممتعة توارثتها الأجيال منذ مئات السنين، حتى صارت إحدى الخصائص الحضارية."

وأضاف: "تعلمت هذه الرياضة عن والدي وعمي، هما من علّماني كيف أصطاد باستعمال طائر الباز، هذا النشاط ممتع ونحن بدورنا نسعى لأن نعلمه لأبنائنا."

وطائر الباز، وهو أيضا الباشق أو الساف، من الطيور المهاجرة، فهو خلال فصل الربيع يهاجر من جنوب أفريقيا ومن كينيا نحو المناطق المعتدلة في أوروبا، وخلال رحلته إلى أوروبا يصل إلى تونس، ويقيم في جبال الهوارية، تحديدا في شهر آذار /مارس وحتى نيسان/أبريل من كل عام.

ويتولى المولعون بالصيد بالباز في مرحلة أولى اصطياد هذا الطائر الموجود في أعالي الجبال وفي الغابات المجاورة، بطريقتين، إما باستعمال الشباك الثابتة التي يضعها الصياد فوق الأعشاب وبحكم أن لون الشباك عادة ما يكون من لون الأعشاب، فإن الطائر يقع فيها ليتم بعد ذلك الإمساك به.

أما الطريقة الثانية، فهي الصيد بالشباك المتحركة وهي شباك عمودية تثبت على مربعات خشبية، وعندما تحطّ الطيور لافتراس العصافير يتم سحب الشـباك والقبض على الباز.

 نظام خاص

 ويولي عشاق "البيزرة" أي الصيد بالباز أهمية كبيرة للمرحلة الثانية من تلك الرياضة، وهي ترويض ذلك الطائر وإطعامه وفق نظام خاص وتدريبه ليكون قادرا على اصطياد فريسته بشكل  سريع ومميز.

ويقول فاهم الحديدي الذي تعلم أصول "البيزرة" منذ نعومة أظافره، لـ"إرم نيوز": "ترويض الباز هي مرحلة مهمة وممتعة في ذات الوقت، حتى يكون هذا الطائر جديرا بالصيد لا بدّ من ترويضه وتدريبه والسهر على تغذيته، عندما يتلقى أجود أنواع الترويض يحط الباز على كتف صاحبه أو على رأسه، وهي إشارة إلى العلاقة المتينة بين الطائر ومروضه".

ويضيف: "عندما تكتمل فترة الترويض التي تمتد على 20 يوما تقريبا، يبدأ استغلالها لصيد الطيور، مثل السمان والزرزور وغيرهما، أما عملية الصيد فتتم من خلال انقضاض الباز على فريسته من مكان قريب وإحكام قبضته عليها إلى حين قدوم صاحبها لتسلمها."

ويساعد طائر الباز، فضلا عن ذلك، في تحديد مكان الطيور التي سيتم اصطيادها، كما يتميز بسرعة كبيرة في التحليق تصل إلى 300 كلم في الساعة.

وخلال هذه الفترة من كل عام تنطلق عمليات الصيد بالباز، حيث يوجد ما يزيد عن 500 بياز في محافظة نابل، من المنخرطين ضمن جمعية "البيازرة" وهي جمعية تسعى لتنظيم رياضة الصيد بالباز والحفاظ على هذا الموروث التاريخي اللامادي في المنطقة.

 ويختتم موسم الصيد بالباز بإقامة "مهرجان الهوارية للساف"، وهو تظاهرة سنوية تنطلق في أواخر شهر يونيو/حزيران، من كل عام ،وتتواصل على امتداد أسبوع تقريبا، حيث تَحفل المدينة بهواة الصيد بالباز، ويتم تنظيم مسابقات بين الصيادين، فضلا عن أنشطة موازية وعروض كثيرا؛ ما يستقطب السياح وعشاق الصيد والطبيعة.

وبحسب قانون جمعية البيازرة وقانون الحفاظ على الثروة الحيوانية وحماية سلالات الطيور في تونس فإن كل صياد لا يمكن أن يمتلك أكثر من طائر باز واحد يشارك به في موسم الصيد، وفي فعاليات المهرجان الوطني للصيد بالباز.

وتقتضي شروط المشاركة في مسابقات مهرجان الباز أن يقع إطلاق سراح كل طيور الباز عند نهاية المسابقة؛ وذلك حفاظا على التـوازن الطبيعي وحماية لها، ويتم ذلك تحت إشراف جمعية البيازرة ولجنة من وزارة الزراعة في تونس، على أن يحصل كل صياد على رخصة اصطياد طائر جديد في العام الموالي.