النقش على المعادن.. حرفة تقليدية تقاوم شبح الاندثار في تونس
النقش على المعادن.. حرفة تقليدية تقاوم شبح الاندثار في تونسالنقش على المعادن.. حرفة تقليدية تقاوم شبح الاندثار في تونس

النقش على المعادن.. حرفة تقليدية تقاوم شبح الاندثار في تونس

عندما تحملك قدماك إلى جولة في المدينة العتيقة لتونس أو مثلما يسميها التونسيون "المدينة العربي"، التي تشهد حركة نشطة في الأسواق والممرات الضيقة، تسترعي انتباهك حتما أصوات "طقطقة" المسامير التي تنبعث من محلات صناعة النحاس والنقش على المعادن التي أصبحت جزءا من تاريخ المدينة العتيقة ونشاطا يكاد يميزها.

وتعد حرفة النقش على المعادن من الحرف التقليدية القديمة في تونس، إذ تعود بداياتها إلى القرن الحادي عشر الميلادي.

ورغم مرور الزمن وتغير العادات لا تزال هذه الحرفة صامدة صمود تلك المحال الصغيرة والضيقة التي تبدو أنها متلاصقة بعضها البعض وسط مدينة تونس.



 

يجلس في مداخل المحال النحاسون والذين ينطلقون في ضرب الأواني والقطع المعدنية بمسمار ومطرقة صغيرة حتى تتحول إلى تحفة جميلة أو آنية بديعة يتم استعمالها في البيوت التونسية.

حرفة راسخة في التاريخ

وتبدو حرفة النقش على النحاس أو سائر المعادن مثل الذهب والفضة سهلة للوهلة الأولى، ولكنها تتطلب الكثير من التركيز والهدوء بحسب لطفي الغربي وهو أحد الحرفيين في النقش على المعادن في محله الموجود في قلب مدينة تونس.

ويقول لطفي الغربي لـ"إرم نيوز": "النقش على المعادن وتزويق النحاس وصنع الأواني والأطباق مهنة تتطلب أولا الغرام، لابد أن يكون النحاس يعشق تلك الحرفة، ويتطلب نقش آنية نحاسية أو طبق معدني الكثير من المراحل، إذ تبدأ بالحصول على قطع النحاس وسائر المعادن قبل تجويدها وتسويتها".

ويضيف: "ثم يتم إثر ذلك قطعها إلى أشكال دائرية أو مربعات أو غيرها بحسب شكل الآنية التي سيتم صنعها، والمرحلة الأخيرة هي النقش والتي تتطلب الكثير من الصبر والهدوء لرسم أشكال لحيوانات الصحراء مثل الجمل أو الغزال أو أشكال لرموز تقليدية لها مدلولها في تونس".



ويتابع: "الأواني المعدنية أو التحف النحاسية عادة ما يقتنيها الحرفيون كهدية، وعادة ما يتم نقش أسماء الأشخاص عليها، كثيرا ما يكون الإقبال عليها من السياح الأجانب الذين يبدون إعجابا كبيرا بما نصنعه ونقدمه."

وتعد صناعة النقش على المعادن من أقدم الفنون الحرفية اليدوية وأعرقها في تونس، والتي بدأت منذ العهد العثماني وكانت في أوائل ظهورها تقتصر على النقش على النحاس، ثم شملت كل المعادن ومنها الذهب والفضة.

وظهرت صناعة النقش على المعادن في محال تقليدية في أحد شوراع تونس العتيقة والذي أصبح يسمى سوق النحاسين، كما تكثر هذه الحرفة في محافظات تونس العاصمة والقيروان ونابل وسوسة وسيدي بوزيد خاصة.

التراث اللامادي العالمي

وفي التراث اللامادي العالمي وأمام الأهمية التاريخية والحضارية لحرفة النقش على المعادن أودعت تونس مؤخرا ملفا رسميا لتسجيل هذا النشاط" على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي للإنسانية لدى منظمة اليونسكو العالمية.

وقدمت تونس ملف "النقش على المعادن، الفنون والمهارات والممارسات" بالاشتراك مع 10 دول عربية هي: العراق والجزائر ومصر وموريتانيا والمغرب وفلسطين والسعودية والسودان واليمن، وذلك ليكون ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي.

وقال مسؤولون بالمعهد الوطني التونسي للتراث، إن إيداع ملف النقش على المعادن ضمن الأنشطة المرشحة للتسجيل على قائمة التراث الثقافي اللامادي هو بمثابة الاعتراف بمكانة هذه الحرفة اليدوية في الموروث الحضاري لتونس.

 

 



وبحسب المعهد التونسي للتراث، يسلط الملف التونسي الضوء على جملة المهارات والأساليب الفنيّة المرتبطة بمعالجة الذهب والفضة والنحاس والاستخدامات الاجتماعية للمشغولات المعدنية، ذلك بوصفها حاملة لذاكرة حية، ذات أبعاد فنية وحرفية واقتصادية على النحو الذي تكشف عنه ممارسة النقش اليوم بعدد من المدن والمراكز الحضرية التقليدية، مثل مدينة تونس العتيقة والقيروان وصفاقس وجربة وغيرها.

بدوره، كشف الدكتور عماد بن صولة، الباحث المتخصص في التراث أن إدراج النقش على المعادن ضمن عناصر التراث اللامادي العالمي من شأنه أن يبرز أهمية التقاليد الفنية والحرفية والهوية الثقافية لتونس.

وقال: "لكن للحفاظ على هذا المكسب لابد من تشجيع نشاط النقش على سائر المعادن وتحفيز الحرفيين في هذا المجال".

وأضاف بن صولة، الذي تولى صياغة ملف "النقش على المعادن: الفنون والمهارات والممارسات"، في تصريحات للتلفزيون الرسمي التونسي، أن حرفة النقش على المعادن من بين الحرف اليدوية التي تعد جزءا من تاريخ الصناعات التقليدية والفنون الحرفية التي ازدهرت في تونس.

وأشار إلى أن حرفة النقش تحتاج إلى مزيد من تشجيع الحرفيين لتظل رمزا للصناعات التقليدية والمهن الفنية في البلاد.

وكانت العائلات التونسية سابقا تستعمل الأواني النحاسية في الحياة اليومية حيث تحفظ فيها الأطعمة، كما تستعمل أيضا للزينة ويظهر ذلك من خلال المزهريات العتيقة، لكن القطع والأطباق النحاسية صارت اليوم بمثابة التحف وقطع الديكور، وأصبح استخدامها مقتصرا على أطباق وأكواب الشاي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com