في مفارقة نادرة.. برنامج لـ"هيئة الترفيه" السعودية يجمع المحافظين وعشاق الفنون

يتابع السعودي ماجد الجميل، وهو رجل محافظ في آرائه الدينية، أحدث برنامج لـ"هيئة الترفيه" في المملكة، والتي طالما تعرضت لانتقادات المحافظين الرافضين لتنظيم العروض الفنية والترفيهية والسماح للاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة.

فابن مدينة حائل الذي يضفي طابعاً دينياً على حسابه في "تويتر"، بنشر مقاطع فيديو وصور للحرم المكي بشكل مستمر، بدا معجباً -مثل كثيرين يشاركونه الآراء المحافظة ذاتها - ببرنامج الهيئة الحكومية التي تنظم من خلاله مسابقة لاختيار قراء للقرآن الكريم ومؤذنين بجوائز مليونية كبيرة.

البرنامج، الذي يحمل اسم "عطر الكلام"، أشرفت "هيئة الترفيه" على إجراء تصفياته الأولية بين نحو 43 ألف مشارك من 80 دولة، في خضم انشغالها بموسم الرياض الترفيهي الطويل وفعالياته الفنية والغنائية المتنوعة.

وبينما كانت الهيئة تتعرض للانتقادات من بعض المحافظين مع كل إعلان عن حفل غنائي أو فني يحضره جمهور مختلط من الجنسين ومن مختلف الأجيال، كان موظفوها يشرفون على المسابقة الدينية التي يخطط القائمون عليها لتكون الأبرز في العالم الإسلامي.

وحظي البرنامج، الذي ظهر للعلن على شاشة قناة "السعودية" الرسمية مع أول يوم من رمضان، بمتابعة كبيرة من داخل المملكة وخارجها، لكون المتسابقين ولجنة التحكيم يمثلون دولاً إسلامية عدة، إلى جانب الجاذبية الكبيرة للبرامج الدينية في الشهر الفضيل.

فرصة للشاب

ومن المرجح أن يكسب البرنامج مزيداً من المتابعين مع اشتداد المنافسة بين متسابقيه الـ 36، إذ سيحصل الفائز الأول في قسم التلاوة على جائزة خمسة ملايين ريال (نحو 1.3 مليون دولار)، فيما سيحصل الفائز الأول بجائزة الأذان على مليوني ريال (أكثر من نصف مليون دولار).

والاهتمام بالقرآن الكريم والتشجيع على حفظه، إلى جانب بقية العلوم الشرعية، أمر معروف عن السعودية منذ نشأتها قبل نحو 90 عاماً. واختتم أكبر بلد خليجي، الشهر الماضي، نسخة جديدة من مسابقة "جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن الكريم" المخصصة للجنسين.

لكن برنامج "عطر الكلام" يُعد أول برنامج ديني بجوائز هي الأكبر في العالم، وتنظمه هيئة الترفيه التي نجحت بالفعل في استقطاب محافظين كثر لمتابعة البرنامج، بعد انتقادات عدة اعتادوا توجيهها إلى الهيئة.

ومن بين المعجبين ببرنامج "عطر الكلام"، أبو فهد الانصاري، وهو معلم للقرآن الكريم وإمام مسجد في مدينة شقراء القريبة من الرياض العاصمة، وسط البلاد.

ويشكل البرنامج فرصة للشاب السعودي كي يستفيد من ملاحظات علماء دين متخصصين بالتلاوة بعدة قراءات من مختلف دول العالم الإسلامي. وقد نظمت هيئة الترفيه حضورهم إلى المملكة ليشكلوا لجنة تحكيم رفيعة المستوى من الناحية العلمية الدينية، وبينهم الكويتي مشاري العفاسي.

وإلى جانب جمهور المحافظين الجديد على "هيئة الترفيه"، يجد برنامج "عطر الكلام" جمهوراً كبيراً من عشاق الفنون والترفيه أيضاً، لا يرون في الفنون مخالفة لتفسيرات الشريعة الإسلامية التي يؤمنون بها.

وبدا أن عبده خال، وهو كاتب وصحافي وروائي سعودي معروف ومن مؤيدي الاهتمام بالفنون، بين جمهور "عطر الكلام"، وقال عند الإعلان عنه "هي فرصة جليلة في هذه المشاركة الكثيفة، أن نتدبر آيات القرآن كريم تلاوة، وفهماً".

البرنامج الأكبر

وكانت المفارقة الكبرى عندما انضم الفنان السعودي خالد عبد الرحمن، مطرب الأغاني الرومانسية المعروف، إلى المعجبين ببرنامج "عطر الكلام"، عندما قال لرئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، فور إعلانه عن البرنامج: "جزاك الله خيرا يا أبو ناصر، الله يثبت أجرك وأجر كل مسلم".

وسبق لبعض البلدان العربية والإسلامية أن نظمت مسابقات للقرآن الكريم والأذان، لكن البرنامج السعودي هو الأكبر من ناحية مجموع جوائزه المليونية البالغة 12 مليون ريال (3.1 مليون دولار)، إضافة إلى لجنة تحكيمه التي تضم علماء دين بارزين من عدة بلدان إسلامية، بينها مصر والسنغال وباكستان، فضلاً عن السعودية ذاتها.

ومع انتهاء موسم الرياض الترفيهي، عشية حلول شهر رمضان، يجد كثير من السعوديين، أنفسهم أمام شاشة التلفاز عند الخامسة عصرًا من كل يوم لمتابعة البرنامج، بعدما توقفت غالبية فعاليات الترفيه في العاصمة، وبات البرنامج الديني يستقطب مزيدًا من المشاهدين.

وقال شاب سعودي، يدعى سلطان، عقب مشاهدته الحلقة الأولى من البرنامج "بداية مباركة وجيدة جدّا مع الحكام والمشاركين، جميعهم ممتازون من كل دول العالم الإسلامي، جزاه الله الخير مَن فكّر وأنتج وعمل على مثل هذا البرنامج".