السعودية.. هل أسهمت وسائل الترفيه في انحسار ظاهرة "التفحيط"؟
السعودية.. هل أسهمت وسائل الترفيه في انحسار ظاهرة "التفحيط"؟السعودية.. هل أسهمت وسائل الترفيه في انحسار ظاهرة "التفحيط"؟

السعودية.. هل أسهمت وسائل الترفيه في انحسار ظاهرة "التفحيط"؟

ظلت ظاهرة "التفحيط" في الشوارع والطرقات العامة في السعودية، واحدة من الظواهر المثيرة للقلق على مدى سنوات طويلة، بذلت فيها السلطات جهودا مكثفة لمحاولة الحد منها لما ترتب عليها من مخاطر وحوادث تسببت بخسائر بشرية.

ويعود تاريخ نشأة هذه الظاهرة المثيرة للجدل إلى أكثر من 4 عقود، حيث كانت في البداية تعتمد على الاستعراض بالسيارات في الكثبان الرملية في صحراء الرياض، قبل أن تتطور وتنتقل إلى الطرقات والشوارع في المدن وتستقطب الكثير من هواة الاستعراض الجنوني بالسيارات رغم الخطر الناتج عنها.

و"التفحيط" هو قيادة السيارة بطريقة غير منتظمة وبسرعة فائقة والتمايل بها أو السير على عجلتين فقط أو الالتفاف بالسيارة حول نفسها، وهي جميعها أفعال مخالفة يعاقب عليها القانون السعودي.

وشكلت هذه الظاهرة مصدر قلق على الصعيدين الأمني والاجتماعي رغم الجهود التي بُذلت للبحث في أسبابها ومعالجتها من خلال حملات التوعية بسلبياتها ووضع المطبات الاصطناعية والحواجز الإسمنتية داخل المساحات السكنية، وإنشاء بعض الحلبات الخاصة وفرض عقوبات تصل إلى السجن والغرامة على من يمارس "التفحيط".

ولم تقتصر خطورة هذه الهواية على ممارسيها إنما كثيراً ما كانت تلحق أضراراً بالجمهور والمتجمعين لمشاهدة هذا الاستعراض الذي أكد كثير من الأخصائيين أن الحل للتخلص منه يحتاج إلى توفير بدائل لهواة "التفحيط" من الجنسين وليست عقوبات فقط.

ومع الانفتاح الفني والثقافي الذي شهدته المملكة في السنوات القليلة الماضية عقب إنشاء الحكومة السعودية هيئة الترفيه عام 2016، وتوفير وسائل ترفيهية من معارض وحفلات وفعاليات متنوعة، بدأت هذه الظاهرة بالانحسار تدريجيا، وبات تناولها والحديث عن ممارسيها في وسائل إعلام المملكة على نطاقٍ محدود.

ويؤكد كثير من الأخصائيين أن توفير وسائل الترفيه في المملكة التي كانت تحظر سابقاً إقامة الحفلات الفنية وفعاليات متنوعة وتفرض قيودا على الاختلاط، ساهم بشكل كبير في الحد من هذه الظاهرة التي كان لها نجوم في سنوات ماضية اتخذوا لأنفسهم ألقابا مختلفة ومنهم أحمد الشتيوي الملقب بـ"كنق النظيم" الذي لقي مصرعه أثناء ممارسته التفحيط عام 2016.

الترفيه ووسائل التواصل

وأكد الدكتور خالد الرديعان، أستاذ علم الاجتماع السابق في جامعة الملك سعود، أن "ظاهرة التفحيط قد تقلصت إلى حد كبير في المملكة في السنوات الخمس الأخيرة، وأحد أسباب هذا التقلص هو إدخال أنشطة ترفيهية، وبكثافة ملحوظة في العامين الأخيرين".

وقال الرديعان لـ"إرم نيوز"، إن "التفات الشباب إلى وسائل التواصل الاجتماعي والوقت الذي تستهلكه منهم هذه البرامج، خاصة السناب شات والتك توك وغيرها ساهم كذلك في انصراف الشباب عن هذه الهواية وانحسار الظاهرة".

وأضاف أن هناك أسبابا أخرى أدت إلى انحسار الظاهرة ومنها "زيادة الوعي، والعقوبات المفروضة وانتشار كاميرات المراقبة في الشوارع وسهولة التعرف على المفحطين، وإدخال نظام (ساهر) الخاص بالمخالفات المرورية وربط المخالفات بالسجل المدني، ما يعني أن الربط الإلكتروني أسهم بقوة في الحد من ارتكاب الكثير من المخالفات ومنها التفحيط".

نشوء الظاهرة

وأشار الرديعان، إلى أسباب نشوء هذه الظاهرة، قائلاً إن "كثيرين تحدثوا عن هذه الظاهرة وحاولوا تشخيصها؛ فربطها البعض بتعاطي المخدرات والبعض ربطها بالكبت الاجتماعي وتهميش مطالب الشباب في الترفيه، خاصة الذكور وذلك عندما كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوج نشاطها في ملاحقة الشباب من الجنسين ومنعهم من بعض الأنشطة الترفيهية التي لا تتعارض مع الدين والقيم الاجتماعية".

وقال إن "ظاهرة التفحيط -ومن ملاحظاتي المتكررة- هي في انحسار مستمر، وربما للأسباب التي ذكرت، لكننا بحاجة إلى دراسة علمية بصورة مسح شامل لعينة من المدن السعودية لاختبار الأسباب المذكورة والتأكد منها".

"ترفيه الطيبين"

وفي مقال نشره الكاتب الصحفي السعودي، رياض المسلم في صحيفة "الرياضية" قبل عدة أشهر، أشار فيه إلى أسباب لجوء الشباب سابقاً إلى "التفحيط" في معرض حديثه عن السياحة الداخلية واختلاف الترفيه في المملكة في الوقت الحالي عن السابق.

وقال المسلم: "ما إن يلتفت الإمام إلى كتفه الأيسر في إشارة إلى ختام صلاة العشاء، حتى يهمّ بعدها بعض المصلين الشباب مسرعين تجاه سياراتهم لينطلقوا إلى ساحة التفحيط لحجز مواقع مميزة لحضور الفعالية، والمحظوظ من حصل على أقرب نقطة إلى الشارع، وأسقف السيارات تشتكي من تحولها إلى منصة ذهبية".

وأضاف في مقاله الذي حمل عنوان (التفحيط.. ترفيه الطيبين)، "باختصار، ما سبق كان أحد مواقع الترفيه المميزة لبعض ممن يسمّون حاليًا بـ(جيل الطيّبين) في منتصف الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، فكان التفحيط أحد أهم الفعاليات الترفيهية رغم أنه فيه من المخاطر الكثير".

وأشار كثير من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى "أن ظاهرة التفحيط فعلاً انحسرت في السنوات القليلة الماضية، وأن فعاليات الترفيه والانفتاح الفني والثقافي ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بذلك إلى جانب صرامة القوانين".

وسبق أن أثار الكاتب السعودي شايع الوقيان هذه القضية باستفتاء عبر حسابه في "تويتر"، حيث خلصت آراء المتفاعلين، التي اتفق هو معها أن أسباب انحسار الظاهرة هو "فعاليات الترفيه وصرامة القانون وازدياد الوعي لدى الناس".

انفتاح فني وثقافي

وشهدت مختلف مناطق المملكة منذ تأسيس هيئة الترفيه فعاليات فنية وثقافية وترفيهية متنوعة في عالم الغناء والمسرح والسينما والشعر، استقطبت شريحة واسعة من الشباب الذين كانوا منذ سنوات يتجهون إلى "التفحيط" كوسيلة ترفيهية.

واستقطب الانفتاح الكبير أبرز نجوم ومثقفي الوطن العربي والعالم خلال سنوات قليلة، وشهدت السعودية، حفلات فنية لنجوم بارزين وأمسيات موسيقية وعروض مسرحية وأمسيات شعرية ومعارض وافتتاح صالات سينمائية.

وإضافة إلى هذه الفعاليات، فقد وفرت المملكة بدائل للشبان الذين لا تستهويهم الحفلات الغنائية والأفلام السينمائية، مثل معرض السيارات الفاخرة والنادرة ومعرض الصقور والصيد، الذي يقام فيه عرض للأسلحة كذلك.

ويذكر أن عدد زوار موسم الرياض الترفيهي الذي انطلق في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تخطى حاجز 11 مليون زائر، 8 ملايين شخص منهم من العاصمة الرياض، إضافة إلى 1,6 مليون من مناطق المملكة، كان من الممكن أن يتجه بعضهم إلى "التفحيط" لولا توفر هذه الفعاليات الترفيهية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com