تونس.. البطالة تدفع الشباب لإدمان "القمار الإلكتروني" سعيا خلف الثراء
تونس.. البطالة تدفع الشباب لإدمان "القمار الإلكتروني" سعيا خلف الثراءتونس.. البطالة تدفع الشباب لإدمان "القمار الإلكتروني" سعيا خلف الثراء

تونس.. البطالة تدفع الشباب لإدمان "القمار الإلكتروني" سعيا خلف الثراء

كعادته كل صباح، وقبل أن يأخذ مكانا في المقهى الذي اعتاد ارتياده وهو في طريقه إلى العمل، يدخل أيمن العمايري محلا متاخما للمقهى ليسأل أحد الموجودين هناك: "شنية الكوتا اليوم؟"

هذه العبارة وتعني: "ما هي المقابلات التي ستقع المراهنة عليها للفوز بمبالغ مالية كبيرة؟" صارت دارجة بين هواة ومدمني ألعاب الرهان الإلكتروني الرياضي في تونس والتي تعتبر من أنواع القمار المنتشر مؤخراً.

ويتلقى أيمن الإجابة من بعض الشبان الموجودين في محل ضيق، شبه مظلم، يوجد به مكتب صغير وحاسوب يجلس خلفه شاب يتسلم مبالغ مالية من الحرفاء، ثم يعطيهم قصاصة صغيرة، ولا يلبث أن يعود إلى درج صغير في المكتب ليحصي الأوراق النقدية التي جمعها في ذلك الصباح.

وأصبحت ألعاب الرهان الإلكتروني والإبحار في مواقع الإنترنت الخاصة بالمراهنات الرياضية بمثابة الهواية اليومية لأيمن وللكثير من الشبان وحتى الكهول في تونس، وذلك على اختلاف أوضاعهم الاجتماعية والمادية، قبل أن تتحول إلى نوع من الإدمان والهوس بالثراء السريع وبأقل مجهود ممكن.

وفي بلد يعيش أوضاعا اقتصادية متردية، وارتفاعا في تكاليف المعيشة، وانهيارا للقدرة الشرائية، تخفي ظاهرة المراهنات الإلكترونية شعورا واضحا لدى فئة كبيرة من التونسيين باليأس من الخروج من حالة الفقر والبطالة، لكنها في جانب آخر تستنزف اقتصاد البلاد بعد أن انتشرت بشكل مهول، خاصة في العاصمة تونس والمدن الكبرى.

يقول أيمن (31 عاما) إنه يمارس ألعاب الرهان الرياضي الإلكتروني منذ ما يزيد عن 5 أعوام، بعد أن تزايدت حاجته للمال، وأصبح يعجز أمام بطالته عن توفير مصاريف يومه.

ويضيف في حديثه لـ"إرم نيوز": "الوضع الاجتماعي الصعب هو الذي يدفعنا إلى الرهان الإلكتروني، بدينار واحد أو دينارين (بين 0.35 و0.7 دولار) أستطيع أن أحلم بالفوز بمبلغ يساوي عشرات أضعاف ذلك المبلغ، لم يعد المرتب غير الدائم الذي أتلقاه لقاء عملي في أحد محال بيع الملابس يكفي لأعيش حياة كريمة، البلاد تخنقنا والإفلاس يقتلنا، المراهنات الإلكترونية هي ملجؤنا مادامت هذه البلاد ظالمة".

ويعترف الشاب الذي يعمل بشكل مؤقت بعد أن نال شهادة من مركز للتكوين المهني دون أن يظفر بعمل دائم، بأنه يجهل نهاية هذه الطريق التي اتخذها لنفسه.

لكنه يقول: "سأتوقف عن اللعب عندما أظفر بمبلغ مالي كبير، لا يمكن أن نطمح نحن الشباب إلى امتلاك سيارة مثلا أو التمتع بحياة كريمة وارتياد النزل وأماكن الترفيه في ظل هذا الوضع، البطالة هي التي تجرنا جرا إلى إدمان "البلانات" (إسم إحدى ألعاب الرهان الإلكتروني)."

ومع تفشي ظاهرة "القمار الإلكتروني" التي غزت عقول الشباب في تونس، وصارت تعدهم بتكوين ثروة طائلة بأسرع ما يمكن من الوقت والجهد، تزايد عدد المحلات التي تقدم تلك المسابقات، والتي لا تكلف أصحابها الكثير من الجهد.

فمجرد مكتب وحاسوب وآلة من الحجم الصغير لطبع القصاصات تكفي لفتح محل بطرق غير قانونية، لكنه سيصبح في ظرف أيام معدودة وجهة لمئات الشبان والكهول المهووسين بالثروة وتغيير حياتهم من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش.

وحسب معلومات غير رسمية، يوجد في العاصمة تونس وحدها ما يزيد عن 4 آلاف محل للرهان الإلكتروني، غير أن هذا الرقم يظل تقريبيا باعتبار أن تلك المحال تعمل أغلبها بطرق غير مشروعة، وهي محل نزاع قانوني مع السلطات في تونس، أما عدد ممارسي هذه الألعاب فقد يصل إلى 360 ألف متراهن في الأسبوع الواحد تقريبا.

في السياق نفسه، اعتبر جمال الكريمي أن حالة اليأس من تغيير وضعه الاجتماعي الصعب هي التي دفعته إلى التردد يوميا على محل رهان إلكتروني يقع على طريق عودته من العمل مساء.

وقال جمال لـ"إرم نيوز": "كل يوم هناك أمل يراودني في أن أهتدي للنتائج الصحيحة، صرت أحفظ ترتيب ونتائج الدوريات الأوروبية لكرة القدم عن ظهر قلب، ولكن الحظ أبى أن يبتسم لي إلا في مناسبتين، غنمت 500 دينار (170 دولارا) لا أدري بالضبط كيف أنفقتها".

وينفق جمال الذي تجاوز الخمسين من عمره، يوميا 3 دنانير (دولار واحد تقريبا) لاقتناء بطاقات الرهان الرياضي الإلكتروني، وهو يقول: "أعيش وضعا ماديا صعبا وأنا في حاجة للإنفاق على عائلتي، أجرتي الشهرية لم تعد تكفي حتى لخلاص إيجار المنزل ونفقاتي من اللباس والتدخين".

وترتكز ألعاب المراهنات على دفع مبالغ مالية، أدناها دينار واحد، ولا يتم تحديد أقصى مبلغ لها، ويبقى ذلك حسب اختيار المتراهن.

ويتم التكهن بالفريق الفائز وحتى بنتيجة المباراة أو عدد الأهداف أو عدد الأوراق الحمراء والصفراء علما أن المبالغ الراجعة للفائزين ترتفع كلما كانت تكهنات المتراهن محددة ودقيقة.

وفي حال الاهتداء للنتائج الصحيحة، يتسلم الفائزون أموالهم من صاحب محل الألعاب الإلكترونية، أو عبر بطاقات السحب البنكية التي يحصلون عليها من شركة المراهنات.

ومن منظور اجتماعي، يرى أستاذ علم الاجتماع ، سنيم بن عبدالله أن "إدمان الشباب وحتى الكهول على المراهنات يكشف مكانة المال في حياة التونسيين أساسا، والحاجة إليه، وذلك ظل تراجع الأوضاع المعيشية وتدني الأجور، وهو ما دفع الكثيرين إلى البحث عن توفير المال بكل الطرق".

وقال بن عبدالله في تصريح لـ"إرم نيوز": "هناك حالات إدمان تصيب بعض الشباب تجعلهم يشعرون بالانسياق في تيار الألعاب الإلكترونية، وهي تعكس بوضوح السعي نحو التخلص من الواقع الصعب واختزال مسافات الربح المادي."

وأحدث تفشي ظاهرة المراهنات وانتشار محالها جدلا قانونيا في البلاد خاصة مع تراجع إيرادات شركة "برومسبور" وهي شركة مراهنات رياضية شرعية تشرف عليها الدولة من خلال مسابقات أسبوعية للتكهن بنتائج الدوريات الأوروبية لكرة القدم ولكن إيراداتها انهارت في السنوات الأخيرة بعد أن لجأ المتراهنون للمواقع الموازية.

وعام 2018، قررت الشركة غلق بعض المحال المتعاقدة معها بعد ثبوت لجوئها للمراهنات الإلكترونية غير القانونية ما أدى إلى انهيار أرباح الشركة وتراجعها إلى أكثر من النصف.

وتعمل السلطات في تونس على تعقب الكثير من محال الرهان التي تعتبرها موازية وغير خاضعة للشروط التي تنظم ألعاب المراهنات، كما أنها لا تلتزم بالقوانين المالية ودفع رسوم إنشائها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com