إشكالية مراكز التدريب الإعلامية.. شهادات غير احترافية أم بديل ناجح للتعليم الأكاديمي؟
إشكالية مراكز التدريب الإعلامية.. شهادات غير احترافية أم بديل ناجح للتعليم الأكاديمي؟إشكالية مراكز التدريب الإعلامية.. شهادات غير احترافية أم بديل ناجح للتعليم الأكاديمي؟

إشكالية مراكز التدريب الإعلامية.. شهادات غير احترافية أم بديل ناجح للتعليم الأكاديمي؟

يزداد النقاش في الآونة الأخيرة في الأوساط الإعلامية حول إشكالية المراكز التدريبية وما تمنحه من شهادات سريعة في مهنة الإعلام، ومدى غزارة المعلومات التي تزود بها متدربين شبابا يدفعهم حب الظهور والشغف بمهنة المتاعب.

وتتنوع الآراء بين مؤيد لتلك المراكز وأن المهنة لا تقتصر على خريجي الإعلام بل هي مفتوحة لكل مجتهد من خريجي الفروع الأكاديمية الأخرى على أن يحقق شرط امتلاك أدوات الإعلام الحديث التي توفرها تلك المراكز، في حين يعارض آخرون بشدة آلية عمل المراكز التدريبية وما تقدمه من شهادات سريعة خلال أشهر فقط، معتبرين أنها تدفع إلى الساحة بأفراد لا يتمتعون بالأهلية وغير متخصصين.

وتواجه تلك المراكز اتهامات بأنها تسببت في احتلال الساحة الإعلامية من قِبل مشاهير ليسوا أكاديميين، وشخصيات عامة محبوبة لا تحقق المستوى الإعلامي المطلوب، لتحقيق مكاسب مادية من خلالهم وجذب الجمهور دون تحقيق شروط الاحترافية.

والسؤال مشروع حول ماهية تلك التدريبات الإعلامية والشهادات السريعة التي تخول المستفيدين مزاولة إحدى أكثر المهن دقة خلال فترة قصيرة جدا قد تصل في بعض الحالات إلى بضع جلسات فقط، فهل يمكن لتدريب مدته أسبوع فقط أن يصنع إعلاميا ناجحا أم أن الهدف من التدريب صقل موهبة متأصلة مدعومة بثقافة غزيرة وتجربة إنسانية غنية، أم أن تلك التدريبات مهمتها تنمية بذرة إعلامية داخل المتدرب، والباقي يعتمد على المهارة الشخصية وتطوير الأدوات، في حين يتحمل ذنب إشكالية "التخصص" في عالمنا العربي، المؤسسات الرسمية التي لا توظف الشخص المناسب في المكان المناسب.

الربح السريع

ألقت الإعلامية والمدربة ميريلا أبو شنب المسؤولية على أصحاب المراكز التدريبية "الذين يسعون إلى الربح التجاري، فكل صاحب مشروع من المحتم أن يكون هدفه الأول التجارة الربحية، وبالأخص أن أصحاب العمل غالبا ليسوا أكاديميين بالضرورة".

وقالت أبو شنب، المحاضِرة في كلية الإعلام في جامعة دمشق السورية لـ"إرم نيوز": "كان من الأصح وضع شروط معينة لقبول المتدربين، منها خامة الصوت والمظهر اللائق، والكاريزما اللافتة، والأداء المقنع، أو القدرة على الكتابة، وبالتالي هنا يحقق التدريب عملية إفادة متبادلة للمركز والمتدرب في الوقت ذاته"، مضيفة أنه "بينما فكرة القبول العشوائي وتعبئة المقاعد التدريبية فحسب، دون امتلاك الشخص لأي من هذه الأدوات؛ هو خطأ شائع ربما يؤدي لاحقا إلى صدمة نفسية لدى المتدرب الموهوم بأنه يمتلك أساسيات الإعلامي الناجح، ما يؤدي إلى فقدان ثقته بنفسه عندما يُرفَض من مؤسسات إعلامية ويصطدم بالواقع العملي".

وأشارت إلى أن "صناع المحتوى الهادف أو غير الهادف يمثلون فئة كبيرة وعامة ويصعب علينا تقييمهم أو الحكم عليهم، فنحن لا نملك أدنى فكرة عن خلفيتهم الثقافية، وعلينا التمييز بين صحافة المواطن والصحافة الاحترافية".



وأفادت أبو شنب بأنه "لا يوجد مانع من أخذ الإعلام المتقن الذي يُصنع بمطابخ احترافية في المؤسسات الإعلامية ونقله إلى منصات التواصل الاجتماعي، لسهولة وسرعة الترويج، فهذه الطريقة الأنسب والأنجح والمواكبة للعصر الراهن".

بينما رأى الإعلامي والمدرب عبد المؤمن الحسن أن "جانب الربح المادي يأتي كأحد الأهداف التي تسعى إليها المراكز من أجل إغناء العملية التدريبية وتجديد وسائل الإيضاح وإغناء المتدرب بالمهارات التي يمكن ان يستثمرها عبر تقديم التجهيزات الجيدة بما يتوافق مع تطور النوع والشكل التدريبي الذي يرغب فيه".

تدريبات غير كافية

وقال الحسن المتخصص بتدريبات الإعداد والتقديم التلفزيوني لـ"إرم نيوز": "أظن أنه من القسوة رفض متدرب لمجرد أنه لا يمتلك معايير إعلامية من منظورنا الشخصي، ومن الأصح تقديم النصح له بدلا من رفضه إن لم يكن يمتلك مقومات حقيقية تليق بما يرغب بالتدرب عليه، وربما نقدم له نصيحة في التوجه لجانب آخر أو يستثمر اهتماماته في مجال آخر. وعلى الرغم من اهتمام الشخص في الإعلام، فلا يصح أن يصبح جميع المهتمين إعلاميين"، منوها إلى "ضرورة امتلاك المستفيد للغة وثقافة جيدة وقدرة على التحليل وإدارة الحوار، فإن امتلك الثقافة دون الأداء والصوت فيمكنه الاتجاه نحو الإعداد مثلا، ومن الممكن أن يجد نفسه في الإخراج والإعداد الفني من مصورين ومحرري فيديو ومهندسي صوت وإضاءة".

وأوضح أنه "لا يجوز وصم جميع المراكز بالتجارية، ولا يمكن أن تطلق على الجميع، فالجانب المادي أمر ضروري لأن المراكز بحاجة لأن تطور أدواتها من تجهيزات وتقنيات في عالم الصوت والصورة والإضاءة والتسويق عبر مواقع التواصل، لكن لا يجب أن يكون جانبا رئيسا وإنما أحد الجوانب التي تعمل عليها المراكز".



وأردف أن "المدة التي تقوم عليها الدورات التدريبية غير كافية على الإطلاق لإيجاد إعلامي ناجح، لكنها كفيلة بأن تلتقط نقاط الضعف الموجودة لدى المتدرب أو مشروعه الإعلامي إن جاز التعبير"، موضحا أن "التدريبات تعمل على نقاط القوة، فتردم السلبيات وتعزز من الإيجابيات في شخصية المتدرب، وتقدم له الفائدة المرجوة".

وتابع أن "ساعات الدورة التدريبية التي تتراوح بين 30 و 40 ساعة ليست كافية، ولا بد من وجود دورات متلاحقة، وهذا ما نعمل عليه كمدربين، لأن المتدرب بحاجة لعدد متتالٍ من التدريبات، لأنها وجبة متكاملة مترابطة، في ما يخص التحكم بلغة الجسد، وكاريزما الظهور، والعمل على ثغرات الصوت والإلقاء، واللفظ النحوي الصحيح، ليحصل المتدرب على جرعة متكاملة تمنحه الميزات اللازمة ليتحول من هاوٍ إلى محترف في عالم الإعداد والتقديم".

وأوضح الحسن أن "الفائدة تأتي من تضافر جهود مدرب يقدم خبرات تصحح الأخطاء، والتزام المستفيد بتدريب يومي يستمع من خلاله للنصائح، لأن الأولوية يجب أن تكون لتنمية المهارات وتقديم الفائدة التعليمية، وهناك مراكز محترمة تركز على إعطاء المعلومة ومنح الفائدة للمتدربين للوصول إلى اكتشاف المواهب.

الإعلام البديل

بصرف النظر عن غياب المرجعية العلمية الأكاديمية، أصبح الإعلام الحديث بديلا رائجا على منصات التواصل الاجتماعي، ليمنح منابر عامة لأفراد غير مؤهلين، ومن السهل جدا أن يتحدث شخص من منبره في قضايا اجتماعية أو نفسية أو علمية أو ترفيهية كوميدية، دون امتلاك شهادة واحدة في الإعلام أو الإلقاء أو لغة الجسد أو التقديم، وربما سبّب ذلك اختلاطا ما بين الإعلاميين وما بين أصحاب المحتوى، أو محبي الظهور مع غياب المحتوى الهادف.

وزاد ذلك الاختلاط من أجواء الاحتدام والمنافسة بين القنوات الإعلامية الفضائية والمنصات الإلكترونية، ليطغى عنصر السرعة في الوصول إلى المتلقي عبر مواقع التواصل، دون الاعتداد بمصدر موثوق أو جهة إعلامية أو حتى مراعاة الصياغة النحوية والأدبية.

وتنوه الإعلامية رنيم خلوف إلى وجود حالة من التكامل بين وسائل الإعلام التقليدية، والإعلام المتمثل بنقل الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت خلوف لـ"إرم نيوز": "لا أجد أن هناك تنافسا بين الإعلام الحقيقي والمنصات الإلكترونية، ولا وجود لأحد على حساب الآخر، وكلاهما وسائل إعلامية إخبارية، ولكل منهما جمهوره المختلف، وأرفض مصطلح الإعلام البديل وأظن أن المنصات الإلكترونية وسيلة جديدة وقد تأخذ حيزا جديدا في عالم الإعلام بشكل عام".



وأكدت خلوف أن "الساحة مفتوحة للجميع والبقاء للأجدر، لكن على الرغم من ذلك فأنا على الصعيد الشخصي أتحيز نوعا ما للأكاديميين، وعلى سبيل المثال فإن طالب العلوم السياسية يجب حكما أن يتمتع بأساليب الحوار والقدرة على الدبلوماسية وإلا فلن يستطيع الظهور وأخذ الفرص، وهذا لا يعني عدم وجود أشخاص أكفاء قادرين على إثبات وجوهم رغم عدم اختصاصهم".

ومع تركيز بعض صناع المحتوى على ما يسمى "صحافة المواطن"، يقدم آخرون محتواهم الخاص بأدوات احترافية في استوديوهات خاصة، مقدمين أفكارا جديدة ونصوصا متقنة، في خطوة قد تكون مدخلا إلى الاحترافية في "الإعلام البديل".

التخصص أم المهارة

هناك من ينادي بالتخصص، ويتحيز إلى ذوي الخبرة والأشخاص الأكاديميين الذين قضوا أعواما في مطالعة الكتب ودراسة الإعلام، في حين يرى آخرون أن التخصص الأكاديمي قد يكون سببا في ظلم مبدعين يحملون شهادات أكاديمية لا علاقة لها بالإعلام، ولكنهم يحملون الشغف ويتسلحون بالمعرفة وتطوير الذات.

فهل يقف التخصص الأكاديمي عائقا أمام المواهب الشابة؟ من هذا المنطلق تعتبر الإعلامية رنيم خلوف أن "حب الظهور شيء طبيعي، وأرفض تقييم من يعمل في الساحة إن كانوا يمتلكون مواهب أو معايير إعلامية أم لا".

بدورها دافعت أبو شنب عن خريجي الإعلام؛ وقالت: "أنا أقف دائما مع أهل الاختصاص وأدافع بشراسة عن أصحاب الشهادة الأكاديمية، لكن لكل شيء استثناءات، فلا خلاف حول توظيف شخص غير متخصص أكاديميا ولكنه يمتلك أدوات الإعلامي الناجح"، مضيفة أنه "بالمقابل فإن منح الفرصة لشخص يفتقد لأدنى المعايير الإعلامية، من صوت وحضور وأداء وسرعة بديهة، واحتلاله للساحة الإعلامية، هذا أمر مهين جدا، ومن حق أي إعلامي أن يغار على مهنته من الدخلاء".

بالعودة للحديث عن المراكز التدريبية، نلحظ أن كثيرا منها يركز على الربح بعيدا عن الأخلاق المهنية، فيما عبرت أبو شنب عن أسفها لما يتعرض له خريجو الإعلام من ظلم، في ظل منح الفرص لمن لا يستحقها من هواة، وعدم تطبيق أي مؤسسة إعلامية قوانين الاختبارات أو النسبة التي تميز بين ذوي الاختصاص وغير الاختصاص.

وهناك مراكز لا تدقق على حالة عدم امتلاك المتدرب لأدنى مقومات المعايير الإعلامية من إعداد خلف الكواليس أو تقديم أمام الشاشة، وفقدانه لمقومات الصوت والكاريزما، وعدم تمتعه بمخيلة واسعة تساعده في إعداد المحتوى، إذ تهتم بعض المراكز بإعطاء المادة التدريبية فقط دون إخضاع المتدرب لاختبار مسبق يتضح من خلاله مدى إمكانياته.

وأشارت أبو شنب إلى "إمكانية أخذ فرص من قِبل خريجي الدورات التدريبية لكن بنسبة قليلة ومحدودة، وتلعب الظروف الاقتصادية دورا في لجوء المعظم إلى المحسوبيات لتسيير أمورهم، وأن الثغرة الأُخرى تكمن في أصحاب العمل والباحثين عن العمل، فكلاهما يبحثان عن بعضهما دون جدوى، بسبب صورة ذهنية نمطية أقنعت الأشخاص بأنهم لن يدخلوا إلى هذا المكان إلا من خلال وسيط، ما يؤدي إلى ذهاب الفرص لأشخاص غير مؤهلين".

قياس الأثر

وعن متابعة المستفيدين بعد انتهاء التدريبات وقياس أثرها الحقيقي، قال المدرب عبد المؤمن الحسن إن "أحد أهم الأشياء التي أقيّم بها أدائي لعملي التدريبي هو أن يكون المتخرج قادرا على إيجاد فرص ودخول المجال الإعلامي بشكل أسرع متسلحا بأفكار جديدة ومميزة ومحتوى مفيد وبعيد عن التفاهة والسطحية أو الإضرار بالمجتمع".

وأضاف الحسن أنه "يجب أن تركز التدريبات على زرع قيم التحلي بالمسؤولية الإنسانية الأخلاقية والمهنية والإعلامية ليقدم محتوى حقيقيا، والغاية الرئيسة من التدريب أن نقدم لمجتمعنا أشخاصا جديرين بحمل لقب معد أو مقدم برامج حتى لو كان إعلاميا ناشئا يمتلك القدرة على استثمار المعارف التي اكتسبها لتقديم خدمة للمجتمع".

يأتي تشديد الحسن على ضرورة التحلي بالمعايير الاحترافية، في وقت لا تطبق فيه غالبية المراكز التدريبية معايير قياس الأثر، بعد تخريج المستفيدين، فتغيب الرسالة السامية للمدرب المحترف، وأهدافه التي يجب أن ترمي إلى تنمية الأفراد وتمكينهم وخلق أثر إيجابي في المجتمع، في حين يرى بعض المدربين أن الموضوع شخصي، والمتدرب حر في استخدام المعلومة التي يتلقاها، إن كان يريد الاستفادة منها أو يريد إغناء سيرته الذاتية فحسب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com