حلب السورية.. مدينة عتيقة تروي حكاية الحضارة والإنسان
حلب السورية.. مدينة عتيقة تروي حكاية الحضارة والإنسانحلب السورية.. مدينة عتيقة تروي حكاية الحضارة والإنسان

حلب السورية.. مدينة عتيقة تروي حكاية الحضارة والإنسان

منذ فجر التاريخ، كانت مدينة حلب السورية من أبرز المراكز الحضارية في العالم، وكذلك محط أنظار القوى الإقليمية والعالمية.

وتعد مدينة حلب، الكائنة شمال سوريا، من أقدم المدن التاريخية في العالم وأكبر محافظات البلاد من ناحية تعداد السكان، وخلال تاريخها احتضنت مختلف الحضارات والثقافات لتشكل صورة نموذجية للتفاعل بين الشعوب.

ورغم المآسي التي مرت بها المدينة بعد سنين الحرب، حافظت حلب على تراثها حتى اليوم؛ في حضرتها تكمن المعالم الأثرية والأسواق القديمة، وهي عاصمة الطرب الأصيل، فضلا عن تصدر المطبخ الحلبي معظم مدن الشرق.

حلب الشهباء

وتضاربت الآراء حول أصل تسميتها بحلب الشهباء؛ من رأي يقول إنها تعود إلى بنائها بالحجارة ذات اللون الأشهب، وينسبها بعض الباحثين إلى بانيها الأول حلب بن مهر، في حين يأخذ آخرون بالنظرية التراثية وتنسب التسمية إلى البقرة الشهباء التي كان يحلبها إبراهيم الخليل.

وترى روايات أُخرى أن كلمة حلب آرامية الأصل ومقتبسة من "حلبا" ومعناها البيضاء، وقيل إن العرب أضافوا لها كلمة الشهباء لتوضيحها، وقيل أيضا إن السريان أطلقوا عليها اسم حلب نسبة لبياض تربتها وتشييد أبنيتها بالحوار الأبيض.



لمحة تاريخية

ذُكِرت حلب للمرة الأولى في الألف الثالث قبل الميلاد، في فترة الدولة البابلية القديمة، وكانت حينها عاصمة لسلالة العموريين في مملكة يمحاض.

وفي القرن 16 قبل الميلاد، دُمرت حلب على أيدي الحثيين، ثم استغلت إحدى الممالك الحورية فراغ السلطة وغزت المدينة، وحولتها إلى خط مواجهة بين الحثيين ومصر ومملكة الميتانيين.

وكانت حلب من أهم المدن في العصور الإسلامية بعد إسطنبول والقاهرة، وامتازت بعمارتها وضمت كاتدرائية ما زالت قائمة حتى اليوم، فضلا عن الجامع الأموي الذي تعرضت أجزاء منه للدمار في الحرب السورية.

واتخذ الحمدانيون في العصر العباسي الثاني، حلب عاصمة لدولتهم، لتشهد ازدهارا غير مسبوق وتتحول إلى قبلة للعلماء والشعراء والأطباء.

وفي العام 1920 أعلن الجنرال غورو الانتداب على سوريا وقسمها لدويلات لزرع الشقاق بين السوريين وتسهيل السيطرة عليها؛ سعيا منه إلى الانتقام من السوريين بعد تصديهم لقوات الاستعمار في معركة ميسلون.

وخلال الحقبة الاستعمارية، عزز غورو التنافس التجاري بين حلب ودمشق، تحقيقا لمبدأ "فرّق تَسُد" ولإحداث انقسام سياسي واجتماعي في البلاد.

ودعمت فرنسا الامتيازات الاقتصادية في حلب لتزعج الصناعيين والتجار الدمشقيين، وفي الوقت ذاته أعلنت دمشق عاصمة للبلاد لاستفزاز أهالي حلب.



العاصمة الاقتصادية لسوريا

حلب هي العاصمة الاقتصادية لسوريا، وإحدى أقدم المدن المؤسسة لغرفة التجارة الدولية في العالم العربي، وكانت تضم في النصف الثاني من القرن الماضي أضخم المدن الصناعية في المنطقة، وتصدر كثيرا من المنتجات الصناعية؛ أهمها صناعة النسيج والقطنيات، إذ احتلت إنتاجه عربيا منذ تسعينيات القرن الماضي حتى بدايات الأزمة السورية.

وتعد حلب ثاني أكبر المدن السورية بعد العاصمة دمشق، ومن الصناعات التي اشتهرت بها، صابون الغار وزيت الزيتون والصناعات الغذائية والأحذية والجلديات والصناعات البلاستيكية.

وتطورت صناعاتها في العصر الحديث لتشمل الأجهزة الكهربائية بأنواعها والمعدات والآلات الصناعية وصناعة هياكل السيارات وقطع الغيار والسيراميك والملابس والصناعات الكيميائية والمشغولات الذهبية.

ويعود تاريخ صناعة صابون الغار في حلب إلى ألفي عام قبل الميلاد، ولم تتغير طريقة صناعته التقليدية شبه اليدوية، على الرغم من مواكبة الصناعيين للتقنيات الحديثة، ولكن صناعة صابون الغار ظلت دون المساس بالطريقة الأصلية المعتمدة على المواد الطبيعية.



معالم أثرية.. قلعة حلب

أبرز ما يميز حلب قلعتها التاريخية التي ظلت حاضرة حتى يومنا رغم المآسي، وفي الماضي تمتعت بأهميتها العسكرية والإستراتيجية.

ويحيط بالقلعة سور وأبراج عدة تعود لحضارات مختلفة، وداخلها نجد مدينة متكاملة؛ من مبان وكنائس ومساجد وقاعات ومخازن وساحات ومسرح وحوانيت وكثير من الآثار.

وحظيت القلعة باهتمام كبير في الحقبة الأيوبية، وأمر الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، بتشييد بوابتها الرئيسة، وكثير من منشآتها الداخلية الضخمة.

ولا يخفى على المهتم معالمها الأثرية البارزة على مستوى المنطقة؛ ومنها أبوابها التي بقيت على حالها في عصرنا الراهن، وأكثر من 35 سوقا قديما كانت قبل الأزمة السورية وجهة لملايين السياح الأجانب والعرب.



تقاليد

ولحلب خصوصية واضحة في العادات والتقاليد، تمتاز بها عن معظم محيطها السوري والعربي، ومن العادات الحلبية القديمة في الأعراس، إقدام والدة العريس على إعطاء العروس حبة جوز للتأكد من سلامة أسنانها.

وبعد عقد القران، درجت العادة على تقديم شراب اللوز دلالة على إكرام الضيوف والاحتفاء بهم وقبولهم كجزء من العائلة.

ومن تقاليد الزواج أيضا، عادة "مدّ الجهاز" وهي قائمة على دعوة الجيران والمقربين لرؤية ما تأخذه العروس معها إلى بيت الزوجية من ملابس وأحذية وحقائب وأثاث وغيرها.

ومع ولادة طفل جديد، نتعرف على تقليد حلبي قديم، يعرف بطقس "الحلاقة الأولى" بقص شعر المولود لدى إتمامه الأسبوع، ليأخذ والده الشعر المقصوص ويشتري بما يعادل وزنه ذهبا يوزعه على الفقراء.

وفي طقوس الوفاة يرثي رجال العائلة فقيدهم بإطلاق لحاهم مدة قد تصل إلى شهر، إلى أن يبادر أحد المقربين أو الجيران لإحضار حلاق على نفقته ويبدأ القص الجماعي، كإعلان عن انتهاء فترة الحداد.



المطبخ الحلبي

والمطبخ الحلبي من أكثر المطابخ العربية تنوعا؛ ومن أبرز المأكولات التي تميز المدينة، كبة الدراويش والمحاشي والحلويات العربية والكباب واليبرق واللحمة بالكرز والسماقية والسفرجلية والمامونية.

وفي العام 2007 منحت أكاديمية الطهي والتذوق العالمية الفرنسية، المطبخ الحلبي جائزة التذوق العالمية، وطور المطبخ الحلبي أكثر من 17 نوعا من أنواع الكبة.

ويمثل المطبخ الحلبي نقطة التقاء لثقافات متنوعة في إعداد الطعام، في خلطة تمتزج فيها طرق بلاد كثيرة؛ منها تركيا وإيران والعراق وبلاد الشام واليونان وأرمينيا، ويخرج الإبداع الحلبي من كل ذلك بخصوصية تميزه ومأكولات تُطبَخ بمحبة وشغف.



ثقافة وفنون

ويُعرف عن المدينة الولع بالفنون، فهي من أبرز الحواضر الشامية في احتضان الفن التشكيلي ومجموعة من أبرز أساتذته الذين وصلوا إلى العالمية؛ ومنهم سعد يكن ووهبي الحريري ولؤي كيالي، وتشتهر حلب بالحضور اللافت لشيوخ الخط العربي على مستوى العالم الإسلامي.

وللمدينة خصوصيتها الموسيقية كوريثة للموشحات الأندلسية وقولبتها في إطار عصري تحت مسمى "القدود الحلبية"، ومع ذكر القدود لا بد من حضور الفنان الراحل صباح فخري أبرز من أداها.

ومن رواد القدود أيضا محمد خيري، وصبري مدلل، وفي مجال التلحين لمع نجم الشيخ بكري كردي.



أعلام

وتاريخيا كانت حلب مقصدا لأبرز أعلام الفكر العربي؛ ومنهم أبو الطيب المتنبي وأبو فراس الحمداني وابن خالويه والبحتري وعبد الرحمن الكواكبي وعمر أبو ريشة.

وخرج من حلب مجموعة من أبرز السياسيين في الشرق؛ ومنهم إبراهيم هنانو وسعد الله الجابري وعبد الرحمن الكيالي وناظم القدسي وأمين الحافظ وحسني الزعيم وسامي الحناوي.

معاناة



وعانت المدينة من ويلات الحرب السورية، وطال الدمار كثيرا من معالمها ومنشآتها؛ لما تتمتع به من أهمية إستراتيجية جعلتها محط أنظار جميع أطراف النزاع.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com