موسيقى الشباب و"الهامش".. ما الذي يقدمه "فن الراب" في تونس؟
موسيقى الشباب و"الهامش".. ما الذي يقدمه "فن الراب" في تونس؟موسيقى الشباب و"الهامش".. ما الذي يقدمه "فن الراب" في تونس؟

موسيقى الشباب و"الهامش".. ما الذي يقدمه "فن الراب" في تونس؟

يتخذ فن الراب في تونس نهجا تصاعديا، من حيث الانتشار الشعبي في الشارع ووسائل الإعلام ومنصات التواصل، لدى شرائح واسعة في المجتمع، بينما ظل هذا الفن لسنوات ممنوعا بالنظر لارتباطه بسياق المعارضة للنظام.

فأسماء مثل "كافون" و"كلاي بي بي جي" و"بلطي" و"الجنرال" و"بسيكو أم" و"أرمستا" وغيرهم، صارت تستقطب مئات الآلاف من المتابعين على قنواتهم الخاصة على "يوتيوب" أو على مواقع التواصل.

ويختلف مؤرخو الإرث الموسيقي في تونس حول بدايات "الراب"، فمنهم من يذهب إلى اعتبار أنه ظهر منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، وتحديدا سنة 1979 على يد "الشاذلي الراب" قبل أن تبدأ ثقافة الفن بالانتشار بشكل تدريجي في ثمانينيات القرن الماضي مع نهايات حكم أول رئيس للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة.

ومنهم من يعتبر أن هذا الفن ظهر لأول مرة في التسعينيات وبلغ أوجه ابتداء من سنة 2006، وصولا إلى فترة "الانتفاضات العربية"، التي بدأت من تونس وعرف معها هذا الفن انطلاقة أخرى.



من القمع إلى التحرر

واستفاد مغنّو "الراب" من مناخ الحرية، الذي أنتجه الواقع السياسي والاجتماعي الجديد بعد سنة 2011، بعد أن كان البعض يتردّد في انتقاد النظام القائم أو يعتمد التورية والرسائل المشفرة لانتقاد الوضع.

ومن أكثر المواضيع التي يعبّر عنها فنّانو الراب في تونس القضايا الاجتماعية، لاسيما الحلم بالهجرة ومغادرة البلد إلى أفق أرحب والتطلّع إلى الكرامة، والتذمّر من الفقر والبطالة وأوضاع السجون وانتقاد أداء الطبقة السياسية وتورطها في الفساد.

ويُجمع خبراء في علم الاجتماع على أن "الراب" في تونس يمثل أحد أبرز التعبيرات الفنية عن الوضع الاجتماعي، فلم يعد مقتصرا على الفئات المهمشة والمحرومة، جاذبا شباب الأحياء الفقيرة، ومعبرا عن همومهم، بل طال تأثيره حتى الفئات الاجتماعية الأوفر حظا.

ويوضحون أن موسيقى الراب أصبحت ثقافة اجتماعية تعبر عن مختلف فئات المجتمع، لأنها تمكنت من الخروج عن المألوف وكسر القوالب والنمطية التي طبعت الفن، ثم تحولت إلى قضية رأي عام وخلقت سجالا بين المهتمين بالشأن الفني بين رافض لهذه الموجة ومرحب بها.



ويقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية محمد الجويلي، إنّ "فن الراب في تونس جاء كتعبير احتجاجي عن أوضاع مختلفة لا السياسية والاجتماعية فحسب، بل حتى في العلاقات العائلية والتعاطي مع الأزمات بشكل عام، وبالتالي فهو تعبير شعبي ظهر عندما تراجعت التعبيرات الكلاسيكية المبنية على أفكار كبرى ومقاربات فكرية وسياسية".

وأشار، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إلى أن "الاحتجاجات اليوم باتت تحمل نفسا احتفاليا بعيدا عن الشحنات الأيديولوجية والفكرية كما كان الأمر في السابق، ومن ثمة جاءت أغاني الراب وكأنها تعوّض الخطاب السياسي أو المجتمعي الكلاسيكي، إضافة إلى أنها تذهب إلى تفاصيل الأفراد وتنطلق من تجارب ومن معاناة فردية، وهكذا أعادت الاعتبار إلى الفرد بوصفه محور المشكل الاجتماعي ومحور كل الأزمات"، وفق تعبيره.

وبحسب الناقد الفني صالح سويسي، "يعود تاريخ موسيقى الراب في تونس إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي بظهور محاولات محتشمة في بداية الأمر، لكن الظهور الحقيقي والكبير لهذا الشكل الموسيقي كان في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة حيث شهدت أغاني الراب طفرة نوعية وظهرت أسماء كثيرة برز بعضها واختفى بعضها تماما".

ويضيف في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "أغلب مغنّي الراب في تلك الفترة كانوا من أبناء الأحياء الشعبية الذين كرسوا أغانيهم للحديث عن حياتهم وحياة أقرانهم والوضع الاجتماعي في البلاد، وتجاوز بعضهم في فترة متقدمة "الخطوط الحمراء".

ويبين أنه "في بالمقابل واصل مغنّون آخرون في السياق الاجتماعي نفسه في محاولة لكسب أكثر ما يمكن من المتابعين، حيثُ كانوا يقدمون عروضا قليلة جدا أمام النظرة المستهجنة وقتها ليس من المتلقّي فقط بل من السلطة أيضا، التي لم تعتبر أنّ الراب فن قائم بذاته قبل أن "ينفجر" الراب بعد الـ14 من شهر يناير/كانون الثاني لعام 2011، حيثُ أصبح عدد المغنين كبيرا وتنوّعت المضامين وتباينت الأغراض على مستوى الكلمة تحديدا"، بحسب تعبيره.



انتشار عربي ودولي

هذا التطور اللافت لفنّ الراب في تونس على امتداد العقد الأخير جعل منه نمطا فنيا مستقلا بذاته ومعترفا به لا في الفضاءات العامة فحسب بل في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

وصارت أخبار نجوم "الراب" تتصدّر نسب المشاهدة للبرامج التلفزيونية، تماما كارتفاع نسب متابعة هؤلاء النجوم على موقع "يوتيوب" اعتبارا لبساطة الكلمات وعمقها والوجع الذي تحمله والصدق الذي يلمسه السامعون لهذا الفن وتعبيره عنهم في كل تفاصيل حياتهم.

وخلق ذلك النجاح لمغنّي "الراب" إشعاعا عربيا وحتى دوليا؛ فأغنية "يا ليلي" لمغني الراب بلطي والطفل حمودة مثلا سجلت أعلى نسبة مشاهدة عربيا سنة 2018، كما أنّ بعض مغني الراب صنع مجده وشهرته في فرنسا أو في إيطاليا.

وذلك الحال كما هو شأن "غالي" وهو مغنّي راب من أصل تونسي، الذي دفعت به شهرته إلى المُشاركة في مهرجان موسيقي في إيطاليا، وهو ما اعتُبر تطورا غير مسبوق لهذا النمط الغنائي الذي بدأ يجد سبيلا للانتشار خارج تونس.

ورغم ارتباط أغاني الراب التونسية بالواقع المحلي إلا أنّ اعتماد كلمات قريبة من المتلقّي تمس وجدانه جعلت من اليسير أن ينفذ هذا النمط الغنائي إلى أوساط عربية ودولية، لاسيما أن هناك من مغنّي الراب من يعتمد كلمات مزدوجة تتراوح بين اللهجة المحلية واللغة الفرنسية أو من يعتمد الفرنسية بشكل كامل.

ويعتبر الناقد سويسي أنه "رغم أن بعض مغنّي الراب في تونس حافظوا على مستوى معين يقدم الكلمة الجميلة مُغلّفة في جمل موسيقية أنيقة، اتخذ عدد آخر الطريق السهل بتقديم أغان تحمل الكثير من التشوّه سواء في الكلمة أو الموسيقى وحتى على مستوى مظهر المغنّي، فبات كثير منهم يقدم أغاني تحرّض على العنف واستهلاك المخدرات وتشجع على الهجرة غير الشرعية وتكرّس لثقافة التواكل والربح السهل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com