مسجد القرويين.. جامع وجامعة في قلب فاس (صور)

على العُدوة الغربية في فاس، التي تُنتسب إلى الوافدين عليها من القيروان، ينتصب جامع القرويين في قلب المدينة العتيقة النابض الذي ظل يهيمن بما يتملكه من حيوية وفاعلية على كل أجزاء وأرجاء المملكة المغربية.

ويعد جامع القرويين نموذجًا أصيلاً من أرقى الأشكال المعمارية الإسلامية، وتمكن من لعب دور رائد على المستوى الديني والثقافي والفكري والحضاري، من خلال احتضانه جامعة تحولت إلى مركز للإشعاع العلمي والثقافي في الغرب الإسلامي بشكل خاص.

وظلت القرويين بعيدة عن التيارات العاتية التي غيرت من معالم عواصم الشرق، فاحتفظت من أجل ذلك بكل ملامحها وملامسها المستمرة إلى الآن، ولم تمر بمراحل التعثر التي مرت بها معاهد الزيتونة، والأزهر، والمدرسة المستنصرية العلمية.

إرث فاطمة الفهرية

ويقول الأكاديمي الخبير في آثار فاس، منير أقصبي، إن "الجامع شُيّد كما هو معروف من طرف فاطمة الفهرية من خلال ما ورثته من أبيها، العام 859 ميلادي، وألقيت به أول خطبة جمعة، العام 933 ميلادي، ليصبح المسجد الأول بعدوة القرويين في فاس".

وأفاد أقصبي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أنه "تمت توسعة المسجد الأولى على يد الوالي الزناتي أحمد بن أبي بكر في القرن العاشر الميلادي بتزكية من الخليفة الأموي عبد الرحمان الناصر. ثم شهد أكبر توسعة على الإطلاق على عهد علي بن يوسف المرابطي ليتخذ شكله الحالي وذلك منذ سنة 1143ميلادي".

وسجل الخبير في آثار وتراث فاس، أن "مسجد القرويين استفاد من عدة إضافات وتجهيزات وأعمال ترميم وصيانة على عهد الدول المتعاقبة على حكم المغرب، إذ كان كل سلطان يحرص على ترك بصمته في هذا المعلم الديني القيم".

وأضاف المتحدث ذاته، أن "عملية الترميم الشاملة التي أجريت العام 2006، والتي همت كل مكونات مسجد القرويين بما فيها خزانته الشهيرة، كانت هي آخر تلك الأعمال".

أقدم مئذنة في المغرب

وأبرز الأكاديمي الخبير في آثار فاس، منير أقصبي، أن "المسجد يتكون من قاعة فسيحة للصلاة تنتظم أقواسها ذات الأشكال المختلفة وفق تنظيم هندسي دقيق. وتحمل قبابها على بلاطات متساوية، ما عدا البلاط الأوسط المقابل للمحراب الذي يتميز بعرضه الكبير، والمزدان بقبب مزينة بمقربصات جصية نقشت عليها كتابات قرآنية بخط كوفي ونسخي مغربي".

وتابع أن "المسجد يضم فناءً مفتوحًا على السماء تزينها أروقة وبلية رخامية للوضوء، وضعت في إحدى زواياه مئذنة مربعة الشكل وهي الأقدم على الإطلاق بالمغرب، وترجع إلى القرن 10 الميلادي. وفضاء الجنائز ومقصورة الإمام وخلوة. ويفتح المسجد من خلال 17 بابًا".

وأشار أقصبي، إلى أن "مسجد القرويين في فاس العتيقة يتوافر على أقدم المنابر في المغرب، ويعود لعهد المرابطين، وكذلك أقدم وأجمل الثريات النحاسية وتنتمي لحقبة الموحدين".

جامعة وخزانة مخطوطات

ولم يقتصر دور جامع القرويين على استقبال المؤمنين، صباح مساء، لأداء صلواتهم ومناسكهم، ولكنه تجاوزه إلى المركز العلمي الذي كان مصدر إشعاع فياض على مختلف جهات المغرب الكبير، وعلى بعض بلاد المشرق وعلى مدن الأندلس.

وقال الأكاديمي والخبير في آثار فاس، منير أقصبي، إن "أولى حلقات الدروس التي أعطيت بالمسجد والمناظرات الفكرية والمحاضرات، ترجع إلى القرن 9 الميلادي؛ وضمّت أساسًا العلوم الشرعية، ونظمت كراسي العلم أكثر على العهد المرابطي".

وبين أقصبي في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "جامعة القرويين عرفت منعطفًا مهمًا في تاريخها الأكاديمي منذ عهد الموحدين الذين اعتنوا بعلوم التوقيت والرياضيات والطب والصيدلة".

وتابع المتحدث نفسه، أن "الدراسة في الجامعة أصبحت على مستوى كبير من التنظيم على عهد المرينيين، وحج إليها الطلبة والعلماء من كل الأنحاء والآفاق، وكان الطلبة يدرسون بها لمدة 10 سنوات تنتهي بحصولهم على شهادة العالمية".

ولفت الخبير في آثار فاس، أن "خزانة القرويين، التي شيدت في عهد أبي عنان المريني، تحفل بالآلاف من الكتب والمخطوطات التاريخية، وتعد من نفائس الحضارة العربية الإسلامية".