تحقق اقتصادات عدة دول أفريقية أداء جيدًا رغم الصعوبات التي تمر بها القارة، وتبرز كوت ديفوار وتنزانيا والسنغال كنماذج لدول أفريقية حققت "بطولات عالمية" من حيث النمو الاقتصادي، وفق توصيف لصحيفة "لوموند" الفرنسية.
وقالت الصحيفة، إنه بالتوازي مع "النجاح الرياضي" لكوت ديفوار، التي حققت ترشحًا إلى ربع نهائي كأس أمم أفريقيا، حققت أبيدجان "انتصارًا من نوع آخر" بعودتها إلى أسواق السندات الدولية، بعد أن نجحت عملية الاكتتاب في جمع 2.6 مليار دولار، وهو مبلغ تجاوز التوقعات.
وأكدت الصحيفة الفرنسية أن "ما تحقق هو نجاح لأبيدجان، حيث لم تغامر أي دولة من دول جنوب الصحراء الكبرى بدخول الأسواق منذ ما يقرب من عامين، ولا بد من القول إن "كوت ديفوار تتميز عن غيرها"، بحسب الاقتصادي المتخصص بأفريقيا في شركة التأمين الائتماني "كوفاس"، دومينيك فروشتر.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن "البلاد متنوعة، ولديها رغبة في تطوير القطاعات الصناعية، الاستثمار العام في المقدمة ويتم تشجيع الاستثمار الخاص، كما أن الصادرات ذات الدخل المتنوع (الكاكاو والمطاط والكاجو وما إلى ذلك)، إلى جانب سياسة المشاريع الكبرى وقدر معين من الاستقرار المؤسسي، تجتذب دعم المانحين الدوليين".
ووفق تقرير "لوموند"، فإن "هذا مسار ينعكس في أرقام النمو، إذ من المتوقع أن يصل إلى 6.6% في عام 2024، وفقًا لصندوق النقد الدولي، ما يضع البلاد بين أفضل الاقتصادات أداءً في العالم، لكن إذا كانت كوت ديفوار تتميز بقدرتها على إعادة التواصل مع المستثمرين، فهي ليست البطل الوحيد للنمو على نطاق المنطقة التي تواجه "رياحًا معاكسة" عديدة".
وفي البلدان العشرة أو العشرين الأولى التي من المتوقع أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بأقوى مستوياته في عام 2024، تأتي الأغلبية من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهناك نجد السنغال وتنزانيا ورواندا وبنين أو حتى أوغندا وإثيوبيا.
ونقلت الصحيفة عن الخبير الاقتصادي في شركة "تيليمر" البريطانية للخدمات المالية، باتريك كوران، القول: "قد تكون الصورة مفاجئة لأن الخطاب الاقتصادي تجاه القارة يتسم بالسلبية، حيث إن نقاط الضعف المستمرة في جنوب أفريقيا ونيجيريا، وهما الدولتان ذواتا الوزن الثقيل اللتان تمثلان معًا 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة، تجر المتوسط القاري إلى الأسفل، لكن أفريقيا شاسعة، وهناك فوارق قوية بين البلدان".
وتؤدي هذه الاختلافات، التي طال أمدها بالفعل، إلى فصل المصدرين الصرفين للمنتجات الأساسية عن البلدان ذات الملامح الأكثر تنوعًا، إذ يؤكد مدير الأبحاث في وكالة التنمية الفرنسية، توماس ميلونيو، أن "هذه الاقتصادات أصغر حجمًا، لكنها أكثر مرونة وتتقدم بشكل أسرع"، بحسب الصحيفة.
وتستفيد تنزانيا، على سبيل المثال، حيث من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.1%، من ثروتها المعدنية (الذهب والنحاس) واحتياطاتها البحرية من الغاز الطبيعي، لكن نموها يعتمد أيضًا على محركات أخرى مثل السياحة ومشاريع البنية التحتية، وفق الصحيفة.
وقالت إن نفس السيناريو نجده في السنغال، حيث يتم تحقيق النمو (المتوقع بنسبة +8.8٪) من خلال مشاريع استغلال المواد الهيدروكربونية، وأيضًا من خلال الاستثمارات العامة والسياحة، فيما يعتمد الاقتصاد في بنين على تصدير المواد الخام الزراعية، مثل القطن والكاجو، لكن الدولة تعمل بنشاط على تعزيز تحولها في الموقع، فضلًا عن زيادة القدرة التنافسية لميناء كوتونو.
ووفق قراءة "لوموند"، فقد "أصبحت هذه البلدان الآن أقل عرضة لواحد من التهديدات الرئيسة التي يواجهها الاقتصاد الأفريقي، وهي انخفاض الطلب الصيني، وبينما يتباطأ العملاق الآسيوي الآن، فإن شهيته للمواد الخام تتضاءل".
وأشارت إلى تأكيد توماس ميلونيو أن "هذا الخطر يتركز بشكل كبير في البلدان المصدرة للنفط والمنتجات الأساسية الأخرى، مثل أنغولا ونيجيريا وزامبيا، والتي تعد الصين من أهم زبائنها، وبشكل عام، فإن الاقتصادات التي تعتمد على باطن أرضها معرضة بشدة للصدمات الخارجية؛ لأن مسارها يرتبط بالأسعار العالمية"، وفق قوله.
ورغم أن الاقتصادات المتنوعة أقل عرضة للخطر، فإنها ليست محصنة ضد جميع المخاطر، إذ يتوقع باتريك كوران أن "كوت ديفوار هي البلد المفضل دائمًا للمستثمرين، لكن الغالبية العظمى من بلدان جنوب الصحراء الكبرى تواجه خطر الاستبعاد من الأسواق لفترة من الوقت حتى الآن"، بحسب ما نقلته الصحيفة.
ويشير التقرير إلى أن كينيا، وهي إحدى قاطرات شرق أفريقيا، تتمتع باقتصاد قوي إلى حد ما، ومن المتوقع أن ينمو بنحو 5% في عام 2024، لكن البلاد المثقلة بالديون تواجه مواعيد نهائية ثقيلة لسداد قروضها خلال الأشهر المقبلة، ما يمثل عقبة حقيقية تهدد بتقييد مجال المناورة في موازنتها ويثقل نشاطها.