منطقة البنوك المهيمنة في فرانكفورت، ألمانيا
منطقة البنوك المهيمنة في فرانكفورت، ألمانيارويترز

في ظل آفاق قاتمة.. هل تصبح ألمانيا رجل أوروبا المريض؟

تُعد ألمانيا من بين الدول القليلة في العالم التي تعي مدى أهمية الحفاظ على نظامها المالي العام من خلال برنامج محاسبة عام فعال ومبدع، وفقًا لصحيفة بريطانية اعتبرت أنه بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا بعدم قانونية خطط الإنفاق الحالية، تدمرت أسطورة الحصافة المالية الألمانية، وهو ما سيسبب مخاطر أكبر بالنسبة لألمانيا وجيرانها.

وبينت أن المستشارة السابقة أنجيلا ميركل كانت تحب استحضار فكرة ربة المنزل المقتصدة عندما تحاضر بالآخرين حول الاقتصاد المنطقي والمرن، إذ أصرت على تبني سياسة الانضباط المالي الصارم، الذي يعرف "بكبح الديون" والذي تم إدراجه في عام 2009 في الدستور الألماني.

وأشارت إلى أنه رغم تظاهر الحكومات الألمانية بالتشبث بهذه السياسة، إلا أنها في الحقيقة سعت إلى التخلص منها، ففي عام 2020، كان الإنفاق على جائحة كورونا مبررًا لذلك، ولكن لم تنته الأزمات، فقد تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا بنشوب أزمة طاقة حادة، وشكلت الحرب منعطفا في السياسة الدفاعية الألمانية، وأدى ذلك ببرلين إلى إنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتجديد معدّات الجيش وتحديث استراتيجيته.

أخبار ذات صلة
أزمة الموازنة تعصف بالائتلاف الحكومي في ألمانيا

وبحجة أن كبح الديون أعاق الاستثمار الأساسي، أعادت حكومة المستشار الألماني اولاف شولتز توجيه المخصصات المالية لـ"كوفيد-19"، والبالغة قيمتها ما يقرب من 60 مليار يورو، نحو مشاريع مكافحة تغير المناخ والطاقة الخضراء، وتقديم الإعانات للصناعات، إلا أن الحكومة الألمانية منيت بهزيمة مريرة بعد قرار المحكمة الدستورية الاتحادية عدم قانونية التعديل الذي أدخلته الحكومة، واعتباره انتهاكًا واضحا لما يسمى بقانون "كبح الديون"،  وأيضًا الحكم الصادر تسبب بفجوة قدرها 60 مليار يورو في المالية العامة.

ولفتت الصحيفة إلى أن الأموال التي أعيد توجيهها من مخصصات كورونا أنفقت على قطاعات كثيرة، مثل مصانع أشباه الموصلات والبطاريات، والبنية التحتية والإعانات لصناعة الصلب، إذ تشير التقديرات إلى إنفاق نصف المبلغ تقريبا.

وأوضحت الصحيفة أنه في ظل التساؤلات حول مصير الأموال المتبقية، يبرز قلق قطاع الصناعة في ألمانيا تجاه مستقبله، ويتزامن ذلك مع تحذير وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من انخفاض النمو الاقتصادي في العام القادم بواقع 0.5%.

بينما قال المستشار شولتز للمشرعين الألمان بأن حكم المحكمة يدشن لواقع جديد يصعب معه تحقيق الأهداف التي تسعى إليها ألمانيا، كما سيجلب هذا الواقع ما هو أكثر من مجرد المشاكل الاقتصادية، فهو سيفرض مزيدا من الضغوط على حكومة ائتلافية هشة لا تحظى بالشعبية في الشارع الألماني، إذ إن 8 من أصل 10 ألمان غير راضين عن أداء حكومتهم.

انقسام سياسي

وبحسب الصحيفة، فإن الاقتطاعات الضرورية اللازمة التي ستدخلها الحكومة من شأنها أن تضرب الألمان بقوة، لا سيما في ظل معاناتهم من أزمة تكاليف المعيشة، ومنذ عام 2021، تضاعف عدد الألمان غير القادرين على تدفئة بيوتهم.

وأضافت الصحيفة أن ذلك السخط الشعبي يعتبر خطيرًا، لا سيما إذا اقترن بالانقسام السياسي، وأن ألمانيا التي تفتخر على الدوام بتاريخها تدرك ذلك جيدا، فلم تنس أنه منذ قرن تقريبا، كادت أزمة اقتصادية عميقة أن تطيح بديمقراطيتها الهشة في فترة ما بين الحربين.

ونوهت الصحيفة إلى أنه بيد أن الاقتراض الضخم يخلق مؤقتًا وهمًا بالرخاء، فاقتصاد "العشرينيات الذهبية" في ألمانيا، الذي كانت تغذيه الديون، انهار بشدة بعد عقد من الزمن، ما سمح للنازيين بالوصول إلى السلطة مع عواقب مدمرة على ألمانيا والعالم بأسره.

وأكدت أن عدم الاستقرار الاقتصادي يثير مخاوف وجودية في ألمانيا، فحزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني المتشدد ينتظر الاستفادة من هذا الوضع خاصة وأنه حاليا ثاني أكثر الأحزاب شعبية، ويحظى بدعم أكثر من خمس الناخبين الألمان.

وفي العام المقبل، ستُجرى الانتخابات في ثلاث ولايات بشرق ألمانيا، إذ يتصدر حزب البديل من أجل ألمانيا استطلاعات الرأي هناك، لكن يبدو أن إيمان ألمانيا بقدرتها على التعافي من الانتكاسات اهتز حتى النخاع، ولم تعد في وضع يسمح لها بتقديم الوعظ، أو إنقاذ الدول الأوروبية الأخرى. ومع انقشاع أوهام الخداع الذاتي الذي تمارسه برلين، باتت الشقوق العميقة تحت السطح ظاهرة للجميع.

المصدر: صحيفة "ذا ديلي تلغراف" البريطانية

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com