خبراء لـ "إرم نيوز": حرب غزة تفرز آثارًا مدمرة على الاقتصاد الإقليمي والعالمي
بموازاة الخسائر البشرية والمادية، يمكن للحرب بين إسرائيل وغزة أن تُوجّه ضربة قاضية للاقتصاد العالمي الذي لا يزال يعاني آثار وباء كورونا والحرب في أوكرانيا. ويُتوقع أن تتلقى الدول العربية ضربةً قوية على المستوى الاقتصادي.
وأشار صندوق النقد الدولي، في بيان له، إلى أنه لا يزال من السابق لأوانه تقدير تأثير الحرب، مشددًا في الوقت ذاته على أن الأمر الواضح هو أن "الصراع يُضيف سحابة جديدة إلى الأفق غير المشمس للاقتصاد العالمي".
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور محيي عبدالسلام، إن "استمرار الحرب على غزة سيؤثر سلبًا في اقتصاديات الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصًا أن الأزمة تأتي بعد أزمة كبرى خيَّمت على العالم بأكمله في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية".
ويوضح الخبير الاقتصادي، في حديثه لـ "إرم نيوز"، أن الحرب تؤدي إلى خسارة الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة؛ ما يؤثر في الصناعة وعمليات التبادل التجاري".
ويشير إلى أن "استمرار الصراع يؤثر في أسعار الطاقة وعمليات النقل داخل البحر المتوسط؛ ما ينعكس سلبًا على اقتصاديات أوروبا بالكامل".
تبعات سلبية على إسرائيل
في حالة إسرائيل، لم يكن أداء اقتصادها جيدًا في الفترة الأخيرة، وشهد الشيكل، الوحدة النقدية الإسرائيلية، انهيارًا بنسبة 9% تقريبًا مقابل الدولار الأمريكي، وهو أحد أسوأ الأداءات بين العملات الرئيسة التي حللتها وكالة "بلومبرج".
ودخلت إسرائيل أسوأ صراع مسلح لها منذ 50 عامًا باقتصاد كان مدعومًا بصادرات التكنولوجيا واكتشافات الغاز الطبيعي البحرية على مدى العقدين الماضيين. ومع سيطرة التخطيط للحرب والأمن على أجندة الحكومة، تتزايد الضغوط من أجل الإغاثة الاقتصادية.
وبدت الخسائر الاقتصادية لإسرائيل واضحة جدًّا، فمع تحول الاقتصاد، البالغ حجمه 520 مليار دولار، إلى حالة الحرب، تتعرض الشركات الإسرائيلية لاهتزازات عنيفة، وأصبحت الأسهم الإسرائيلية الأسوأ أداءً في العالم منذ اندلاع الحرب، وانخفض الشيكل إلى أضعف مستوى له منذ عام 2012.
ويتوقع بنك "جي بي مورغان" أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي 11% هذا الربع على أساس سنوي، وأصدر كلٌّ من وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، ووكالة "موديز" لخدمات المستثمرين، و"فيتش" للتصنيفات الائتمانية، تحذيرات بشأن توقعات ديون البلاد؛ ما جعلها أقرب إلى التخفيض الأول على الإطلاق.
وفي هذا الشأن، يرى الخبير الاقتصادي الدولي، رئيس "المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية"، الدكتور رشاد عبده، أن "للحرب تبعات كثيرة، خصوصًا على قطاعي الاستثمار والسياحة، حال قررت إسرائيل مد الحرب"، قائلًا: "لعل ما نراه حاليًّا من هروب للمستثمرين بالمطارات، يؤكد تبعات الحرب السلبية".
وأضاف عبده، في حديثه إلى "إرم نيوز"، أن "استمرار الحرب يؤثر في البورصة وزيادة التضخم وارتفاع السلع، وغيرها من التداعيات السلبية، وقد تكون إسرائيل أكثر المتضررين من الحرب على غزة، خاصة في تغطية تكلفة الحرب عسكريًّا، إضافةً إلى زيادة الأزمات الداخلية لتوقف الصناعة والإنتاج".
قلق السوق الدولية
وعلى نحو مماثل، يوجد عامل يثير قلق السوق الدولية وهو أسعار النفط، ورغم أن إسرائيل وفلسطين ليستا منتجين قويين للنفط الخام مقارنةً بدول الشرق الأوسط الأخرى، فقد أثّرت حالة الحرب في سوق النفط.
وقد تتجاوز الحرب بين إسرائيل وحماس حدود غزة في الأشهر الـ12 المقبلة؛ ما يتسبب في أزمة نفط كبيرة، وهو توقع يبدو ممكنًا بنحو متزايد بعد الهجوم العسكري الأمريكي على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا.

ومن شأن المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل -حال حدوثها- أن تؤدي إلى عولمة الصراع، فعلى سبيل المثال، إذا أغلقت إيران مضيق هرمز (باب خروج النفط من الخليج العربي)، يمكن أن يصل سعر النفط الخام إلى 150 يورو لكل برميل، وفقًا لـ"بلومبرج".
وكانت إيران زادت إنتاجها اليومي بمقدار 700 ألف برميل هذا العام، بعد أن بدا أن علاقاتها مع الولايات المتحدة بدأت تتحسن، لكن الحرب الإسرائيلية أعادت إشعال الشعلة.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي المصري، الدكتور محمد البهواشي، إن "استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يؤثر في سوق النفط العالمي نتيجة خروج الغاز الإسرائيلي من معادلة التصدير؛ ما يؤثر في سلاسل الإمداد والتوريد خصوصًا مع اقتراب فصل الشتاء".
وإذا ارتفعت أسعار الطاقة، فسوف ينمو التضخم مرة أخرى، وسيزيد من تعقيد مهمة البنوك المركزية، التي تحاول منذ سنوات تهدئة الضغوط التضخمية من خلال زيادة تاريخية في أسعار الفائدة، وفق تقديرات البهواشي.
وفي ما يتعلق بالتداعيات المتعلقة بالمنطقة العربية، أشار البهواشي إلى أن "الولايات المتحدة وضعت نفسها في معادلة صعبة في الشرق الأوسط لمنع دخول أطراف أخرى في النزاع مثل إيران"، متوقعًا أن تكون للحرب تداعيات خطيرة على المشهد الاقتصادي العالمي.
وأشار إلى أن "الأزمة العالمية ستخيّم على زيادة الضغط على المخزون الإستراتيجي للسلع، وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم".
وفي الوقت الحالي، يُنظر إلى الصراع على أنه مرتبط بمدى التكهن بما سوف تؤول إليه الأمور حال توسع دائرة الحرب بدخول أطراف دولية من عدمه، كما يوضح الخبير الاقتصادي المصري، فرج عبدالله، الذي يحذر قائلًا: "إذا تصاعد الأمر، فالعواقب الاقتصادية ستكون عالمية".
وقال، في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن "الآثار الاقتصادية السلبية ستحدث حتمًا، وسوف تطال الجميع، وإذا تدخلت أي أطراف دولية لها علاقة مباشرة بالصراع، فمن المتوقع أن تزيد أسعار النفط والشحن الدولي؛ ما يؤثر بالتبعية في أسعار المنتجات كافة".
وفي ما يتعلق بالعوامل الأخرى المرتبطة بالصراع، قال الخبير المصري إن "الأزمة المحتملة ستطال الجوانب التكنولوجية خصوصًا أن إسرائيل متقدمة في قطاع التكنولوجيا"، متوقعًا امتداد الأزمة الاقتصادية إلى خارج نطاق تل أبيب، بعد استدعاء العاملين في القطاع الصناعي إلى الجيش لدخول المعركة.
وكثيرًا ما تؤدي المخاطر الجيوسياسية المتزايدة إلى ارتفاع أسعار الذهب والدولار، ويميل المستثمرون إلى نقل أموالهم إلى هذه الأصول، التي تستطيع أن تصمد أمام الأزمات العالمية.
ويمكن القول إن "الحرب تسببت في آثار مدمرة على الاقتصاد العالمي والإقليمي، وقد أدَّت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، واضطراب سلاسل التوريد، وزيادة التوترات الأمنية".
ومن المرجح أن تستمر آثار حرب غزة في الاقتصاد العالمي والإقليمي لسنوات عديدة، وقد يؤدي استمرار الحرب إلى تعميق الانقسامات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وزيادة مخاطر التصعيد العسكري، غير أنها تختبر مدى قدرة الدول على الصمود إلى أقصى الحدود.
وقد تؤدي الحرب إلى مشاركة دول إقليمية أخرى في القتال، ما سيؤدي إلى تفاقم التوترات الأمنية في المنطقة، وقد تؤدي الحرب إلى اضطرابات سياسية واقتصادية في الدول المجاورة، مثل: لبنان، وسوريا، والعراق، ومصر.