هل أصبح زيت الزيتون حكرًا على الأغنياء في تونس؟
يشهد إنتاج زيت الزيتون في تونس هذه السنة تراجعًا حادًا بالنظر إلى العوامل المناخية، وهو ما أثّر على الأسعار التي ارتفعت إلى مستويات قياسية، حتى كاد يصبح حكرًا على الأغنياء ومطلبًا صعب المنال للفئات الفقيرة والمتوسطة.
وانطلق موسم جني الزيتون في تونس هذه الأيام بنسق بطيء بسبب تراجع حجم الإنتاج، وسط تقديرات بأن يبلغ حجم الإنتاج 200 ألف طنّ من الزيت وفق وزارة الزراعة التونسية، و170 ألف طنّ بحسب المنتجين، فيما تتراوح أسعار زيت الزيتون، إلى حد الآن، بين 18 و25 دينارًا للتر الواحد (بين 6 و8,3 دولارات).
وقال رئيس نقابة المزارعين الميداني الضاوي في تصريح لـ "إرم نيوز" إن إنتاج زيت زيتون هذه السنة بقي محصورًا بين مناطق سيدي بوزيد وقفصة والقيروان وصفاقس (الوسط والوسط الغربي).
وأضاف أنّ ارتفاع درجات الحرارة حتى آخر شهر تشرين الأول/أكتوبر ووجود صعوبات في الريّ ونقص الأمطار والجفاف الذي عرفته أغلب بلدان الحوض البحر الأبيض المتوسط أدت الى نقص كبير في الإنتاج.
وأوضح أنّ هذه العوامل المناخية أدت إلى سنة جافة وهو ما انعكس سلبًا على السوق العالمية التي تعاني من نقص في الإنتاج وأدى إلى ارتفاع أسعار زيت الزيتون هذه السنة.
ولم يسبق أن بلغت أسعار زيت الزيتون في تونس مثل هذا المستوى من الارتفاع، وتمثّل أسعار هذه السنة 3 أضعاف معدّل الأسعار المتداولة في السنوات العشر الماضية.
من جهته، أكّد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمار ضياء أن المنظمة سجلت شكاوى من العائلات التونسية بسبب ارتفاع أسعار زيت زيتون نظرًا لضعف الدخل المادي للعائلة.
وقال ضياء في تصريح لـ "إرم نيوز" إن بين أسباب التذمّر أيضًا انعدام التوازن بين الأسعار الحقيقة للمواد الاساسية والدخل المادي للأفراد خاصة لا سيما أن أغلب أسعار المواد الغذائية في تونس أصبحت مرتفعة.
وأشار إلى أنّ الأسعار التي يتم تداولها، اليوم، مرتفعة جدًا للعائلات الفقيرة والمتوسطة، كما أنّ الزيت الذي من المنتظر بيع اللتر الواحد منه بـ 18 دينارًا (حوالي 6 دولارات) هو زيت قديم وليس من إنتاج الموسم الحالي، داعيًا إلى تكثيف المراقبة من أجل التصدي لمحاولات الغش.
وأكد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك أن سعر زيت الزيتون يشهد ارتفاعًا متواصلاً منذ سنوات بسبب وجود حركة تجارية على مستوى العالم إضافة إلى تضخم وتراجع قيمة العملة التونسية وهو ما أثّر سلبًا على العائلات التونسية من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، التي لم تعد قادرة على تحمّل هذا الغلاء في ظل فقدان بعض المواد الغذائية الأساسية المدعمة.
ولفت إلى أنه لا أحد يستطع التحكم في أسعار زيت زيتون لأن السوق التونسية مفتوحة على العرض والطلب وتبقى للدولة القدرة على أن تعدّل هذه الأسعار وتضخ كميات من هذا المنتج حتى تجبر منتجي هذه المادة على تعديل الأسعار.
وأفاد الخبير الزّراعي ورئيس جمعية "تونس الزيتونة" فوزي الزّياني، أن انطلاق عملية جني الزيتون، وفق التقاليد التونسية، يكون مباشرة إثر موسم نزول الأمطار في فصل الخريف، إلا أن هذا الموسم تميّز بحالة جفافٍ لم تشهد البلاد مثلها وهو ما أثّر على الثمرة وجعلها جافة وضعيفة ولا يساعد ذلك حتى في عملية جنيها، إضافة الى إحداث إرباك على المزارعين بسبب الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة.
وأشار الزياني إلى أن الجفاف المتواصل للسنة الرابعة على التوالي أدّى إلى شحّ إنتاج ثمار الزراعات المطرية في الأسواق وارتفاع أسعارها كما هو شأن الزيتون.
وبسبب استمرار الجفاف وعدم إيجاد حل للسدود التي لا تتجاوز نسبة امتلائها 20 % تراجع الإنتاج لا لا سيما أن عددًا كبيرًا من غابات الزيتون هي زراعات مروية.
واعتبر الخبير الزراعي في تصريح لـ "إرم نيوز" أن الأسعار ستكون قياسية، حيث من المتوقع أن يصل سعر اللتر الواحد إلى 30 دينارًا (9.5 دولارات) ببلوغ شهر يناير / كانون الثاني المقبل، بعد نهاية الموسم وتحديد الأسعار، نظرًا لتراجع الإنتاج مقابل ارتفاع الطلب العالمي على الزيت.
ورغم ضعف الإنتاج هذه السنة فإنّه وفق إحصائيات وزارة الزراعة فقد سجّل إنتاج زيت الزيتون المتوقع هذه السنة ارتفاعًا بـ 11 % قياسًا بالموسم الماضي.
كما سجلت الصادرات الزراعية خلال سنة 2023، بحسب الوزارة، تقدما بنسبة 47 % منها 17،6 ألف طن من زيت الزيتون المعلب بقيمة 367 مليون دينار (حوالي 124 مليون دولار) و53 ألف طن من زيت الزيتون البيولوجي بقيمة 970 مليون دينار (حوالي 323 مليون دولار).
يشار إلى أن تونس كانت قد حققت أعلى مستوى إنتاج في الموسم 2019 بإنتاج قياسي بلغ 440 ألف طن من زيت الزيتون ليتراجع الإنتاج بعدها بسبب نقص الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ويخلق موسم جني الزيتون في محافظات تونس حركة اقتصادية استثنائية تسمح بتوفير مواطن شغل موسمية لعاملات وعمّال القطاع الزراعي.