بالتزامن مع حرب غزة.. معركة جانبية لوقف تدفق الأموال لحركة حماس
تخوض الولايات المتحدة وإسرائيل معركة لوقف تدفق الأموال لحركة حماس في غزة، إلى جانب الحرب الدائرة هناك، فيما لا يزال لدى الحركة "سيولة" كبيرة؛ إذ طالب 107 مشرعين أمريكيين بتشديد اللوائح بعد الإعلان عن عقوبات على شركة قامت بتبيض العملات المشفرة لحماس، وفق تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإلكترونية.
وأشارت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم الاثنين، إلى وجود شركة عملات مشفرة اسمها “Buy Cash” (اشترِ نقدًا) في مكان ما في خان يونس، ثاني أكبر مدن القطاع ومن غير المعروف ما إذا كانت مكاتب الشركة موجودة بالفعل هناك أم أنها مجرد عنوان ويب.
وقالت الصحيفة، إن "إسرائيل والولايات المتحدة على علم بأن هذه الشركة تستخدم في السنوات الأخيرة لغسل العملات المشفرة وتسليم الأموال النقدية إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي – وحتى إجراء معاملات تبادل مع حزب الله".
وقبل عشرة أيام، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إدراج الشركة ضمن قائمة الشركات الخاضعة للعقوبات، ما يعني تجميد جميع أصول الشركة – الممتلكات أو الحسابات أو الأشخاص الذين يتحكمون في أنشطة الشركة.
وكانت وحدة “لاهاف 433” السيبرانية ضبطت محفظة الشركة الرقمية في يونيو 2021 خلال حملة لجمع التبرعات بالعملات الرقمية، بما في ذلك “بيتكوين”، لصالح كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
وبالإضافة إلى عملها كـ "محفظة" لحركة حماس، تقول الصحيفة، إن الشركة أيضًا مركز لتحويل الأموال بين التنظيمات المسلحة المختلفة.
ووفر الأمريكيون بعض الأمثلة في الإعلان عن العقوبات، منها تحويل أموال إلى خدمة دفع موجودة في تركيا ومرتبطة بتنظيم “القاعدة”، أو حساب تابع لـ”Buy Cash” مسجل بأسماء أشخاص متورطين في عمليات تنظيم داعش في سوريا وفي العراق.
الشخص الذي سجل عنوان الموقع الإلكتروني للشركة عام 2015 هو من سكان غزة. وعمل طوال هذه السنوات كممثل للشركة ومالكها. وقد أعلنت السلطات في إسرائيل والولايات المتحدة عن هذه الشركة – والأشخاص المرتبطين بها – ممولين للإرهاب، وموفري سلع وأموال لحماس.
إعلان وزارة الخزانة الأمريكية يعني تجميد جميع أصول الشركة وحساباتها واتصالاتها. ويعني بالطبع حظر التواصل معها و/أو تحويل الأموال أو العملات المشفرة إليها.
طرق التمويل
اعتمدت حماس على بضع طرق تمويل عبر السنين الماضية، الطريقة الأولى هي التمويل من دول، مثل إيران وقطر، والثانية هي جمع التبرعات من جمعيات حول العالم تتظاهر بأنها جمعيات خيرية. يعتقد بعض المتبرعين لهذه الجمعيات الخيرية أنهم يتبرعون لجمعية خيرية إسلامية. لكن الجمعيات المزعومة تقوم فعليًّا بتحويل الأموال إلى حماس والجهاد.
أما الطريقة الثالثة – والتي تصاعدت في العقد الماضي – فهي جمع التبرعات عبر الإنترنت. وكثيرًا ما تكون هذه عمليات تحويل لمبالغ صغيرة باستخدام المحافظ الرقمية. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” بتاريخ الـ10 من أكتوبر، حصلت حماس على نحو 41 مليون دولار من العملات الرقمية خلال العامين الماضيين – وحصلت حركة الجهاد الإسلامي على 93 مليون دولار بالفترة ذاتها.
كشفت طرق التمويل عبر المحافظ الرقمية أمرًا صعبًا، أن التمويل لم يتم عبر تحويلات مصرفية عبر بنوك مركزية لها سيطرة وإشراف، بل تمت من خلال تجارة مباشرة بين الأطراف، التي تكون مجهولة في معظم الأحيان.
وأوضح المحامي يهودا شيفر، الذي أسس وترأس هيئة حظر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب – وشغل فيما بعد منصب نائب المدعي العام لشؤون التنفيذ الاقتصادي – لموقع “زمان يسرائيل” العبري أن إحدى الطرق التي تستخدمها هذه المنظمات لتحويل الأموال هي استغلال الطرق المشروعة للعمال الأجانب في إسرائيل لتحويل الأموال.
كما ذكرنا سابقًا، كان نشاط وحدة “لاهاف 433” السيبرانية الرئيس في السنوات الأخيرة هو الاستيلاء على حسابات العملات الرقمية. وقد انكشف الجمهور في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة على استمرار جمع التبرعات عبر حسابات “تلغرام” مناصرة لحماس وغيرها. والشرطة على علم بجميع مراكز النشاط من هذا القبيل، وتتعامل معها.
وإضافة إلى وحدة “لاهاف 433” السيبرانية، يقوم المركز الوطني لمكافحة الإرهاب الاقتصادي التابع لوزارة الدفاع، والذي يقوده بول لاندز، بعمل مكثف أيضًا. وقد حدد المركز ووحدة “لاهاف” (سايبر) حسابات 67 عميلًا في شركة “باينانس” (Binance) – أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم – وطالبا بفرض أمر حجز على هذه الحسابات.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن وزارة العدل الأمريكية تحقق حاليًّا في الطريقة التي تقدم بها “باينانس” تقاريرها إلى السلطات – وما إذا كانت تمتثل للقواعد التي تحظر غسل الأموال. وتأسست “باينانس” عام 2017 في جزر كايمان على يد تشانغفنغ تشاو – وهو مواطن كندي مولود في الصين – وهي أكبر بورصة للأصول الرقمية تبلغ تجارتها سنوية 7.7 تريليون دولار ولديها 28 مليون عميل.
وقالت الشرطة إنه تم أيضًا تجميد حساب في بنك “باركليز” في بريطانيا، والذي تبين أن له علاقة بجمع الأموال لحماس. وكانت الحركة نشرت تفاصيل الحساب حتى يتمكن الجمهور من إيداع الأموال فيه.
بالنسبة لوحدة السايبر، مسألة الحسابات المكشوفة – مثل الحساب في بنك “باركليز” – ليست هي المشكلة. هناك يتم العمل مع السلطات البريطانية بسرعة كبيرة.
تأتي الصعوبات في كشف شبكات العملات المشفرة. إنها مشكلة يصعب حلها لأنه لا توجد في الواقع أطراف محددة مرتبطة بالحساب، بل مجرد محفظة رقمية مع “شهادة تعريف” – وهناك تقنيات تتبع محددة في هذا المجال تم تطويرها في إسرائيل.
وتمكنت “لاهاف” من تفكيك مئات المحافظ النشطة التابعة للمنظمات المسلحة وتجميدها. والكلام يدور عن محافظ تحتوي على ملايين الدولارات. وفي الوقت نفسه، تمكنت حماس من تحقيق “سيولة” لمبالغ كبيرة حتى أثناء القتال، لأن تحويل الأموال عبر المحافظ الرقمية لا يتطلب الاحتفاظ بأموال “حقيقية”.
وتوضح وحدة “لاهاف” السيبرانية أن الحركات المسلحة تعمل مع بعضها البعض في تبادل العملات المشفرة، في حين أن العمال النهائيين – الصرافين – هم أشخاص وهميين مع جوازات سفر مزورة وعناوين IP متغيرة. ومواجهة هذه النشاطات تتطلب التعاون مع قوات الشرطة في أوروبا والولايات المتحدة.
وقالت وحدة السايبر لموقع ”زمان يسرائيل” إن هذا التعاون كان في العادة جيدًا جدًّا، قبل الحرب، لكنه الآن تزايد وتعزز.
رسالة المشرعين الأمريكيين
بعد إعلان وزارة المالية، بعث 107 مشرعين أمريكيين (من مجلسي الشيوخ والنواب) من الحزبين – الجمهوري والديمقراطي – برسالة إلى البيت الأبيض زعموا فيها أن فرض العقوبات على أصول حماس وأفرادها كشف “الفجوة الكبيرة الموجودة في مسألة استخدام العملات المشفرة لجمع الأموال من قبل المنظمات الإرهابية”.
وجاء في الرسالة، التي بادرت إليها السيناتور إليزابيث وارن، أن هناك حاليًّا تهديدًا خطيرًا للأمن الوطني من قطاع العملات المشفرة، والذي يعمل كقاعدة كبيرة لتمويل الإرهاب. “تستخدم حماس العملات المشفرة منذ عام 2019، وقد أصبح هذا من أكثر الأساليب تطورًا في مجال تمويل الإرهاب”.
وتدعي وارن، كما أوضحنا أعلاه أيضًا، أن تحويل العملات الرقمية يتم بسرعة، في تبادل مباشر بين طرفين، غالبًا من قبل مستخدمين مجهولين. “يوجد حاليًّا تشريع في مجلس الشيوخ يلزم هيئة مكافحة الجرائم المالية الأمريكية (FinCEN) بوضع لوائح متقدمة للتقليل من مخاطر التمويل غير القانوني”.
ويوضح المحامي يهودا شيفر أنه على الرغم من التمويل الرقمي، فإن معظم تمويل هذه المنظمات لا يزال يأتي من دول، “وقد سمحت إسرائيل بتحويل الأموال من قطر”. وبحسب قوله، “جرت محاولة في عهد حكومة بينيت لتحويل الأموال النقدية إلى بطاقات مساعدات إنسانية قابلة للشحن، بحيث لا يمكن استخدام الأموال إلا لشراء المنتجات الحيوية”.
وأشار شيفر أيضًا إلى أنه على مدار 20 عامًا، سمحت الحكومات الإسرائيلية المختلفة بتحويل الأموال إلى حماس من قطر. “تقوم وحدة لاهاف السيبرانية والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب الاقتصادي في وزارة الدفاع اليوم بعمليات مراقبة جدية”.
وأضاف أن “كل المعلومات تصل إليهم ويقومون بتمريرها إلى الإنتربول والوكالات الأخرى في جميع أنحاء العالم، لكن للأسف السلطات الأوروبية في غيبوبة فيما يتعلق بتمويل الإرهاب، لأنه يتم جمع الأموال في أوروبا عبر جمعيات تتظاهر أنها خيرية”.