رغم معارضيها.. أوروبا "تختار" الطاقة النووية لعبور شتاء قارس

رغم معارضيها.. أوروبا "تختار" الطاقة النووية لعبور شتاء قارس

سيضرب الأوروبيون الذين يعانون من أزمة طاقة شديدة؛ موعدًا مع اختبار تاريخي هذا الشتاء، مع أول هجمة للبرد القارس، بشكل لا تؤتمن نتائجه.

وكانت القارة العجوز قد شهدت دفئا غير معتاد في الأسابيع الماضية، خفف قليلًا من الضغط على صناع القرار فيها، لكنها ما لبثت أن تهنأ به، حتى وجدت نفسها أمام نتائج أزمة الجفاف لم تشهد أوروبا مثيلاً لها منذ 500 عام.

موجة الجفاف تلك تحدثت عنها المفوضية الأوروبية في تقريرها الأخير، وأكدت أنها الأسوأ منذ 5 قرون، منذرة بالمخاطر والخسائر البيئية الكبيرة الناجمة عنها.

وأبرز هذه الخسائر تأثر إنتاج الطاقة النووية، قوام الكهرباء في أوروبا اليوم، والحل البديل التي تسعى إليه بعض الدول في ظل أزمة الطاقة مع روسيا.

ورغم أن الطاقة النووية الأوروبية كانت الراعي الأكبر لتصدّع العلاقات الألمانية –الفرنسية، لكن يُنظر إليها اليوم على أنها حل لأزمة الكهرباء.

كما أن دولا جديدة تسعى إلى اعتمادها، مثل بولندا التي اختارت منذ يومين عرضا أمريكيا لتشييد أول محطة نووية على أراضيها.

وفي ذات الوقت، تسعى الدول التي تمتلك تلك الطاقة إلى زيادة مفاعلاتها وتعزيزها غير آبهة بمعارضة الشعوب والأصوات المنادية بالطاقة المتجددة.

ألمانيا والعودة للنووي

وفي ألمانيا، بدأ العمل على تجهيز مفاعلين نوويين كان من المقرر إغلاقهما مع حلول نهاية العام الجاري، بما يتماشى مع خطة تخرج البلاد من الطاقة النووية.

وتبلغ تكلفة مشروع تشغيل المحطتين حوالي 100 مليون يورو، على أن يتم العمل بهما بعد كانون الأول/ديسمبر المقبل.

يأتي ذلك في الوقت الذي تخطط فيه محطة الطاقة النووية "إيزار 2" لإجراء الصيانة بتكاليف ستصل إلى حوالي 50 مليون يورو، كما ستكلف الأعمال التحضيرية في المحطة النووية "نيكارويستهايم- 2" مبلغا مشابها.

وكان إيقاف محطات الطاقة النووية واحدا من أبرز مطالب الشعب الألماني في مظاهراته الأخيرة التي خرجت في برلين ودوسلدورف وهانوفر، وشتوتغارت ودريسدن وفرانكفورت، خاصة أنصار حزب الخضر، وأنصار التحول إلى الطاقة الخضراء.

وقال المواطن الألماني كينزبنديت (29 عاماً): "نحارب نحن الخضر الطاقة النووية في ألمانيا منذ عقود، في الشوارع والآن في الحكومة".

وأضاف كينزبنديت لـ"إرم نيوز": "لا ندري كيف تم خداع وزارة الشؤون الاقتصادية والبيئة وتأخيرها لشهور من أجل منع تمديد العمل بمحطات الطاقة النووية الألمانية".

وأضاف الشاب الذي شارك في المظاهرات الأخيرة أن "سياسة الطاقة في الواقع ليست للسياسيين، لأنهم يفكرون ويعملون لتنفيذ أجنداتهم السياسية، أما سياسة الطاقة دائماً ما تكون طويلة الأجل، ومنح مهام فرقة التوعية الذاتية البيئية لوزارة الاقتصاد هو إجراء غير منطقي، يجب منح مهامها للاقتصاديين الأكفاء".

وأشار إلى أن "تمديد العمل في محطة الطاقة النووية إجراء لا يصدق، وفيه تجاهل وإهانة لمطالب الشعب، وسيجعل ألمانيا "سخيفة" في جميع أنحاء العالم".

باريس تدير ظهرها للبيئة

إلى فرنسا، حيث أكبر إنتاج للطاقة عبر المفاعلات النووية في العالم، حيث تولد 70 في المئة من الكهرباء عبر 56 مفاعلاً نووياً وتصدّر للدول المجاورة.

عانت المفاعلات النووية في فرنسا وتوقف نصفها عن العمل بسبب الأعطال أو الجفاف، ما جعل الناتج الكهربائي ينخفض إلى أدنى مستوى له خلال 30 عاما، وأدى ذلك أيضا إلى انخفاض الصادرات إلى النصف تقريبا، حسب آخر التقارير الحكومية.

ذلك الواقع دفع الإدارة الفرنسية للتوجه نحو زيادو طاقة المفاعلات النووية، وتغيير الخطة التي كانت ترمي للتخلي تدريجيا عن المفاعلات النووية لمصلحة المصادر المتجددة مثل الشمس والرياح.

وستلاقي الخطوة الفرنسية، حسب توقعات محللين، غضبا شعبيا، ومعارضة من دول العالم التي تسعى إلى مكافحة التغير المناخي وتنادي باستبدال الطاقة النووية بالطاقة من مصادر أخرى، إضافة للعبء المادي الكبير الذي ستتكبده الحكومة الفرنسية.

ومن المعروف أن الطاقة النووية ليست عملية بالمعنى الاقتصادي، وإلا ما احتاجت فرنسا إلى تأميم شركة إي دي إف لتتمكن من تشغيل المفاعلات بدعم حكومي.

الجفاف يعطل النووي

أما أزمة الجفاف، فستحد بشكل كبير من هذا التوسع المزمع القيام به، حسب بيانات الشركات المشغلة للمفاعلات النووية، وذلك لأن المحطات النووية تستخدم كميات كبيرة من المياه العذبة القادمة من الأنهار والبحيرات بغرض التبريد، وسيؤدي انخفاض تدفقات الأنهار نتيجة الجفاف إلى تقليل توليد الكهرباء في محطات الطاقة النووية.

حسب المستشار الفرنسي في مجالات الطاقة برنارد لابونش، لا ترتبط الطاقة النووية فقط بأفضل السبل لتوليد الكهرباء، وإنما هي إرث تاريخي في فرنسا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقومية، وأن ينادي أي مواطن فرنسي بمعاداة الطاقة النووية فذك من المحرمات.

وقال لابونش: "إذا كنت ترغب في الحصول على وظيفة كمهندس أو باحث في فرنسا فعليك أن تكون مؤيدًا للطاقة النووية، لذلك هناك قلة قليلة من الذين ينتقدونها علانية".

وبالتالي كل المؤشرات تشير إلى أن الطاقة النووية ستبقى في فرنسا لعقود قادمة، رغم المعارضة الشعبية الواسعة والتحذيرات البيئية التي من الأخطار الناجمة عن المياه التي تلقي بها محطات الطاقة النووية في الأنهار بعد أن تكون قد استخدمتها في التبريد، وما تشكله من أخطار على النظم البيئية والأسماك والنباتات المائية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com